يتوافد يوميا آلاف اللاجئين على دول أوروبية مختلفة هربا من الحروب والنزاعات التي تشهدها بلدانهم، إلا أنه في رحلة بحثهم عن الأمان، وبعد المخاطرة بحياتهم، قد يواجَهون بالقمع من طرف بعض الدول التي ترفض استقبالهم. هكذا، قسمت أزمة اللاجئين أوروبا بين دول تسعى جاهدة لتقديم المساعدة، وأخرى تقف عقبة في وجه طالبي اللجوء "ضاربة عرض الحائط القيم الإنسانية"، يقول عدد من المتابعين. تضامن مستشارة وتحول موقف بداية مع ألمانيا، حيث شددت المستشارة أنجيلا ميركل، في مناسبات عدة، على ضرورة اتخاذ إجراءات صارمة ضد أي تحرك عنصري أو متطرف ضد اللاجئين في وقت يزداد فيه تعرضهم لحوادث تؤدي إلى مقتل العديد منهم، مؤكدة أن هذه الأزمة تمثل أولوية الحكومة الألمانية حاليا، وأن بلادها تستطيع أن تدبر أمر اللاجئين في العام الحالي دون زيادة في الضرائب. وكشفت المرأة الحديدية عن برنامج مساعدات سيقدَم لحكومات الولايات الألمانية، ينص على تقديم مساعدات بقيمة 500 مليون يورو لتأمين سكن اللاجئين و350 يورو مساعدات لمن لا معيل له ممن أعمارهم دون 18 عاما، على أن تقدَم من تاريخ تقديم اللاجئ طلب اللجوء، وتستمر حتى انتهاء اللجوء. وتشير التقديرات إلى أن ألمانيا ستستقبل حوالي 800 ألف لاجئ حتى نهاية العام الحالي. أما إسبانيا، فأبانت حكومتها عن استعدادها قبول أي عدد من اللاجئين تقترحه المفوضية الأوروبية. ويعتبر ذلك تحولا كبيرا في موقفها بعدما رفضت، في شهر ماي، أن تستقبل عددا أصغر من اللاجئين بسبب نسبة البطالة في البلاد التي تبلغ 22 بالمائة، بالإضافة إلى عدم قدرتها على استيعاب عدد المهاجرين الذين يصلون شواطئها من إفريقيا. وكانت المفوضية الأوروبية قد خصصت لإسبانيا في الأساس نحو ستة آلاف لاجئ من الموجودين في الاتحاد الأوروبي ومن تجري إعادة توطينهم من خارج الكتلة الأوروبية، إلا أن إسبانيا وافقت على 2749 لاجئا فقط، لكن بعد تغيير موقفها فمن المقرر أن تستقبل أكثر من 19 ألفا لاجئ. تضامن مشروط فرنسا أعلنت أنها لن تستقبل أكثر من 30 ألف لاجئ في إطار الخطة الأوروبية لتوزيع طالبي اللجوء. في هذا الصدد، صرح رئيس الحكومة الفرنسية، مانويل فالس، قائلا: "المفوضية الأوروبية خصصت مراكز استقبال ل160 ألف طالب لجوء من الذين يفرون من الحرب والتعذيب، لكن فرنسا اقترحت استقبال 30 ألفا منهم ولن تتخطى هذا الرقم''. وكانت فرنسا تعارض بشدة مبدأ الحصص الإلزامية، غير أن الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، قال في تصريح إن "الأمور تغيرت خلال فترة الصيف، وإن فرنسا لا يمكن أن تبقى مكتوفة الأيدي أمام هذا الوضع الإنساني الأليم". من جهتها، عبرت الحكومة الفنلندية عن رغبتها في مضاعفة عدد اللاجئين الذين تستقبلهم هذا العام إلى 30 ألف لاجئ مقارنة ب 15 ألفا خلال العام الماضي. وبحسب الأرقام الصادرة رسمياً عن السلطات الفنلندية، فإن هذه السنة عرفت تقديم نحو 11 ألف طلب لجوء بأغلبية ساحقة من العراقيين، بينما لم تشهد السنة الماضية تقديم سوى 3600 طلب لجوء. وقد شددت فنلندا، مؤخرا، إجراءات الرقابة على حدودها، ذلك أنها عرفت تدفق الكثيرين من طالبي اللجوء الذين يعبرون الحدود نحو المدن الفنلندية دون تسجيل أنفسهم كلاجئين، الشيء الذي وصفته السلطات بالوضع الخارج عن السيطرة. مراقبة للحدود في مواجهة ما وصفه الأمين العام للوزارة البلغارية بالوضع المعقد الناجم عن أزمة اللاجئين، بدأ تطبيق خطة تنص على نشر ما يصل إلى 1000 عسكري على طول الحدود البلغارية- التركية. جاء ذلك على اثر الضغط المتواصل على الحدود ليلا حين حاول 660 لاجئا دخول بلغاريا بشكل غير مشروع. وعملت دوريات الأمن