في مقعد مقابل للباب الخلفي للحافلة العمومية رقم 18، التي تصل العاصمة الرباط بعين عودة، جلست بشرى منتظرة أن يؤدي الركاب الذين صعدوا للتو أربعة دراهم ثمن التذكرة، وفيما يسارع البعض لإيجاد مقاعد شاغرة، يؤدي آخرون ثمن التذكرة على الفور.. وبسرعة تكون مستخدمة النقل العمومي، أو "الرسوفورة" كما تُعرف لدى الرباطيين، قد انتهت من تسليم التذاكر، فيما تقوم بالنقر بواسطة قطعة نقدية على قضيب حديدي للتأكد من مهمتها. قد يبدو للوهلة الأولى أن عمل هؤلاء المستخدمات، اللواتي يقدر عددهن هنا في العاصمة بالعشرات، سهل وروتيني، لكن بشرى، التي قضت ما يزيد على العقد من عمرها داخل حافلات النقل العمومي، ترفض ذلك بشدة قائلة "لا يمكنك تصور معاناتنا مع بعض الركاب حين يرفضون أداء ثمن التذكرة، أو عندما يعمدون إلى سبنا، والاستهزاء بنا دون سبب، فقط لأننا نساء". وتضيف أم سارة ضاربة مثلا بموقف تعرضت له قبل أيام فقط مع أحد الركاب الشباب، "طلبت منه بأدب أن يعطيني أربعة دراهم، بدل ورقة نقدية من فئة مائتي درهم، لكنه رفض، وأخذ يستهزئ بي، بل وطلب مني أن أترك مقعدي له، حينها جُن جنوني وأخذت أضربه بقوة، ليتدخل بعض الركاب ويفضوا الشجار". كان عدد الصاعدين من الركاب يفوق بكثير عدد المغادرين، وهكذا لم تكد الحافلة تُجاوز المحطة الطرقية "القامرة"، حتى امتلأت عن بكرة أبيها، وبات الحصول على موطئ قدم داخلها يتطلب جهدا بدنيا كبيرا، وفي تلك الأثناء، خاطبتنا بشرى "لا شك أنكم تشعرون بالعياء والإجهاد، بعد نصف ساعة فقط من الوقوف، تصوروا أنه قبل أن يسمحوا لنا بالجلوس هنا، كنا نمضي 8 ساعات على ذلك الحال". بشرى، التي غادرت مقاعد الدراسة من المرحلة الإعدادية، تستبعد كثيرا تغييرها لهذه المهنة بالقول "أنا بالكاد أجد الوقت للاعتناء بابنتي، التي تمضي اليوم بأكمله مع أمي تارة ومع حماتي تارة أخرى، أين هو الوقت للبحث عن عمل؟"، وتؤكد بشرى أن هذا هو حال الكثير من المستخدمات، ومن بينهن من قضت أزيد من عشرين سنة في خدمة الركاب، دون أن تفكر في البحث عن بديل. الركاب.. بين الحال والمقال " تبارك الله عليهم، عيالات ديال بصح"، قد تلخص هذه الكلمات، التي جاءت على لسان أحد الركاب في المحطة النهائية ب"باب الأحد"، كثيرا من الآراء المؤيدة والمتعاطفة، التي استقيناها خلال ثلاثة أيام من الذهاب والإياب، في مختلف خطوط الحافلات العمومية بالرباط، أحد هذه الآراء كان مثيرا للاهتمام، حيث اعتبرت صاحبته، بعد أن عبرت عن تعاطفها مع المستخدمات، أن الأحق برئاسة الجمعيات النسائية المدافعة عن حقوق المرأة، "هن الرسوفورات.. لأنهن يشعرن بمعاناة المرأة، بل ويعشنها". عبد الله، وهو مستخدم في نفس شركة النقل، ثمن عمل "الرسوفورة" وقال إنه لا يمانع أن تعمل زوجته كمستخدمة إن دعت الضرورة لذلك، "ما العيب في ذلك، فهذا عمل شريف، شرط أن تحترم المرأة نفسها، كي يحترمها الآخرون". الآراء المحفزة والمتعاطفة مع مستخدمات النقل العمومي، لا تعكس دوما تعامل الركاب معهن داخل الحافلة، خاصة في ظل الاكتظاظ المهول جراء النقص الحاد في أسطول الحافلات بالعاصمة، حيث يصبح العثور على وسيلة نقل بعد السادسة مساء أمرا بالغ المشقة. "الرسوفورة" والنقابة ليس الركاب وحدهم من يعبرون عن تعاطفهم مع مستخدمات النقل العمومي، هناك أيضا الفاعلون الجمعويون والنقابيون، حيث عبرت نائبة الكاتب العام للمنظمة الديمقراطية للشغل والفاعلة الجمعوية، فاطنة أفيد، عن تضامنها مع "الرسوفورات"، معتبرة أنهن مثل باقي النساء، اللواتي يشتغلن في التنظيف أو المقاهي، مضيفة أنهن "للأسف، يتعرضن لمضايقات أثناء عملهن من طرف بعض المواطنين، الذين يعتبرونهن (بنات الزنقة)، أو أن المرأة تبقى ضعيفة جسديا". مثل هذه المضايقات، تقول أفيد في تصريح ل"هسبريس"، "دفع عددا منهن لارتداء الحجاب، فقط اتقاء لشر بعض الركاب"، فيما رصدت "إهمالا لهؤلاء المستخدمات، رغم تضحياتهن العائلية ومساهمتهن في الاقتصاد الوطني، حيث من المفترض أن تُسخر الدولة مفتشين لمراقبة ظروف اشتغالهن"، وفي الصدد ذاته، قالت المتحدثة، إن جمعية نساء من أجل المساواة والديمقراطية "تبذل مجهودات حثيثة لتكوين المستخدمات قانونيا، والوقوف إلى جانبهن للمطالبة بحقوقهن"، فضلا، تضيف أفيد، عن "سعينا لتنظيم حملات تحسيسية في صفوف الركاب، وحثهم على المعاملة الحسنة للمستخدمات". (*) صحافي متدرب