القنيطرة... اختتام دوري أكاديميات كرة القدم    القيمة السوقية للدوري السعودي تتجاوز عتبة المليار يورو    باب برد: تفكيك عصابة إجرامية متورطة في سرقة وكالة لتحويل الأموال    الإرث الفكري ل"فرانتز فانون" حاضر في مهرجان الكتاب الإفريقي بمراكش    تطوان تحتفي بالقيم والإبداع في الدورة 6 لملتقى الأجيال للكبسولة التوعوية    نادٍ نرويجي يتبرع بعائدات مباراته ضد فريق إسرائيلي لدعم غزة    التوقيع على مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون والشراكة بين مدينة طنجة ومدينة القدس الشريف    CDT تقر إضرابا وطنيا عاما احتجاجا على قانون الإضراب    حكومة أخنوش تتعهد بضمان وفرة المواد الاستهلاكية خلال رمضان ومحاربة المضاربات    هذه توقعات أحوال الطقس اليوم الأحد    ابتداء من غد الاثنين.. ارتفاع جديد في أسعار المحروقات بالمغرب    هكذا يخطط المغرب لتعزيز أمن منطقة الساحل والصحراء    تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج شهدت ارتفاعا بنسبة 2.1 في المائة    الرجاء البيضاوي يتجه إلى إلغاء الجمع العام مع إناطة مهمة الرئاسة إلى بيرواين حتى نهاية الموسم    "هِمَمْ" ترفض التضييق والتشهير بمديرة جريدة "الحياة اليومية"    نزار بركة يترأس الدورة العادية الموسعة للمجلس الإقليمي لحزب الاستقلال في العيون    مقتل مغربي بطلقات نارية في إيطاليا    الإعلام في خدمة الأجندات السياسية والعسكرية    كريستينا.. إسبانية سافرت للمغرب لاستعادة هاتفها المسروق بمدريد والشرطة المغربية أعادته إليها في أقل من ساعة    تجميد المساعدات الأميركية يهدد بتبعات خطيرة على الدول الفقيرة    الرئاسة السورية: الشرع يزور السعودية    تحذير من تساقطات ثلجية وأمطار قوية ورعدية مرتقبة اليوم الأحد وغدا الاثنين    تفكيك شبكة صينية لقرصنة المكالمات الهاتفية بطنجة    روبرتاج بالصور.. جبل الشويحات بإقليم شفشاون وجهة سياحة غنية بالمؤهلات تنتظر عطف مسؤولين للتأهيل    السلطات الأسترالية تعلن وفاة شخص وتدعو الآلاف لإخلاء منازلهم بسبب الفيضانات    حريق مُهول يأتي على ورش للنجارة بمراكش    المغرب يعزز موقعه الأممي بانتخاب هلال نائبا لرئيس لجنة تعزيز السلام    "رسوم ترامب" الجمركية تشعل حربًا تجارية .. الصين وكندا والمكسيك ترد بقوة    دراسة: هكذا تحمي نفسك من الخَرَفْ!    استئناف المفاوضات بين حماس وإسرائيل الاثنين بعد رابع عملية تبادل للرهائن والمسجونين    ائتلاف حقوقي: تجميد "ترانسبارانسي" عضويتها من هيئة الرشوة إعلان مدوي عن انعدام الإرادة السياسية في مواجهة الفساد    الصين: شنغهاي تستقبل أكثر من 9 ملايين زائر في الأيام الأربعة الأولى من عطلة عيد الربيع    الجمعية المغربية لدعم إعمار فلسطين تجهز مستشفى الرنتيسي ومستشفى العيون باسطوانات الأكسجين    المنتخب الوطني لأقل من 14 سنة يجري تجمعا إعداديا بسلا    طنجة تتأهب لأمطار رعدية غزيرة ضمن نشرة إنذارية برتقالية    ريدوان يخرج عن صمته بخصوص أغنية "مغربي مغربي" ويكشف عن مشروع جديد للمنتخب    ريال مدريد يتعثر أمام إسبانيول ويخسر صدارة الدوري الإسباني مؤقتًا    أولياء التلاميذ يؤكدون