باستثناء حزب النهج الديمقراطي، تشارك جميع الأحزاب اليسارية في الانتخابات الجماعية والجهوية المقرّرة يوم الرابع من شتنبر القادم، بما فيها "الاشتراكي الموحد" و"الطليعة الاشتراكي الديمقراطي" اللذان قاطعا الاستفاء على الدستور عام 2011، وقاطعا بعد ذلك الانتخابات البرلمانية في العام نفسه. كما يستمر حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في عملياته الانتخابية، شأنه شأن حزب التقدم والاشتراكية، إذ دأبا على المشاركة في الانتخابات المحلية منذ عقود. عودة حزبيْ نبيلة منيب وعبد الرحمن بنعمر إلى الواجهة السياسية يأتي داخل إطار "فيدرالية اليسار الديمقراطي" التي تضم إلى جانبهما "المؤتمر الوطني الاتحادي"، في تحالف هو الثاني من نوعه للمشاركة في هذه الانتخابات المحلية بين الأحزاب الثلاثة، إذ سبقه تحالف عام 2009 تحت مسمى "اليسار الديمقراطي"، كان هو الإطار السياسي الذي عاد من خلاله حزب "الطليعة" إلى المشاركة في هذه الانتخابات بعد مقاطعته لها منذ انشقاقه عن حزب الوردة. تباينت شعارات الأحزاب اليسارية المشاركة حسب جرعات إيديلوجيتها اليسارية وحسب مواقفها وحسب مشاركاتها السابقة في تدبير الشأن المحلي، تباين يخفي اختلافًا كبيرًا في وجهات النظر بين "يسار روّضه النظام" و"يسار راديكالي غير واقعي" حسب انتقادات كل طرف للآخر، لكن بين هذا وذاك، يُطرح سؤال حول مدى قدرة الأحزاب اليسارية على التأثير في خيارات المواطنين المغاربة، وهل لا يزال اليسار يُرادف النضال والتضحيات والعمل الجاد أم أنه ذاب، كما ذاب الكثيرون، في حمض المصالح الحزبية والشخصية الضيّقة. يشهد حزب الاتحاد الاشتراكي أزمة لا تخفيها تصريحات بعض قيادييه باستمرار قوته، فليس الخلاف حول الزعامة وحول التدبير الحالي الذي أفضى إلى انشقاق "البديل الديمقراطي" هو وجه الأزمة لوحده، إذ إن الحزب الذي كان رقمًا أساسيًا في المعادلة السياسية بالمغرب، وكان يتوّفر على أقوى الأسماء المناضلة التي بصمت تاريخ المغرب الحديث، يعيش تراجعًا بيّنًا بدأ تقريبًا منذ قيادته حكومة التناوب، وظهر أكثر بعد إصراره على المشاركة في حكومة إدريس جطو، رغم أنه وصفها ب"الخروج عن المنهجية الديمقراطية"، إذ كان منتظرًا استمرار حزب الوردة في قيادة الحكومة بعد فوزه في الانتخابات. يؤكد أستاذ العلوم السياسية أحمد مفيد هذا التراجع، فالدعم الشعبي للحزب تقلّص كثيرًا خلال السنوات الماضية، والانشقاقات التي كثرت بعد إصراره الاستمرار في حكومة إدريس جطو، وفقدانه للكثير من القيادات، والآثار السلبية التي نجمت عن آخر مؤتمراته بعدما آثر الكثير من الأعضاء مغادرة أسواره، جزء منهم شكلوا حزب البديل الديمقراطي، واختياره لأشخاص لا تربطهم به أيّ علاقة تنظيمية فقط لأجل ربح رهان الانتخابات، كلها عوامل تزيد من تراجع حزب الوردة. في الجانب الآخر، يظهر أن الاعتبارات التي تخضع لها الانتخابات الجماعية، والتي تتعدد من الامتداد الجماهيري وقوة التنظيم والقدرة على التواصل والقدرة على الاستقطاب وقوة