في الأدب تستطيع أن تعيش أكثر من حياة فحياة واحدة لا تكفى.. أكيد ستستيقظ ذات صباح وإسمك "سانتياغو" ووجهك به تجاعيد كثيرة وشعرك ابيض ...تحمل عدتك وتقصد البحر للصيد ...تصارع للظفر بسمكة كبيرة ثم تقاتل أسماك قرش بعد ذلك وعند خط النهاية تجدك وحيدا من غير سمكة عانيت كثيرا لأجل إستقدامها ...هيكل عظمي نهشت لحمه أسماك القرش هو كل ما بإمكانك التباهي به عند الشاطيء ....يا لحجم ومقدار حسرتك ... في يوم آخر تجد نفسك على متن قطار في طريقه إلى إحدى جبهات القتال إبان الحرب العالمية الثانية وإسمك "اندريا " وتحمل الجنسية الألمانية وفي داخلك قلق وخوف من الحرب التي هي موت ولاشيء دون ذلك كما تبدو لك إضافة إلى حنين طاغ إلى أشياء جميلة هي نبض الحياة والبديل الحقيقي للقتل والدمار... مرة أخرى يصبح إسمك "حسنين " ابن مدلل لعائلة فقيرة فقدت والدها حديثا تتألف من ثلاثة إخوة وأخت تسعى لأن تكون ضابطا فتتنكر لحبك الأول وتبحث عن حب آخر عند "البهوات " او أهل المقام العالي تكون حينها قد قطعت كل علاقاتك بماضي الفقر والحرمان لكنك تتفاجأ بنفسك في ساعة متأخرة من الليل تقف عند جسر وأختك الوحيدة تلقي بنفسها من فوقه لأنها سلكت طريقا لا علاقة له بالشرف ولا المكانة التي وصلت انت إليها وإن كانت الفاقة هي الدافع الحقيقي ...تركتها ببساطة تلقي بنفسها لأن المكان الحقيقي للعار هو النهر. انت الآن إسماعيل عدت لتوك من ابريطانيا طبيب عيون تشاهد ذات يوم أمك تعالج عين ابنة عمك بقطرات من زيت تم أخذه من قنديل مقام السيدة زينب فتدخل في صراع مع والدتك وانت الطبيب الفاهم وهي المسكونة بالخرافات حسب قولك لكنك لا تنجح رغم كل ذلك في علاج إبنة عمك. تقوم بتكسير القنديل لأنه حسب إعتقادك هو السبب الحقيقي في عدم تماثلها وغيرها من المرضى للشفاء ...تدخل في صراع مع الناس ...في النهاية تحمل زيت القنديل إلى عيادتك وهنا يحصل الشفاء بمهارتك التى جئت بها من الغرب وزيت القنديل . يستعصي عليك نسيانها رغم بلوغها السبعين انت "افلورونتينو " وهي "فرمينيا " خطفها أحدهم ذات مرة فغدوت انت العاشق المهزوم الذي واصل العمل لتحقيق مكانة لنفسه في سعيه الدؤوب لإسترجاع حبه الضائع ...مات زوج "فرمينيا " ...انتما لآن على متن سفينتك لا تريد لهذه الرحلة أن تنتهي ...تطلق بلاغا كاذبا بأن السفينة تحمل وباء الكوليرا فيغادر كل الركاب ولايبقى غيركم ...رغم تقدمكم في السن لا يزال للحب قلب شاب في العشرين . أربعة أيام فقط جلت خلالها بين أربع قارات دون أن تتحرك من مكانك عشت طبيبا وضابطا وصيادا ومحاربا ورجل أعمال . رغم إختلاف الثقافات وتباين خطوط الجغرافيا يبقى هم ووجع الإنسان واحد من هنا تأتي ميزة الأدب كونه المرآة التي تقرأنا من الداخل . عليك الآن أن تعيد" الشيخ والبحر" للأمريكي ارنست همنغواي و "وصل القطار في موعده" للألماني هنريش بل و" بداية ونهاية" للمصري نجيب محفوظ و"قنديل أم هاشم" للمصري يحي حقي و" الحب في زمن الكوليرا" للكولومبي ماركيز إلى مكانها فوق الرفوف . [email protected]