دعمهم للصرامة في محاربة ظاهرة 'بوحمرون' بالمدارس    حجز أزيد من 700 كيلوغرام من اللحوم الفاسدة بطنجة    تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج فاقت 117 مليار درهم خلال 2024    مؤسسة طنجة الكبرى تحتفي بالكاتب عبد السلام الفتوح وإصداره الجديد    هذا هو برنامج دور المجموعات لكأس إفريقيا 2025 بالمغرب    مقترح قانون يفرض منع استيراد الطماطم المغربية بفرنسا    تفشي "بوحمرون" في المغرب.. أرقام صادمة وهذه هي المناطق الأكثر تضرراً    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفل تكريم لرئيسه السابق العلامة عبدالله شاكر    ثمن المحروقات في محطات الوقود بالحسيمة بعد زيادة جديد في الاسعار    الانتقال إلى دوري قطر يفرح زياش    مسلم يصدر جديده الفني "براني"    لمن تعود مسؤولية تفشي بوحمرون!    لقجع: منذ لحظة إجراء القرعة بدأنا بالفعل في خوض غمار "الكان" ولدينا فرصة لتقييم جاهزيتنا التنظيمية    القاطي يعيد إحياء تاريخ الأندلس والمقاومة الريفية في عملين سينمائيين    الإعلان عن تقدم هام في التقنيات العلاجية لسرطانات البروستات والمثانة والكلي    محاضرة بأكاديمية المملكة تُبعد نقص الذكاء عن "أطفال صعوبات التعلم"    أي دين يختار الذكاء الاصطناعي؟    الفنانة دنيا بطمة تغادر السجن    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد "أسدرم " تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    غياب لقاح المينانجيت في الصيدليات يعرقل سفرالمغاربة لأداء العمرة    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وحدة اليسار، هل هي إمكانية واقعية أم مجرد أمنية وهمية ؟
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 30 - 10 - 2012

تحظى الدعوة،في هده الأيام،إلى وحدة اليسار باهتمام بالغ من طرف أحزاب اليسار على الخصوص،ويذهب البعض منهم إلى حد ربط مستقبل هده الأحزاب بإنجاز هده المهمة التاريخية،ولا احد،من حيث المبدأ،يجرؤ على الاختلاف مع تحقيق هذه الرغبة النبيلة ولكن الاتجاه الموضوعي لمعطيات الواقع يسير،على ما اعتقد،عكس هذه الرغبة النبيلة ويحيلها إلى مجرد خطاب غير فعال على الصعيد السياسي والتنظيمي أساسا،وبالنسبة للبعض تغدو مجرد خطاب ديماغوجي يساير الرياح في جميع الاتجاهات،ولكن هذه الأحكام تحتاج إلى براهين تؤكد إلى أي حد لها بعض المصداقية حتى لا يكون الاختلاف مع دعاة وحدة اليسار مجرد نزوة سياسية أو اعتراض مزاجي . بل رغبة حقيقية في توضيح بعض المعطيات التي تدفعني إلى الاقتناع بان وحدة اليسار مجرد عدو وهمي من اجل الإمساك بسراب في صحراء .
فلنناقش ألان بعض الأسباب التي تجعلنا نعتبر أن تحقيق وحدة اليسار مجرد وهم في شروط أوضاع هده الأحزاب اليسارية . و من أولى هده الأسباب وأهمها غياب التفكير النقدي الموضوعي للذات . أي أن يعمد كل حزب إلى ممارسة النقد،والنقد الذاتي أساسا،كمهام دائمة ومستعجلة و كمدخل لتصحيح أوضاعه على جميع المستويات الفكرية [ الهوية الايديولوجية ] والسياسية وبالتالي التنظيمية .وقبل دلك سنتعرض في البداية لتجربة الانشقاق و الوحدة في صفوف الأحزاب الوطنية واليسارية .