البرامج، ثم استخدام بعض المرّشحين لوسائل غير قانونية لجلب الأصوات، يقول مفيد، وينضاف إلى ذلك انحسار الرقعة الشعبية لليسار عمومًا، كلها أمور قد تحدّ من نتائج فيدرالية اليسار في هذه الانتخابات، لكن ذلك لا يعني أن الفيدرالية لن تحصد على مقاعد، ف"نمط الاقتراح الموجود أي التمثيل النسبي المقرون بأكبر البقايا يتيح لجلّ الأحزاب الحصول على مقاعد انتخابية حتى وإن اختلف عددها حسب حجم الحزب". ويستدرك مفيد القول إنّ اليسار بشكل عام لم يمت، بل إنه صعد في الكثير من البقاع حول العالم، لكن الفرق بين يسار اسبانيا واليونان مثلًا ويسار المغرب، هو أن الأول بنى قوته على العمل اليومي والتواصل مع المواطنين ومعرفة مشاكلهم، بينما يبقى جزء كبير من اليسار المغربي بحاجة إلى إعادة تنظيم نفسه وجزء آخر بحاجة إلى تطوير خطابه السياسي، خاصة وأن هناك من لا يزال خطابه يمتح بشكل كبير من معجم السبعينيات، منهيًا حديثه لهسبريس بالإشارة إلى أن اليسار، ومع كل المشاكل التي يعرفها، سيستمر حاضرًا في المشهد السياسي المغربي الذي يبقى مشهدًا متنوّعًا. يؤكد الباحث في القانون الدستوري عبد الرحيم العلام في تصريحات لهسبريس فكرة أن اليسار لن ينتهي، بل أضحى يحظى براهنية كبيرة جدًا، ويُغري الكثير من شباب الجيل الحالي، لا سيما إن استحضرنا أن حركة 20 فبراير كانت في عمقها يسارية، كما يظهر هذا المد اليساري في الخطاب السياسي السائد بفيسبوك حتى وإن كان تلقائيًا ولا يدري أصحابه هذا الربط، لكن المشكل حسب قوله يكمن في مواقف اليسار وقادته والشخصيات التي تتحدث باسمه، إذ انتقلنا من "العضو المناضل إلى العضو الباحث عن مصلحته". ويتضح هذا البحث عن المصلحة في حزب التقدم والاشتراكية، إذ رغم استمرار ارتباطه بالأفكار اليسارية في بعض المشاريع والنقاشات العمومية، إلّا أنه بنى لنفسه "تصوّر الاستمرار في الحكومات ضمانًا لمصلحته كي لا يعود إلى المعارضة، وصار يعمل في الانتخابات المحلية على الاستعانة بشخوص انتخابية تتوّفر لديهم قدرات الحشد والاستقطاب، وما ساعده في ذلك، الرضا الذي بات يحصل عليه من السلطة، إذ يسّر له استقطاب الكثير من الوجوه الانتخابية، عكس ما هو حاصل لدى أحزاب فيدرالية اليسار عمومًا، فهذه الوجوه لا تفضلها بسبب غياب الرضا المذكور"، يقول العلام. غير أنه بصفة عامة، ليست الإيديولوجية هي ما يؤثر أساسًا في هذه الانتخابات، بقدر ما يؤثر عامل قرب المرّشح من الناخبين، ورصيده في منطقته وما يقدمه من خدمات، يتابع العلام، مشيرًا إلى أن الشعبية الكبيرة التي كان يمتاز بها الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وبعده الاتحاد الاشتراكي، لا تعود إلى أفكاره الاشتراكية أو اليسارية، بل تعود إلى مواقفه الكاريزمية وتضحيات مناضليه سنوات الرصاص، مستشهدًا في هذا السياق بقول للقيادي الاتحادي الراحل، المهدي بنبركة، عندما خاطب الجابري بأن المجتمع المغربي لم يتقبل بعد فكرة الاشتراكية، وبالتالي يمكن قول كل ما يوجد في الاشتراكية إلّا الكلمة في حد ذاتها.