الْحُبُّ نقيض الْبُغْضِ. والْحُبُّ: الْوِدَادُ والْمَحَبَّةُ. وأَحَبَّهُ فهو مُحِبٌّ، وهو مَحْبُوبٌ . وتَحَبَّبَ إليه تَوَدَّدَ، والْحَبِيبُ الْمُحِبُّ. قال الْمُخَبَّلُ السَّعْدِيُّ: أَتَهْجُرُ لَيْلَى بِالْفِرَاقِ حَبِيُبهَا وَمَا كَانَ نَفْساً بِالْفِرَاقِ تَطِيبُ وكان زيد بن ثابت رضي الله عنه يطلق عليه حِبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم. والْحُبَابُ بضم الحاء الْحُبُّ. قال أَبُو عَطَاءِ السَّنْدِيُّ : فَوَ اللهِ مَا أَدْرِي وَإِنِّي لَصَادِقٌ أَدَاءٌ عَرَانِي مِنْ حُبَابِكَ أَمْ سِحْرُ وقد ورد مفهوم المحبة في القرآن الكريم باشتقاقاتها وصيغها (83 مرة). منها (24 مرة) في المجال العقدي، و(59 مرة) في المجال التشريعي ويدل هذا التكرار على أهمية المحبة بين الناس، وشيوعها في المجتمع. ففي السور المكية التي تبحث قضايا العقيدة الكبرى، يقول تعالى:( إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) القصص/56، فالحب الوارد في الآية هو حب بسبب القرابة، والرغبة الأكيد في الهداية. ويقول سبحانه: (وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَٰكِن لَّا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ) الأعراف/79، وهو حب النصح في الله الذي هو ديدن الأنبياء والرسل، والصالحين. ويقول تعالى: (ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ) النحل/107. حيث تتحدث الآية عن حب الاختيار، وهي مبالغة في (اسْتَحَبُّوا)، بمعنى تفضيل الدنيا على الآخرة، أما في المجال التشريعي فقد خاطب الله عباده المخلصين بقوله: (يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) المائدة/54، وهي إشارة إلى قوم سيأتون، صفتهم الحب المتبادل بينهم وبين ربهم. كما جاءت آيات أخرى تؤكد حب الله للمؤمنين بحيث يشمل هذا الحب مجالات الحياة التي يحياها المؤمن، ويتقلب فيها. قال تعالى :( وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ) آل عمران/146، ويقول سبحانه:( وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) آل عمران/148 ويقول عز وجل: (فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ) آل عمران/76، ويقول تعالى: (وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ) التوبة/108، ويقول الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) المائدة/42، مما يبيّن أن الله هو الّذي بدأ بمخاطبة المسلمين بهذا المفهوم ليرشدهم إلى طبيعة العلاقة التي يجب أن تكون بين الله وعباده، وهي علاقة أساسها الحب الّذي هو من فَيْضِ الله على عباده، إذا تحققت فيهم صفة الصّبر والاحسان، والتقوى، والطهارة، والقسط، وغيرها من الصفات المحمودة. وفي المقايل نَفْيُ محبة الله عن البَطِرِ الآشِرِ الذي لا يشكر نعم الله. يقول عز وحل: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ) القصص/76. وعن المتصف بالخيانة، والغدر، والكفر، والجحود. يقول تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ) الحج/38، و عن المختال المعجب بنفسه. يقول: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) لقمان/ 18. وإن إيمان العبد ومحبته، ومحبوبيته من الله توجب الترقي في منازل الكمال والجمال . وفي هذا يقول أبو طالب المكي في كتابه قوت القلوب: "كل مؤمن بالله فهو محب لله، ولكن محبته على قدر إيمانه، وكَشْفِ مشاهدته، وتَجَلِّي المحبوب له على وصف أوصافه". وعن مفهوم المحبة يقول ابن الفارض في ديوانه: نَسَخْتُ بِحُبّي آيَةَ الْعِشْقِ مَنْ قَبْلِي فَأَهْلُ الْهَوَى جُنْدِي وَحُكْمِي عَلَى الْكُلِّ وَكُلُّ فَتًى يَهْوَى فَإِنِّي إِمَامُهُ وَإنِِّي بَرِيءٌ مِنْ فَتَى سَامِعِ الْعُذْلِ وَلِي فِي الْهَوَي عِلْمٌ تَجْلُ صِفَاتُهُ وَمَنْ لَمْ يَفْقَهِ الْهَوَى فَهُوَ فِي جَهْلِ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ فِي عِزّةِ الْحُبِّ تَائِهاً بِحُبِّ الّذِي يَهْوَى فَبَشِّّرْهُ بِالذُّلِّ وتناول أبو نصر السراج الطوسي في كتابه اللمع في تاريخ التصوف الاسلامي أهل المحبة فقال: "إن أهل المحبة في ثلاثة أحوال: الحال الأوّل هو محبّة العامة، وهذا ناتج من إحسان الله إليهم وعطفه عليهم، والحال الثاني وهو يتوّلد من نظر القلب إلى غناء الله وجلاله وعظمته وعلمه وقدرته، وهذا النوع من الحب يصل إليه الصّادقون والمتحقّقون. أما النوع الثالث من الحب فهو محبّة الصديقين والعارفين، تولدت من نظرهم ومعرفتهم بقديم حب الله تعالى بلا عِلَّةٍ، فكذلك أحبّوه بلا علة". قال تعالى: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ) آل عمران/31. فدلت الآية أن بالاتباع تصح النِّسْبَةُ، وتدوم المحبة والأنس، وتَنْكَشِفُ الحقائق، وتستقر الآمال عند قوله تعالى:( وَأَنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ الْمُنتَهَىٰ)النجم/ 42، قال القرطبي في تفسيره: أي المرجع والمراد. فيتحقق بهذه المحبة المراد شهادة، واعتقادا، وعملا، ودلالة على الله، وتَفْتَحُ أسماعُ المحبين، والمتشوفين إلى معرفة الله، وتُنَوِّرُ بصائر المتوجهين بذكر الله، وكل انتساب إل أهل الله، أهل المحبة والصفاء، إنما هو في الحقيقة انتساب إلى الله، لأنه سبب المعرقة والتحقق بالعبودية. يقول الامام السهروردي رضي الله عنه: وَوِصَالُكُم رَيْحَانُها وَالرَّاحُ أَبَداً تَحِنُّ إِلَيْكُمُ الأَرْواحُ وَإِلَى لَذِيذِ لِقَائِكُمْ تَرْتَاحُ وَقُلُوبُ أَهلِ وِدَادِكُمْ تَشْتَاقُكُم سِتْرَ الْمَحَبَّةِ وَالهَوَى فَضَّاحُ وَا رَحْمَةً للعاشِقينَ تَكَلَّفُوا