أولا : الانشقاق والوحدة
في صفوف الحركة الوطنية
أ .تعرض كثير من الباحثين لظاهرة التعددية والانشقاق والوحدة في التجربة الحزبية المغربية بهدف البحث عن الأسباب الكامنة خلف ظاهرة الانشقاقات هل هي ناجمة عن دوافع شخصية أم نتيجة أسباب سياسية أم فكرية ؟ وقد رجح البعض الرغبة الشخصية في الزعامة في تفسير أول خلاف أدى إلى الانشقاق داخل صفوف الحركة الوطنية . ولكن قبل أن نناقش خلفيات أول انشقاق حزبي،لابد من الإشارة إلى طبيعة البنية الاجتماعية وعلاقتها بالشخص [القائد ]،فهو لم يكن مجرد شخص يستحوذ خلسة على سلطات وصلاحيات هي من اختصاص مؤسسات أخرى،بل كان يمثل بنية وثقافة مؤسساتية سائدة يعترف بها الجميع : شيخ الزاوية،وزعيم القبيلة ,والسلطان بسلطاته المطلقة ....الخ . وقد كان أول انشقاق تضاربت حوله التفسيرات والتأويلات ومعظم الباحثين يميلون إلى اعتباره مجد خلاف شخصي بين محمد بلحسن الوزاني وعلال الفاسي حول من يستحق رئاسة كتلة العمل الوطني،حيث اعتبر الزعيم الأول هو المؤهل لهدا المنصب للاعتبارات التي ساقها هو نفسه وأهمها في نظره أن الرئاسة تشريف وليست تكليفا ولا تقيد صاحبها بالعمل المضنى والصارم كأمين عام [ ديكتاتوري] وتسمح له بقدر من الحرية والحركة في العمل السياسي...... [ الاتحاد الاشتراكي من الاختيار الثوري إلى الاختيار الديمقراطي علال الازهر ص37] . وقد فسر ريزت في الأحزاب السياسية وبوطالب في مذكراته أن الانشقاق يعبر عن تحول الحركة الوطنية من حركة جماهيرية إلى حركة اطر،وقد يبدو في هدا التفسير نوعا من المبالغة مقارنة بمستوى التطور السياسي والحزبي . في حين راح البعض الآخر يبحث عن أسباب هدا الانشقاق في التنافس بين الزاوية الوزانية و[ زاوية ] علماء القرويين الفاسية.كما أن قرار الوحدة أو الاندماج تم بقرار شخصي في صفوف الحركة الوطنية فالمهدي بنونة في كتابه المغرب .. السنوات الحرجة يعلق على اندماج حزب الإصلاح الوطني في الشمال في حزب الاستقلال بما يلي : لم تكن هناك تحفظات وسط أعضاء اللجنة التنفيذية لحزب الإصلاح الوطني،لكن الخطوة جاءت مفاجئة لنا،إذ اعتدنا تسيير الحزب بكيفية ديمقراطية . ولم يحدث أن تصرف الزعيم الطريس دون العودة إلى أعضاء الحزب ومسؤوليه . وكنا نعتقد أن خطوة كبيرة كتلك الخطوة،انه لابد من اجتماع ليس فقط للجنة التنفيذية،ولكن للجنة المركزية ...... [ كتاب الشرق الأوسط : ص 391 390 ] . وقد نتحفظ على عبارة بكيفية ديمقراطية كممارسة ديمقراطية فعلا في تلك المرحلة كما نفهمها ونمارسها اليوم .
ب . بعد الاستقلال تفاقمت التناقضات داخل حزب الاستقلال ,وهو يطالب بحكومة منسجمة،فتشكلت حكومة بالفريج التي لم تستطع الانحياز لتوجه الحزب الذي بدأت تعصف به ا لتناقضات . ولاسيما أن هناك معارضة قوية من طرف منظمات ذات وزن في المشهد السياسي المغربي آنذاك [ الاتحاد المغربي للشغل أساسا،وما سمي بالجناح التقدمي آنذاك،والمقاومة وجيش التحرير ...] وهكذا استجاب الملك محمد الخامس لهده المعارضة،وشكل حكومة جديدة برئاسة عبد الله ابراهيم الممثل للجناح التقدمي في حزب الاستقلال والدي يتمتع بدعم الاتحاد المغربي للشغل الذي يكافح من اجل الانشقاق عن حزب الاستقلال . يقول بنونة عن هده المرحلة وهو يركز على دينامية الشهيد المهدي بنبركة ما يلي : يبدو جليا الآن أن المهدي بن بركة عمل على السير بحزب الاستقلال نحو اليسار وإقصاء قياداته التقليدية،لكن مخططه لم ينجح،لدلك اضطر إلى الانفصال، وكان انفصاله وتأسيس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ضربة قوية لحزب الاستقلال،هزت الحزب هزة عنيفة وتطلب امتصاصها عدة سنوات ...... [ نفس المرجع ص 470.] .
