يحل فصل الخريف فترتدي حلتها الصفراء والخضراء، وتعتمر قبعتها السوداء، لتَسُرّ الناظرين الذين يقعون في غرام عطرها النفاث ومذاقها الحلو.. إنها فاكهة "الجوافة" التي يصفها الفلسطينيون ب"المدللة". ففي هذا التوقيت من السنة، تعج مدينة قلقيلية، شمالي الضفة الغربية، بالعاملين، والزائرين، مع بدء موسم قطف فاكهة "الجوافة" التي تشتهر بها المدينة لطبيعة مناخها الحار، وتوفر كميات كبيرة من المياه الجوفية، وتنتج منها كميات كبيرة تسد حاجة السوق الفلسطيني، وتصدر منها للخارج. في مزرعة والدها بالمدينة، تقطف إيمان أبو خضر، بلطف، ثمار الجوافة، استعداداً لتسويقه في الأسواق المحلية. وتقول أبو خضر (44 عاماً) للأناضول: "الجوافة ثمرة مدللة، تحتاج لعناية خاصة، فقطفها وترتيبها في صناديق خاصة يتم بلطف". والد إيمان، محمد أبو خضر، الذي ينتج سنوياً، من مزرعته الواقعة إلى جانب جدار الفصل الإسرائيلي، نحو 15 ألف كغم، يقول للأناضول: "الزراعة مصدر رزقي الوحيد، وفي هذه المزرعة يوجد نحو 100 شجرة جوافة مزروعة على مساحة 3.5 دونم (الدونم يعادل ألف متر مربع)، أزرع هذه الفاكهة منذ نحو 10سنوات (...)، الجوافة رمز وشعار نفتخر به في قلقيلية". وبينما يواصل رص الثمار في صناديقها، يضيف المزارع أبو خضر(63 عاماً): "الجوافة شجرة مدللة تحتاج إلى عناية خاصة، فهي تحتاج لسماد، وكميات كبيرة من المياه، وبيئة رطبة، وحرارة عالية". ويسوق أبو خضر منتجاته في الأسواق الفلسطينية، بينما ينتظر موافقة الجهات الأردنية، لبدء التصدير لأسواقها وفق اتفاق بين البلدين. ويُباع الكيلو الواحد من فاكهة الجوافة في الأسواق الفلسطينية ب 8 شواقل (الدولار الأمريكي يعادل 3.9شيقلات). وإلى جانب أبو خضر، هناك العشرات من المزارعين في قلقيلية يعتمدون على موسم قطف ثمار الجوافة، الذي يبدأ عادة من تاريخ 25 أغسطس من كل عام ويستمر نحو ثلاثة أشهر. وتقول فردوس، زوجة أبو خضر: "الحمد لله نعمل في الجوافة، هي كل شيء بحياتنا، منها عايشيين (نعتاش)، وموسم قطفها فرصة سنوية لتحقيق الربح". وتضيف: "الأرض تعني لي كل شيء، والجوافة هي جزء من حياتنا، كأنها طفل من أطفالي". وعلى الرغم من عمله في القطاع الحكومي، إلا أن أسامة (49 عاماً)، نجل أبو خضر، يرتبط بأرض والده، ويبذل قصارى جهده في مساعدته مع كل موسم. ويقول أسامة: " الجوافة فاكهة الخريف، تُقدم للضيف، وتُقدم هدية، الناس يعشقون رائحتها، ومذاقها". ومنذ عام 2012، ينظم الفلسطينيون في مدينة قلقيلية، مهرجاناً سنوياً يسمونه "مهرجان الجوافة" يعرضون فيه أبرز أنواع هذه الفاكهة من "المصري"، و"الشواطئ"، و"الغبرة"، ويسعون من خلاله للتشبيك مع جهات خارجية لتسويق منتجاتهم. ولعائلة أبو خضر، 23 دونماً مزروعة بالجوافة والحمضيات، وأنواع أخرى من الفاكهة، كان اقتطعها الجدار الفاصل الإسرائيلي، عام 2003. وفي هذا الصدد يتابع الوالد قائلاً: "سرقوا (الاحتلال الإسرائيلي) جل أرضي، لم يبق سوى هذه القطعة، يُسمح لنا بالدخول عبر تصاريح خاصة، نعاني من صعوبات في الحصول على التصاريح، وعلى البوابات نحتاج إلى تدقيق وتفتيش وإذلال". وتعد تربة قلقيلية ذات جودة كبيرة، وتتوفّر فيها كميات كبيرة من المياه حيث يوجد فيها 72 بئر مياه جوفي. وفي حديثه سابق مع الأناضول، توقع رئيس غرفة تجارة قلقيلية، إبراهيم نزال، أن تنتج محافظته هذا العام، نحو 56 ألف طن من الجوافة، على أن تصدر ألف طن إلى الخارج، مشيراً إلى أن هذه الكمية تزيد على حاجة السوق الفلسطيني بكثير، داعيًا إلى فتح أسواق خارجية. وعلى هامش افتتاح "مهرجان الجوافة"، في وقت سابق، الشهر الجاري ، قال وزير الزراعة الفلسطيني وليد عساف، للأناضول إن وزارته تعمل من خلال التواصل مع الأسواق الخارجية على فتح سوق تسويقي للمنتج الفلسطيني، موضحاً أن ثمرة الجوافة الفلسطينية تعد من أجود ثمار الجوافة في العالم. وبحسب عساف، يستورد الأردن، سنويًّا، كميات كبيرة من الجوافة الفلسطينية حسب حاجتها. ولا تقتصر فوائد شجرة الجوافة على تناول ثمارها فقط والتي تحتوي على فيتامين (أ، ب، ج)، بل يُصنع من هذه الثمار، الحلويات، والمربيات، والعصير، أما الأوراق فيستخدمها الكثير من الناس في علاج السعال والأمراض الصدرية، وهي الوصفة التي لا تزال تستخدم بقوة في الطب الشعبي في فلسطين. * وكالة أنباء الأناضول