البلغارية على رصد اللاجئين بالحدود التركية البلغارية والتبليغ عنهم من أجل إعادتهم إلى تركيا، كما أرسلت بلغاريا أكثر من 1000 شرطي إضافي إلى حدودها مع تركيا، البالغ طولها 260 كلم، والتي يسهل التسلل منها، وأغلقت قسما منها عبر أسلاك شائكة بطول 30 كلم، كما سبق لبلغاريا أن رفضت فتح مجالها الجوي أمام طائرات روسية تحمل مساعدات إلى سوريا. "السجن ثلاث سنوات لمن يجرؤ على عبور الحدود الهنغارية"، نص جديد أقره المشرعون لمواجهة تقاطر آلاف اللاجئين على الأراضي الهنغارية للعبور نحو أوروبا، كما يتيح القانون الهنغاري الجديد للجيش استخدام الرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع وغيرها من الأسلحة غير القاتلة من أجل السيطرة على جموع المهاجرين المحتشدة عند حدود البلاد. السلطات الهنغارية ترفض كذلك دخول الحافلات إلى أراضيها لنقل اللاجئين إلى محطة القطار، إذ سبق لها أن أجبرت نحو 4000 لاجئ على إخلاء حافلات كانت تقلهم باتجاه الحدود مع النمسا، مما اضطرهم إلى المشي تحت المطر مسافة خمسة كيلومترات من المركز الحدودي في نيكلسدورف إلى محطة القطارات، حيث يقوم قطار خاص تابع لشركة القطارات النمساوية بنقل الراغبين منهم إلى سالزبورغ قرب الحدود الألمانية. رئيس الوزراء المجري، فيكتور أوربان، اعتبر تدفق اللاجئين يهدد الهوية المسيحية للقارة الأوروبية، إذ عمدت السلطات المجرية إلى بناء سياج من الأسلاك الشائكة على طول حدودها مع صربيا للحد من دخول اللاجئين، بالإضافة إلى أنها بصدد بناء جدار بارتفاع أربعة أمتار، كما أكدت بودابست رفضها لنظام الحصص المقترح من قبل المفوضية الأوروبية لتوزيع اللاجئين بين الدول الأعضاء. الموقف ذاته اتخذته سلوفاكيا بشأن الحصص الملزمة لتوزيع اللاجئين، إذ صرح رئيس حكومتها، روبرت فيكو، "لا أحد يمكنه أن يملي علينا ما سنقوم به". وقد سارت كل من سلوفاكيا وكرواتيا على خطى المجر، بهدف إقفال جميع منافذ ما بات يعرف ب "طريق البلقان" في وجه اللاجئين الذين يرغبون في التوجه إلى ألمانيا والدنمارك والسويد على وجه الخصوص. ازدواجية المعايير بالرغم من أن الدول الأوروبية تدعو في مناسبات عديدة إلى القضاء على العنصرية على أي أساس، إلا أن الأمر يختلف حينما يتعلق باللاجئين، إذ أصبح الدين يشكل مانعا لاستقبالهم. لهذا قررت بلجيكا فتح الباب أمام المسيحيين فقط من اللاجئين السوريين، إذ أشرفت على ترحيلهم من حلب وغيرها من المدن السورية. هذا الموقف يتماشى مع قرار سلوفاكيا التي أعلنت هي الأخرى أنها لن تستقبل سوى اللاجئين السوريين المسيحيين على أراضيها، إذ صرح وزير داخليتها بالقول: "يمكننا استقبال 800 مسلم ولكن لا يوجد في بلادنا مساجد فكيف لهؤلاء أن يشعروا بالاندماج في مجتمعنا إذا لم تعجبهم الحياة هنا؟". وقد عارض الرئيس التشيكي، ميلوس زمان، استقبال بلاده لاجئين من دول شمال إفريقيا مثل ليبيا، معتبراً أنهم ذوي خلفية ثقافية مختلفة تماماً، لن تكون مفيدة لجمهورية التشيك. واقتصرت بولندا على استقبال 60 أسرة مسيحية، بحجة أنها دولة مسيحية، بحسب تصريحات رئيس وزرائها، إيوا كوباز، الذي أكد على أن بولندا ستساعد المسيحيين والخلفية الدينية ستكون مؤثرة في معاملتهم، وفق تعبيره. هكذا، تخيّب بعض الدول الأوروبية آمال اللاجئين ممن يطرقون أبوابها بحثا عن الأمان، وما ذلك إلا تعبير عن فشل هذه الدول في الالتزام بالحد الأدنى من مجموع القيم والمسؤوليات المتعلقة بإيواء ورعاية اللاجئين باعتبارها قضية عالمية. هؤلاء ضحايا الأوضاع السياسية والأمنية الحرجة التي تعرفها بلدانهم نتيجة التدخل الغربي، بما فيه الأوروبي، في الشأن الخاص للدول. *صحافية متدربة