ويقول وتربوري عن هدا الحدث : انفصل جزء هام عن حزب الاستقلال في 25 يناير من سنة 1959،وتمت القطيعة في سبتمبر التالي مع الإعلان عن تأسيس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية . لم يكن القصر بعيدا عن الحدث،إلا أن دوره كان هامشيا،لان الانشقاق في واقعه يعود إلى مسلسل انقسامي عفوي .... [ أمير المؤمنين الطبعة الجديدة ص 234 .]
وبغض النظر عن الجدل الذي ثار حول هدا الانشقاق،هل كان ضرورة تاريخية أم لا ؟ فقد تداخلت التناقضات الوطنية والتأثيرات الإقليمية والعالمية التي شهدت استقطابات ذات طبيعة إيديولوجية،بين تقدمي ورجعي،وبين اشتراكي وإقطاعي رأسمالي،هده الاستقطابات التي كانت منتشرة كثقافة سياسية على الصعيد العالمي والعربي . ولدلك فان هذا الانشقاق لم يتم بقرار شخصي ذلان المرحلة أفرزت عدة أشخاص قادة،بل كان ذا طبيعة فكرية وسياسية،ولكن في بنية اجتماعية تغلب عليها النزعة التقليدية الطاغية،حيث رفع الحزب الجديد شعار لا حزبية بعد اليوم و اتحاد وطني لقوات شعبية .وقد شكل هذا الانشقاق خريطة اليسار المغربي المعارض الرئيسي للنظام الملكي مند 1961 إلى 1998 .
أما التناقضات التي تفجرت بين أجنحة الاتحاد الوطني،وخصوصا بين النقابة والحزب والتي أدت إلى القطيعة سنة 1972،فلا يمكن اعتبارها انشقاقا سياسيا بالمعنى الدقيق للكلمة لان النقابة كانت منظمة مستقلة منذ الاستقلال . كما أن إنشاء تيار داخل الحزب أطلق على نفسه اسم الاختيار الثوري لا يندرج أيضا ضمن مفهوم الانشقاق السياسي والتنظيمي .
ثانيا : الانشقاق
في صفوف اليسار
أ . انشقاق ايديولوجي
بعد هزيمة 5 يونيو 1967 تطور تيار يساري يعيد أسباب الهزيمة إلى قيادة البرجوازية الصغيرة الحاكمة وحتى المعارضة،ويدعو في نفس الوقت إلى تبني إيديولوجية الطبقة العاملة،أي النظرية الماركسية،وقد مثل هدا الاتجاه قبل الهزيمة كل من اليأس مرقص وياسين الحافظ وبعد الهزيمة أجنحة القوميين العرب . تأثر أعضاء فاعلون داخل الشبيبة الاتحادية بهده الأفكار واعتبروا أن عدم تبني الحزب للإيديولوجية الماركسية يساهم في عدم قدرته على التحليل العلمي للمجتمع وتعبئة الطبقة العاملة وطرح مسالة السلطة .
فكانت هزيمة 67 دافعا قويا للتفكير في الانشقاق عن الحزب وخلق حلقات سرية توحدت سنة 1970 لتؤسس منظمة 23 مارس التي عملت على الوحدة مع إلى الإمام،رغم أن هده الأخيرة لم تنشق عن التحرر والاشتراكية بسبب الايديولوجية الماركسية على اعتبار أن الحزب كان يتبنى الماركسية السوفياتية . وإنما انشقت بسبب خلاف سياسي حول الموافقة على مشروع روجرز حول الصراع العربي الاسرائيلي .ولكنها شكلت إلى جانب 23 مارس الحركة الماركسية اللينينية . لم تنجح الوحدة بين المنظمتين بل تفاقم الخلاف فيما بعد بسبب الموقف من الصحراء حيث تبنت إلى الامام تقرير المصير في حين دافعت 23 مارس عن مغربية الصحراء . ثم تحولت إلى العمل الشرعي تحت اسم منظمة العمل الديمقراطي الشعبي بعد 1983 .أما إلى الأمام فقد تحولت بعد دلك إلى العمل الشرعي تحت اسم النهج الديمقراطي .
ب : انشقاق منظمة العمل الديمقراطي الشعبي .
