في غير عادة من التدبير الانتخابي، وعلى بعد سنة -تقريبا- من الاستحقاقات التشريعية (2012)، يكاد يجمع المسؤولون الحزبيون -في الوقت الراهن- على خطاب واحد، يتقاسم ذات القناعات في تحليل الواقع السياسي وما آلت إليه الأوضاع الاجتماعية والحقوقية والاقتصادية والديمقراطية من تراجعات. هذا الخطاب لا تمارسه المعارضة ومعارضتها فقط؛ وإنما تبادر إليه الأحزاب المشكلة للحكومة بمختلف تياراتها، وهو ما يحمل اعترافا -متأخرا ربما- من أن الوضع متأزم لدرجة لم يعد معها السكوت والتواري وسيلة مثلى لمجابهة الأخطار التي تحدق بالممارسة السياسية، مما يجعل هذا الاعتراف مصنفا في خانة التبرؤ من التدبير الحالي للسياسات العمومية، الشيء الذي يطرح أكثر من سؤال وإشكال! عمق الإشكال يزيد هوة حين يتحدث كافة الفرقاء عن استهداف المؤسسة الحزبية التي تشكل لبنة أساسية للممارسة السياسية من خلال تأطير المواطنين وتمثيلهم كما ينص على ذلك الدستور (الفصل3)، مما يجعل هذه المؤسسة مجرد قالب شكلي فارغ من أي محتوى فكري أو مضمون تجسده البرامج الحزبية ومشاريعها للتدبير المحلي والحكامة الوطنية، الشيء الذي يعزز مواقع محترفي خطاب التيئيس (المباشر منه وغير المباشر)، ويسند القناعة السائدة من لاجدوائية الإسهام السياسي عموما والمشاركة الانتخابية خصوصا؛ هذه الرؤية الاستشرافية لمآلات العبث السياسي الذي تعرفه الساحة المغربية، دفع العديد من الأحزاب إلى التحذير من النتائج الوخيمة التي ستشهدها الاستحقاقات المقبلة، لاسيما مع بروز مجموعة من الممارسات السياسية الشاذة والبعيدة -كل البعد- عن مبدأ التنافس الديمقراطي. لكن يبدو أن دق ناقوس الخطر، وبهذه الحدة المتصاعدة، لم يجد طنينه آذانا منصتة أو أفئدة مستوعبة، الشيء الذي يدفعنا -هاهنا- إلى توجيه رسالة مفتوحة إلى أحزاب نحسبها منفتحة، دون أن يعني ذلك إغفالنا لكثير من الدكاكين الحزبية التي تكرس الانغلاق أو المغلقة أصلا! مع قناعتنا المسبقة أن "الدكان الحزبي" لا يعني بالضرورة قلة المعروض التنظيري و/أو الرواج التنظيمي، بقدر ما يكتسي طابع التكتيك الانتهازي، حتى وإن تجاوز سقفَ التقسيط إلى مستوى الجملة، كما هو حال المرور القياسي لبعض الدكاكين التي فتحت مؤخرا! قبل استخلاص المضمون المباشر لرسالتنا المفتوحة، وحتى تصل وجهتَها الصحيحة، لابد من التذكير -في نقطتين- بالقناعات المشتركة التي نرى أن الأحزاب المعنية تتقاسمها ولو بشكل متفاوت من حيث الأولويات وحجم التعاطي والاهتمام. النقطة الأولى تتمثل في ضرورة القيام بإصلاحات دستورية عاجلة استجابة للتحديات والإكراهات التي يشكو منها الجميع (سواء في السر أو العلن)؛ وهي الخطوة التي من شأنها أن تصلح النظام الانتخابي بما يكفل بناء مؤسسات دستورية قوية، وبالتالي بناء دولة الحق والقانون الضامنة للاستقرار الاجتماعي والممارسة الديمقراطية السليمة، وهي الإصلاحات التي من شأنها -كذلك- أن تضع بين يدي الحكومة المنتخبة إمكانات حقيقية وصلاحيات أوسع لمباشرة مسؤولياتها وتنزيل برامجها، بعيدا عن سياسة الواجهات و"حكومة الديكور" الصورية؛ كما تدعو الحاجة اليوم -وأكثر من أي وقت مضى- إلى إصلاحات تعزز المكانة السامية للمؤسسة الملكية وتحفظ هيبتها من عبث "ذوي السوابق اللاديمقراطية" الذين يجعلون من شخص الملك -المقدس بنص الدستور- طرفا في الممارسة