الماءُ على سطح المرّيخ.. أصبح هذا مُؤكَّدًا بعد نشر بيانٍ وصُوَرٍ للكوكبِ الأحمر، بتوقيع وكالةِ الفضاء الأمريكية.. وما دام الماءُ هناك، حتى وهو مالح، فقد بات شبهَ مُؤكد أن في المرّيخ كائناتٍ ميكروسكوبيةً حيّة.. وأن البكتيريا، وهي من أقدم الكائنات، موجودةٌ هي الأخرى في أعماق المرّيخ.. كما توجدُ في المرّيخ عناصرُ أخرى أساسيةٌ للحياة، منها الكربون.. وفي هذا الوقت، تُتَدَوَلُ صورٌ يُقالُ إنها من آثارِ كائناتٍ ذكية ربما اختفت من زمان، وربما ما زالت موجودةً في كُهوفٍ وأماكنَ أخرى من المرّيخ.. ها هو شقيقُ كوكبِ الأرض، يحتوي نفسَ العناصر الأساسية التي أدتْ في الأرضِ إلى تطوير الحياة، بينما على المرّيخ توقّفَتْ الحياةُ أو لم تتطوّرْ.. وفي هذا السياق، تساؤلاتٌ علميةٌ متعددة عن الأسباب التي جعلت الأرض تتطور لبناءِ حضارات، وجعلت المرّيخ يتوقف.. هذا إذا كان بالفعل متوقّفًا.. هناك من يرى أن كائناتٍ ذكية تعيشُ في مناطقَ من المرّيخ، ومنها تُراقبُ ما يفعلُه الإنسانُ بنفسِه وبغيرِه وبالحياة على الأرض وفى أجواءِ ومداراتِ كوكبِ الأرض.. وهذا يذهبُ أيضا إلى تصوُّرِ أنّ كائناتٍ ذكيةً ربما توجدُ في الجانبِ الخفيّ من القمَر، وربما أيضا في أقمارٍ أخرى لكواكبَ في مجمُوعَتنا الشمسية.. وأصبح اليوم واضحًا أنّ الحياة لا تقتصر على كوكبِ الأرض، بل تمتدُّ إلى كواكبَ أخرى يعتقدُ كثيرٌ من العُلماء أنّ عددَها يصلُ إلى ملايير من الحضاراتِ الذكيةِ السابحةِ في مداراتٍ مُختلفةٍ متجانسةٍ بالكون الشاسع الرحب.. ويقولُ مُختصُّون: إن الرّحلةَ الأميركية المأهُولةَ إلى المرّيخ ستبدأُ قبلَ وقتِها المحدَّد، بعد أن تأكد وجودُ الماء، وما يعنيه وجودُ الماء.. ويعودُ الحديثُ عن مشاريعِ ضيعاتٍ خضراءَ على المرّيخ، داخلَ أقبيةٍ مُغلَقَة.. مشاريعُ بدأتْ تتحرك للوصول إلى جدولةٍ للتّنفيذ، خلال السنوات القليلة القادمة.. المرّيخُ لن يكون أمريكيًّا.. هكذا تتصورُ سياساتٌ مُتصاعدةٌ من بُلدان نادي الفضاء.. ولكن، ماذا هو فاعلٌ بالمرّيخ منْ ينتصر؟ الخوفُ كلُّ الخوف أن يقوم مجانينُ العالم بتصديرِ أزماتٍ أرضية إلى الكوكبِ الأحمر.. ومجانينُ العالم لا يعالجون الخلافات بشكل يجعلُ الجميعَ يعيش بسلام، بل يعالجونها وكأن أزمات الأرضِ لا يحلُّها إلا من يقضي على غيرِه.. في حين أنّ متاعبَنا نحن البشر ليستْ مالية، بل إنسانية.. وليستْ في الأبناك، بل في القلُوب.. وليست على فوهاتِ البنادق، بل في العقول.. الحلولُ بسيطة، إذا أعادَ مسؤولونا النظر في توجُّهاتِهم، بحيثُ يتمُّ الاتّفاقُ على التغيير.. كلُّ طرف يُغيّرُ نفسَه. هكذا يتحققُ التعايُش والتأزُر والنجاحُ المشترك.. هذه هي القاعدة التي يمكن بها أن نصل جميعا إلى المرّيخ وإلى ما بعد المرّيخ، وأن تكون لنا مكانة إيجابية في أسرةِ الكائناتِ الذكيّة، وأن نساهمَ جميعًا في تنميةِ حضاراتٍ فضائية عاقلة.. فهل نحنُ مؤهَّلُون لتغييرِ طريقةِ تعامُلنا مع بعضِنا ومع الغير؟ أليس اكتشافُ الماءِ في المرّيخ إشارةً إلى كونِ الحياة يمكن أن تستمرَّ وتمتدَّ إلى آفاقٍ أنفعَ وأوسع؟ إن العلُوم في كوكبِنا الأرضي تتطورُ بشكلٍ لم يسبق له مثيل.. ونستطيعُ أن نستغلَّ هذا التطوُّر لبناءِ عالمٍ جديد قوامُه التعاونُ المشترك، والأفُقُ البشري اللاّئقُ بنا نحنُ أبناءُ كوكبِ الحياة.. وهذا التطوّرُ العلمي المذهل سيُغيّرُ حياتَنا اليومية رأسًا على عقب خلال السنواتِ القليلة القادمة، حيث تنتشرُ في شوارعنا سياراتٌ تسوقُ نفسَها بنفسها، وتختفي من حياتِنا اليومية بطاقةُ التعريف.. بطاقةُ التعريف ستكون في شكل شريحة إليكترونية بحجم حبّة أرزٍ فيها الأنترنيت وكلُّ البرامج التي تجعلُ المرءَ يتخاطبُ عن بُعد، ويقرأُ أفكارَ غيرِه في أقصى العالم، ويستطيعُ أن يعرفَ كل شيء عن أيّ شخص.. وبهذا يفقدُ كلُّ شخص منّا خصوصياتِه.. فهل نحن في مستوى معالجة ما سيفرضُهُ علينا هذا التطوُّر؟ وهل تقبلُ الكائناتُ الذكية، إذا كانت بالمرّيخ أو القمر أو غيرهما، أن نُواصلَ العبَثَ بالمعرفة التكنولوجية؟ والسؤالُ الأهمّ: أين هو الإنسانُ فِينَا، والإنسانُ منّا، في الأرضِ كُنّا أمْ على المرّيخ؟ [email protected]