بدأ الخلاف مند 1992 في اجتماع اللجنة المركزية حول المشاركة،أو عدم المشاركة في الانتخابات الجماعية،وانتهى بعد نقاش طويل إلى التصويت لصالح المشاركة والتي كان يقودها التيار الذي يلصق به نعت اليميني . ولكن هدا التيار تنازل عن موقفه حفاظا على وحدة المنظمة واحتراما للأمين العام محمد بنسعيد . ولكن التيار الآخر لم يتردد في المشاركة في الانتخابات التشريعية سنة 1993، رغم انه وصف عملية الانتخابات التي تجري في البلاد في الوثيقة التي نالت الأغلبية في الاستفتاء في نهاية سنة 1992،بأنها مجرد ..ديمقراطية الواجهة المبنية على مؤسسات صورية وصلت الباب المسدود . مما افقد هذا التيار الذي ينعت باليساري المصداقية في التشبث بمواقفه. منذ هذا التاريخ بدأت شقة الخلاف تتسع شيئا فشيئا لتنعكس على الجانب التنظيمي في التهييء للمؤتمر الثالث حيث عمد التيار المنعوت باليساري إلى تجييش المؤتمر باستقطابات جديدة للتحكم في مسار وقيادة المنظمة . ولا سيما أنه كان يعتمد على سمعة الأمين العام محمد بنسعيد . تأجل المؤتمر إلى شوط ثان الذي انتهى بمحاولة الحفاظ على الوحدة . ولكن الخلاف،رغم ذلك،كان قد تعمق بين التيارين في تقديرات الموقف السياسي بشكل عام ليتفجر في الموقف من دستور 1996 .
اجتمعت الكتابة الوطنية عشية اجتماع اللجنة المركزية لتحدد موقف المنظمة من التعديل الدستوري،غاب عن الاجتماع الطالبي وعيسى،وقد يفهم من هذا الغياب،في وقت كهذا،أنهم كانوا يتوقعون موقف التيار الآخر ويتهيؤون لتنظيم لحظة الانشقاق . حضر في اجتماع الكتابة الوطنية أعضاء تيار بنسعيد ومن التيار الأخر حضر عبد الصمد بالكبير الذي كان ضد التصويت على الدستور بنعم وتفوق على التيار الأخر في الدفاع المستميت عن ذلك .كما حضر علال الازهر وكان الوحيد الذي دافع عن ضرورة التصويت بنعم كانت كل الأجواء داخل المنظمة تنبئ بأن حدثا ما سيقع،وفي اجتماع اللجنة المركزية للحسم في الموقف من التعديل الدستوري جيء بعدد أنوال لليوم الموالي وقد تضمن موقف المقاطعة قبل الحسم فيه داخل اللجنة المركزية،الأمر الذي أدى إلى انسحاب أعضاء التيار الآخر احتجاجا على هّا السلوك المنافي لقواعد العمل السياسي في اتخاذ المواقف وفق المسطرة المعمول بها في كل الأحزاب وكان هكا الحدث هو النقطة التي أفاضت الكأس،وأدت إلى الانشقاق و تأسيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي .وهكذا انتهت هذه التجربة التي كانت رائدة في اعتماد الشرعية والعمل السياسي العلني في الحركة الماركسية اللينينية سواء عبر النقاشات الفكرية والسياسية التي اشتهرت بها جريدة أنوال،أو من خلال المواقف العقلانية تجاه الأحزاب الديمقراطية والنقابات والجمعيات الحقوقية،والدعوة باستمرار إلى العمل الوحدوي . وهذه الثقافة الوحدوية،إلى جانب أسباب أخرى،ورغم انشقاق المنظمة،هي التي ستدفع الحزب الاشتراكي الديمقراطي إلى الاندماج في الاتحاد الاشتراكي والتيار الذي احتفظ باسم منظمة العمل الديمقراطي إلى الاندماج مع يساريين آخرين وتشكيل اليسار الاشتراكي الموحد . سنؤجل تقييم هاتين التجربتين الوحدويتين إلى نقطة لاحقة في ما بعد وفي سياق مناقشة آفاق وحدة اليسار.
