دفعت الاتفاقية الموقعة أخيرا بين المغرب وفرنسا، بمناسبة زيارة الرئيس فرانسوا هولاند للمملكة، بشأن تكوين أئمة المساجد الفرنسيين بالمغرب، الدكتور عبد الله بوصوف، الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج، إلى الجزم بأن "نظام إمارة المؤمنين بالمغرب يوازي قوانين العلمانية في الدول الديمقراطية". وأفاد بوصوف، في مقال توصلت به هسبريس، بأن الاتفاقية الموقعة بين البلدين دليل على أهمية النموذج الديني المغربي، المبني على الوسطية والاعتدال، وحفظ التماسك الاجتماعي بعيدا عن التشدد والتطرف، كما أنها تبرز توجها جديدا لفرنسا وعلمانيتها التي تضمن حرية ممارسة الشعائر الدينية". وفيما يلي نص مقال الدكتور عبد الله بوصوف كما ورد إلى الجريدة: وقع المغرب وفرنسا نهاية الأسبوع الماضي اتفاقية مشتركة لتكوين الأئمة الفرنسيين في المغرب، بمناسبة زيارة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند إلى المغرب بدعوة من صاحب الجلالة الملك محمد السادس. وإذا كانت الاتفاقية الموقعة بين البلدين والتي هي بمثابة معاهدة دولية، تبرز أهمية النموذج الديني المغربي المبني على الوسطية والاعتدال وحفظ التماسك الاجتماعي بعيدا عن التشدد والتطرف، فإنها تظهر من جهة أخرى توجها جديدا لفرنسا ولعلمانيتها التي تضمن حرية ممارسة الشعائر الدينية، وتمثل عنصرا جديدا لهذه العلمانية المنفتحة. تبنت فرنسا التوجه العلماني منذ سنة 1905، بشكل يجعل الدولة تكفل حرية المعتقد لمجموع مواطنيها والمقيمين فوق ترابها، ولا تتدخل في الشؤون الدينية، باستثناء منطقتي الألزاس واللورين اللتان لا تخضعان لهذا النظام، بالنظر لخصوصيتهما التاريخية. فعندما قررت فرنسا التوجه نحو مبدأ علمانية الدولة سنة 1905 كان إقليما الألزاس واللورين ما يزالان خاضعين للنفوذ الألماني، ولم يسر عليهما بالتالي هذا القانون، بل وحتى حين استرجعتهما فرنسا بعد الحرب العالمية، قررت المحافظة على خصوصيتهما الدينية، والقوانين المحلية. وحفاظا على التوازنات الاجتماعية لهذين الإقليمين حيث تنتشر الكاثوليكية والبروتستانتية واليهودية، فإن مرونة العلمانية الفرنسية تسمح للدولة الفرنسية بتمويل الدين، وتجعل من رجاله موظفين لديها، وأكثر من ذلك فإن الأساقفة هناك يعينهم رئيس الجمهورية باقتراح من الفاتيكان؛ كما أن منطقة لا رييونيون ما زالت تعرف تطبيق قوانين إسلامية في كل ما يتعلق بالأحول الشخصية كالزواج والإرث ... لقد مكن انفتاح العلمانية الفرنسية وتنوعها في الداخل، من استفادة المسلمين من حرية ممارسة شعائرهم الدينية، وكذا من بناء أماكن العبادة التي تساهم في بنائها المؤسسات الفرنسية، على سبيل المثال ساهمت السلطات المحلية والجهوية مجتمعة بنسبة 28 في المائة في بناء المسجد الكبير بستراسبورغ، وهو نوع من التطبيق الجزئي لاعتراف فرنسا بالإسلام. إن حياد الدولة الفرنسية فيما يخص الشأن الديني وتنوع علمانيتها هو ما تمثله في المغرب مؤسسة إمارة المؤمنين التي ضمنت على مر التاريخ حرية ممارسة الشؤون الدينية، وتطبيق الشعائر لجميع المغاربة من مختلف الديانات وكذا الأجانب المقيمين بالمغرب. فمولاي إسماعيل أصدر ظهيرا يسمح للرهبان الأجانب بالاشتغال في المغرب؛ وكانت هناك ظهائر التوقير الذي تفرض احترام الأشراف من الديانات الأخرى وخاصة اليهودية؛ كما أن المساهمة مؤخرا في ترميم وإعادة فتح المعبد اليهودي "صلاة الفاسيين" بفاس وتلاوة رئيس الحكومة لرسالة ملكية بهذه المناسبة خير دليل على حرص إمارة المؤمنين على ضمان ممارسة الشعائر الدينية لجميع المتدينين في المغرب. يمكننا الجزم على أن نظام إمارة المؤمنين في المغرب يوازي قوانين العلمانية في الدول الديمقراطية، ويحقق أهدافها فيما يخص ضمان الممارسة الدينية، بشكل يحترم الخصوصية التاريخية والدينية والثقافية للمملكة المغربية.