وسط موجة غلاء متصاعدة لأسعار اللحوم في مصر قبيل عيد الأضحي، يفتح السوق المعروف ب"ميناء اللحوم" في حي الوراق (غربي القاهرة) نافذة أمل لمحدودي الدخل من أجل الحصول على قدر من "سيد الطعام"، بسعر مناسب، مقابل آخرين يشحذون السكاكين في مكان قريب من هنا. عبدالحكيم عبدالله (موظف حكومي) قطع عبر المواصلات، عدة كيلومترات، من مقر سكنه بمدينة حلوان (جنوب) قاصدًا سوق الوراق غربي، لشراء اللحم، معللاً ذلك بقوله: "هنا اللحوم رخيصة، وجودتها معقولة، بعكس الأماكن الأخرى التي تشهد ارتفاعًا كبيرًا في الأسعار". وفي شكل منظم، تتراص محلات الجزارة في السوق، وأمامها عشرات الحيوانات المذبوحة معلقة، والجزارون منشغلون بتجهيزها وتهيأتها للبيع، حيث يفصلون العظام والدهون عن اللحم لتبدو الذبيحة أشهى في عين الناظر إليها. "السكينة شغالة والحال زي (مثل) الفل".. بهذه الكلمات عبّر صبحي حنا، صاحب "جزارة" بالسوق، عن سعادته بالزبائن الذين يتوافدون عليه، مفتخرًا بتنوع المعروضات، ورخص الأسعار في محله عن مثيلاتها في أحياء القاهرة الأخرى. وقال حنا: "كيلو اللحم البلدي هنا يتراوح سعره ما بين 70 و75 جنيهًا (أقل من 10 دولارات)، بعكس محلات وسط القاهرة التي يصل سعر الكيلو فيها إلى 90 جنيهًا (نحو 12 دولارًا)".. ونفى حنا أن تكون الدعوات التي أطلقت لمقاطعة اللحوم قد أثرت على مبيعاته أو أعداد المشترين. وإلى جانب المستهلكين، يستقبل سوق الوراق، أيضًا، جزارين من أماكن أخرى؛ حيث يشترون الذبائح الجاهزة لبيعها في مناطقهم بسعر أغلى، لتوفير مشقة شراء الحيوان الحي وذبحه. ومع اقتراب عيد الأضحى يزاوج الجزارون في السوق بين بيع اللحوم المذبوحة والأضاحي الحية، حيث يعتبر العيد موسمًا هامًا من مواسم نشاطهم التجاري. وكانت مصر شهدت خلال الفترة الماضية، عددًا من الحملات الداعية لمقاطعة اللحوم، لمواجهة الغلاء المطرد في الأسعار، أشهرها حملة "بلاها (تخلى عن) لحمة"، أطلقها نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، وحازت على تغطية إعلامية كبيرة، لكنها لم تؤثر بشكل حقيقي في انخفاض أسعار اللحوم، بحسب تقارير محلية. وقال سامي طه، نقيب البيطريين،ل إن "زيادة الأسعار بدأت منذ فترة طويلة بمعدل غير طبيعي، ومن المتوقع أن تستمر الزيادة، بسبب النقص الكبير في كمية الحيوانات منتجة اللحوم في مصر". وأرجع تجار سبب زيادة الأسعار في اللحوم، إلى الغلاء المطرد في تكاليف تربية المواشي؛ إذ يعاني مربو الماشية من غلاء أسعار الأعلاف التي يعتمدون عليها في تغذية حيواناتهم. وبحسب تقرير للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (حكومي)، صدر الشهر الماضي، فقد وصل العجز في متوسط المتاح للاستهلاك من الحبوب والأعلاف المركزة 7.6 ملايين طن عن الاحتياجات خلال الفترة من عام 2004 إلى عام 2013. وتحاول الحكومة المصرية توفير بدائل مناسبة للتغلب على مشكلة غلاء أسعار اللحوم، حيث أعلنت وزارة الزراعة، في وقت سابق، أنها ستوفر كميات كبيرة من اللحوم المستوردة لمواجهة ارتفاع الطلب، ومنع انفلات الأسعار خلال أيام عيد الأضحى، فضلاً عن توفير الأضاحي البلدية الحية بمزارع قطاع الإنتاج التابعة لها، جيث بلغ سعر الكيلو الواحد من الأغنام بسعر 37 جنيهاً (5 دولارات) قبل الذبح، والأبقار بسعر 31 جنيهاً (4 دولارات)، والعجول بسعر 29 جنيهاً (3 دولارات). في المقابل، يبلغ سعر الكيلو الواحد من المواشي غير المستوردة، قبل الذبح، 37 جنيهاً، أما الأغنام فالكيلو يصل إلى 45 جنيهاً (8 دولارات)، بارتفاع بلغت قيمته قرابة 5 جنيهات عن العام الماضي، بحسب تجار. وليس ببعيد عن الوراق، تسمع صوت آلة شحذ السكاكين (سن السكين)، قادماً من سوق "المذبح القديم"، حيث عشرات المحال التي تعرض إلى جانب الأضاحي من المواشي، والأغنام، والإبل، مستلزمات الأُضحية من غذاء للحيوانات، وسكاكين، وسواطير، وشوايات، وغيرها، والتي تلقى إقبالاً كبيراً من قبل التجار، والجزارين، والمواطنين في هذا التوقيت. وبحسب باعة، تبدأ أسعار السكاكين محلية الصنع من 15 جنيهاً (1.91 دولار) وحتي 50 جنيهاً (6 دولارات)، بينما المستوردة تتجاوز المائة جنيه. * وكالة أنباء الأناضول