ج : الانشقاقات داخل الاتحاد الاشتراكي
1: كان الاتحاد الاشتراكي الخارج لتوه من اعتقالات المعركة الاجتماعية واعتقال القيادة بسبب الموقف من الاستفتاء في الصحراء قد عقد العزم على تبني سياسة معتدلة تجاه النظام الملكي بتخليه عن الملكية البرلمانية . في حين أن أعضاء من الحزب رفضوا أي تعامل مع النظام القائم،ويضفون على أنفسهم صفة القيادة الشرعية للحزب بدعوى أنهم يمثلون أغلبية اللجنة الإدارية التي تتمسك بالتاريخ النضالي السابق للحزب،وقد ناقش التقرير المقدم أمام المؤتمر الرابع ملابسات وظروف هذا الحدث والذي أعلن فيه قرار الطرد لهؤلاء من صفوف الحزب بسبب ما وصفه التقرير بادعاء التطرف على مستوى الخطاب ولكنها [ الشرذمة حسب نعت التقرير] لا تتردد في استعمال وسائل الاستفزاز والطرق الفاشية . ص28 .[ الاتحاد الاشتراكي من الاختيار الثوري إلى الاختيار الديمقراطي : علال الازهر ص129 . ] وقد شكل هدا الجناح المنشق عن الاتحاد،في ما بعد،حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي .
2 :إن الانشقاق الأكبر الذي تعرض له الاتحاد الاشتراكي وكان له تأثير قوي على الوحدة النقابية ووحدة تنظيم الشبيبة الاتحادية هو الذي حدث خلال انعقاد المؤتمر السادس بسبب مشكل التمثيلية داخل المؤتمر فانسحبت الكونفدرالية الديمقراطية للشغل بقيادة نوبير الأموي ،كما انسحب قسم من الشبيبة بقيادة محمد الساسي. شكل الأموي حزبا جديدا هو المؤتمر الوطني الاتحادي والذي انشق عنه فيما بعد الحزب الاشتراكي بقيادة الدكتور بوزوبع .في حين أسس الساسي جمعية الوفاء للديمقراطية ثم اندمج في اليسار الاشتراكي الموحد . كما أسس الاتحاد الاشتراكي نقابة موالية هي الفيدرالية الديمقراطية للشغل .وانفصل بنعتيق عن الاتحاد وأسس الحزب العمالي .
ثالثا: خلاصات
1 :* يبدو في هذا السرد المختصر لصيرورة التفاعلات داخل أحزاب اليسار أن ظاهرة الانشقاقات كانت هي المهيمنة في مآل التناقضات السياسية أو التنظيمية التي عصفت بها . وقد كثرت هذه الانشقاقات في مرحلة التحول نحو التركيز على مطلب التعديل الدستوري المتوازن،وتنظيم علاقة معتدلة في الصراع مع النظام الملكي،وخصوصا خلال وبعد التصويت على دستور 1996 وقبول المشاركة في حكومة التوافق السياسي،الأمر الذي أدى،في ما بعد،إلى تغييرات ذات أهمية في القاعدة الانتخابية للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية أساسا،لأن معظم أحزاب اليسار لا تشارك في الاستحقاقات الانتخابية ورغم ذلك ظلت قاعدتها الجماهيرية المنظمة محدودة،وفي نفس الوقت بدا مشهد ساحة اليسار الحزبي مشتتا ويكاد يكون عديم التأثير في الساحة السياسية رغم ثقله التاريخي في الصراع السياسي في البلاد .وقد يكون تشتت اليسار هذا وتقلص تأثيره السياسي هما الدافعان إلى رفع شعار وحدة اليسار لاستعادة بعض قوته في الساحة السياسية .
2-: لم تكن هذه الانشقاقات ذات بعد فكري أو سياسي حاسم في أغلبها رغم ركوبها على موقف المعارضة للنظام،وخير مثال على ذلك أن الأموي انشق بسبب التمثيلية في المؤتمر السادس ليتوج صراعه مع جناح اليازغي بالانفصال عنه،وبنعتيق بسبب طموحات شخصية،ولكن الجميع اليوم يدعو إلى وحدة اليسار ويعتبرها هي الحل الأساسي لاستعادة القوة والنهوض رغم انكفاء كل حزب على ذاته واعتبار موقفه هو الموقف السديد .
