بعد مرور ست سنوات على انتخابات 2009، لا تزال نتائج هذا الاقتراع حاضرة في أذهان السياسيين لمدى تأثيرها في الخارطة الحزبية، لاسيما في العلاقة المكهربة بين حزبي العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة. فحتى مع اكتساح حزب "المصباح" للمدن الكبرى في اقتراع 2015 لعدة أسباب، أجملها عبد العلي حامي الدين في خمسة، إلّا أن المتحدث طالب ب"تشكيل لجنة تقصي حقائق حول الأسباب غير النظيفة التي استعملها حزب الأصالة المعاصرة لغرض الفوز في ذلك العام". وتوّقف حامي الدين كثيرا عند علاقة حزبه بالأصالة والمعاصرة، إذ أكد أن حدوث تنسيق كبير بين الاثنين لا يزال أمرا مستبعدا لأسباب كثيرة، لخصّها المتحدث في ضرورة قيام "البام" بنقد ذاتي لما وقع عام 2009 عندما حقق المركز الأول في الانتخابات رغم أن تأسيسه لم تمر عليه سوى بضعة أشهر، وذلك عبر "استغلال قربه من السلطة، وتفكيكه للتحالفات السياسية، وسطوه على عدة مدن كطنجة ووجدة، وترهيبه للناس"، مضيفا أن ما وقع حينذاك يحتاج "لجنة لتقصي الحقائق شبيهة بلجان تقصي الحقائق خلال سنوات الرصاص". وتابع عضو الأمانة العام لحزب العدالة والتنمية، في لقاء من تنظيم "مركز هسبريس للدراسات والإعلام"، مساء اليوم الخميس، أنه لولا هبوب رياح "الربيع العربي" واحتجاجات حركة 20 فبراير لهدّدت آثار انتخابات 2009 المسار السياسي للبلاد، مستطردا أنه رغم ضمانات النزاهة التي تم توفيرها لانتخابات 2015، إلّا أن الأسئلة لا تزال تُطرح في بعض المناطق، خاصة "جهة طنجة- تطوان- الحسيمة التي صوتت فيها مكوّنات من الأغلبية الحكومية لمرّشح معيّن يشتغل بمنطقي تحكمي وغير ديمقراطي". وحول الأسباب التي أدت إلى اكتساح "العدالة والتنمية" للمدن الكبرى وحلوله ثالثا في الانتخابات الجماعية، قال حامي الدين إنها تبدأ أولا من قوة الحزب التنظيمية من حيث صلابة هياكله الوطنية والمحلية واحترامه للديمقراطية الداخلية وفرضه لمسطرة دقيقة لاختيار المرّشحين، عكس أحزاب أخرى لا تتوّفر على أيّ هوية تنظيمية وإيديولوجية، وتعمد إلى تزكية أيّ كان وحتى شراء مرّشحين لحمل ألوانها. السبب الثاني يعود إلى الحملة القوية للحزب ونزول أمينه العام إلى الشارع للتواصل المباشر مع عامة الناس، ممّا جعل من التجاوب بين بنكيران والمواطنين حدثا سياسيا غير مسبوق. بينما يعود السبب الثالث إلى التوجه نحو المدن التي تشهد اقتراحا باللائحة وتقلّ فيها سطوة المال ويرتفع فيها منسوب التصويت السياسي، عكس القرى التي تشهد اقتراعا فرديا يزكي الشخص وليس الحزب، وممارسات مُشينة يحتل فيها المال الحيّز الأكبر، يقول حامي الدين. السبب الرابع يتجلّى في تقديم الحزب لأمثلة حيّة عن تدبيره المُحكم لمجموعة من المدن خلال السنوات السابقة، ومن ذلك مدن القنيطرةوتطوان والرشيدية ووادي زم، بينما يكمن السبب الخامس في نزاهة مرّشحيه وغياب أيّ ملفات تخدش سمعتهم، لاسيما العلاقة مع المال العام، يُردف القيادي داخل حزب المصباح في هذا الموعد الذي حضره حسن طارق عن حزب الاتحاد الاشتراكي، ومحمد معزوز عن حزب الأصالة والمعاصرة. وبنبرة الواثق، أجاب حامي الدين عن سؤال لمنشط الندوة حول توقعاته للانتخابات التشريعية القادمة سنة 2016، بأن "المصباح" سيعزّز زعامته وسيحتفظ بالمركز الأول للمرة الثانية على التوالي، مشيرا إلى أن الحزب كان ينتظر من المواطنين إشارة للمضي في مسيرة الإصلاح، وهو ما وقع بالنظر إلى الأرقام التي حققها، عكس تحليلات أشارت إلى تصويت عقابي مرتقب ضد الحزب، وفي ظل فترة حساسة قاد فيها الحزب الحكومة ووجد أمامه الكثير من التحديات. وحول انعكاسات تقدم الحزب في ظل سياق إقليمي تراجعت فيه أغلب الأحزاب الإسلامية، يرى حامي الدين أن تجربتهم ستُلهم الكثير من التنظيمات التي يتقاسمون معها المرجعية. غير أن هذا التقدم لا يعود للحزب وحده، يستطرد المتحدث، بل إن خصوصية المغرب لعبت دورًا مهمًا في إنجاح التجربة، ف"الاستقرار السياسي، والمشروعية التاريخية والإصلاحية للمؤسسة الملكية، والتقاليد الديمقراطية التي بدأت منذ الاستقلال، والوحدة المذهبية والدينية، كلها عوامل دفعت إلى نسج استثناء مغربي يبقى حزب العدالة والتنمية أحد أجزائه الأساسية". وبخصوص التحالفات التي هيمنت على النقاشات العامة، قال حامي الدين إن حزبه لم يصرّح أبدًا بأن التحالف مع "الجرار" خط أحمر، بل "إنه كان واعيا بضرورة خلق استثناءات في جماعات معيّنة"، غير أن ذلك لم يؤثر على التحالفات بشكل عام، إذ احترم الحزب في غالبيتها الاتفاق بين مكوّنات الائتلاف الحكومي، مشيرا إلى أن القوانين الانتخابية تعجّ بالأعطاب، لكن إصدارها أتى بعد توافق بين جميع المكوّنات، خاصة الأحزاب الصغرى التي رفضت وجود بند يجعل بناء التحالفات حكرا على الحزب المتصدر للجماعات والجهات.