السياسية والتنافس الانتخابي غير الشريف، وهو ما من شأنه أن يفعّل المقتضيات الدستورية التي تقطع مع نظام الحزب الوحيد وتجعل المشروعية حليفة التعددية الحقّة. وفي هذا السياق الأخير، تندرج ثاني نقاط القناعة المشتركة، لتتمثل في استشعار خطورة "الوافد الجديد" وما يمثله من تهديد حقيقي لمصالح البلاد الحيوية والاستراتيجية، من خلال ممارساته التبخيسية للمؤسسات وتوظيفها المفرط لتحقيق مآرب ضيقة تلقي بالعباد -لا قدر الله- في أتون فتنة (كتلك التي شهدتها العيون) لا توازيها إلا فتنة الدجال! وهي قناعة لابد أن تستتبع اعترافا بوجود إرادة مقيتة للتحكم في المشهد الحزبي، وتطويع الإدارة لحصد "الناتج السياسي الخام" وفرض أغلبيات بأجندة أحادية خلال الاستحقاقات المقبلة. وهي النتائج التي -إن تحققت- سيكون لها ما بعدها، خاصة على مستوى التراجع في المكتسبات الحقوقية وتفويت فرصة ثمينة على بناء مغرب التعددية والديمقراطية الذي هبت نسائمه مع بدايات العهد الجديد. إن وجود هذه الأرضية الأولية من القناعات، وفي حدها الأدنى المشترك، يشكل قاعدة انطلاق معتبرة لتأسيس فعل حزبي يروم –قبل أي شيء- الحفاظ على استقرار البلاد اجتماعيا واقتصاديا، ومراكمة المكتسبات في أفق تطويرها وفق الخصوصيات المغربية، ومن ثم الإسهام في بناء تجربة مرجعية في العالم العربي والامتداد النامي، خصوصا الإفريقي منه. هذه الصبغة التفاؤلية (حتى لا نقول الوردية) التي تطبع تطلعنا المستقبلي، لابد لها من "بيئة إجرائية" تطبع الأداء الحزبي الآني، وهو ما يتضمنه فحوى هذه الرسالة في نقاط محددة كالتالي: إن الأحزاب الوطنية مدعوة -في هذه المرحلة- إلى فضح الممارسات السياسية الشاذة للحزب المتسلط، وتشكيل جبهة وطنية ضد عبثه السياسي مع تسليط الضوء على رؤوس الفساد الذي يقودون آلة الاستئصال الشامل، والتي لن تستثني أحدا رغم تفرغها الحالي لعزل الفاعلين السياسيين فرادى؛ وهو الإجراء الذي يعززه الركوب الأخير على موجة "المد الإسلاموي" في شخص العدالة والتنمية (وقبله حزب الأمة، والبديل الحضاري، زيادة على العدل والإحسان)، ثم فتح جبهة على "التيار العروبي" ممثلا في حزب الاستقلال ووزرائه بالتحديد؛ واللائحة تطول لتحصد أحزاب اليسار بالترغيب والترهيب لاستقطاب كفاءاتها المحلية والوطنية؛ علما أن هناك أحزابا ابتلعت في أول دوامة حركتها عجلة الجرار الهائج! وإذا كانت الأحزاب الوطنية مدعوة لتسمية الأشياء بمسمياتها كما أسلفنا؛ فإنها مدعوة أيضا إلى وضع النقاط على الحروف، وتبني مواقف مبدئية تهدف إلى الاصطفاف وراء المشروعية وعدم التطبيع أو التطبيل لدعاة الحزب الوحيد ومن يسند ممارساتهم الشنعاء (ولو بالصمت)؛ مع الإبقاء على كافة الخيارات ممكنة للتنسيق وتشكيل تحالفات قوية تفوت الفرصة على الوافد الجديد من أن يفرض خطوطه الحمراء على الفاعلين السياسيين، وتخلط حساباته الهادفة إلى خلق هالة إعلامية يطغى فيها التراشق الإيديولوجي المتبادل بين الفرقاء الحزبيين (خاصة بين اليسار والإسلاميين)، قبل أن يضعف الكل ويستفرد بالباقي على الساحة السياسية. إن رسالتنا بقدر ما هي مفتوحة ومركزة فهي واضحة، وهو ذات الوضوح الذي ينتظر من جانب الأحزاب في تقرير مصير الممارسة السياسية، وحينها -فقط- يمكننا التمييز بين أحزاب وأحزاب، ونعلم -حينها- عن أي صنف من الأحزاب نتحدث. ولكل حدث حديث!