فما هو واقع الأحزاب اليسارية اليوم ؟ وكيف تنظر إلى تحقيق شعار الوحدة ؟ وما هي المقدمات الضرورية لنهوض هذه الأحزاب واستعادة عافيتها السياسية والتنظيمية ؟
3- ينبغي أولا فتح نقاش حول الخط الفكري بالنسبة لكل الأحزاب اليسارية،فلا يكفي ترديد الانتماء إلى الاشتراكية الديمقراطية التي أصبحت اليوم عنوان الأيديولوجية اليسارية على الصعيد العالمي . بل لابد من ربط هذه الايديولوجية بالتفكير العقلاني المستند إلى المنطق العلمي الموضوعي الذي هو سائد بشكل متطور في الاشتراكية الديمقراطية في الغرب بدل الضياع،لا أقول في التحريض السياسي الفوقي المبتذل ،ولكن ضياع بعض أطراف اليسار في إنشاء صيغة مبتسرة من نظرية حرق المراحل الكلاسيكية سياسيا،وليس تاريخيا،في حين أن البعض الآخر ضاع في تهويمات فلسفية قد تكون ذات أهمية في مجالها وفي زمانها،ولكن تطور العلم اليوم قد ترك الفلسفة خلفه وأصبح التطور العلمي والتكنولوجي هما الحاسمين في أي تقدم تحرزه أية دولة لأنها استفادت بشكل عقلاني،اقتصادي وتكنولوجي واجتماعي،من كل ما راكمه الغرب في مسيرة التقدم دون أن تغرق في مستنقع الخلفية الفلسفية للاشتراكية أو أن تنشغل بفك قيود التأصيل الإسلامي الذي يعرقل التقدم الحديث .و فضلا عن ذلك فإن التركيز على الخلفية الفلسفية تبدو في مجتمع كمجتمعنا وكأنها مجرد رفاه ثقافي مجرد . فلذلك ينبغي التشديد أقوى ما يمكن على التمسك بالمنهجية العلمية التي لا تتساهل مع الخطأ وشعارها على المستوى السياسي،وكذلك الاجتماعي والاقتصادي، هو النقد والنقد الذاتي الذي اعتمدته جميع النظريات التي أثرت في المجتمعات الحديثة على الخصوص وفي مقدمتها النظرية الماركسية كفكر نقدي عقلاني .
و ليس من الضروري،طبعا،أن يلتزم اليسار بالنظرية الماركسية لأن التاريخ قد عدل في أهمية ومصداقية الماركسية
كمنظومة للممارسة السياسية،وليس الفكرية الواقعية والعقلانية،حتى لا تضطر [ هذه الأحزاب اليسارية ] إلى السقوط في ممارسة بعض الاستراتيجيات التي تجووزت منذ نهاية السبعينيات وقبل انهيار المعسكر الشرقي . وأميل،مع بعض التحفظ ،إلى رأي ريجيس دوبريه في جوابه عن سؤال لجان زيجلر يقول : بالنسبة لي،ما زالت الماركسية تثير اهتمامي . وما زالت على قدر كبير من الأهمية .والسجال معها،ومع ميراثها،مع ذلك الميراث الذي نحمله في أعماقنا ،أمر جوهري . فما الذي ينبغي قوله اليوم ؟ هل يكون السجال حول راهنيتها ،أم حول زوالها إلى الأبد ؟
جواب دوبريه : ....فلقد توقفت عن أن أكون ماركسيا منذ عشرين عاما .فما أحفظه ،أولا ،من الماركسية،هو المشروع المادي الذي أعرفه على النحو التالي :إن البشر ليسوا ما يعتقدون أنهم عليه وينبغي الفصل [ أو التمييز ] بين الفكرة التي تكونت لديهم عن أنفسهم وبين واقعهم الفعلي لذا ينبغي التشكيك في الإيديولوجيات العفوية .ففي مثل هذا المبدأ زعم علمي أتبناه .وأحفظ من الماركسية نزعتها العقلانية .... . [ كتاب كي لا نستسلم ترجمة رينيه الحايك وبسام حجار المركز الثقافي العربي الطبعة الأولى1995ص36.35.] وفي مكان آخر يقول : لذلك ما زلت أتبنى واقعية ماركس الخالية من الأوهام. [ ص .39.].
إذن كان من الضروري لكي تكتسب الدعوة إلى وحدة اليسار بعض المصداقية العلمية أن ينكب كل حزب على إعادة بناء منهاجيته الفكرية،بدل الدوران الدائم حول مفهوم الهوية اليسارية والبكاء المجاني على تشتت أحزاب اليسار، بدل ذلك أن يقوم كل حزب على حدة بنقد ذاتي شجاع حول الضرورة القصوى التي دفعت إلى الانشقاق التنظيمي أولا . وهل كانت الخلافات الفكرية تفرض الانشقاق بالضرورة وإلا لماذا ندعو اليوم وبحماس [ حسب الظاهر على الأقل ] إلى الوحدة،رغم اتهام كل طرف للآخر بتورطه في موقف سياسي خاطئ ويطالبه بتصحيح خطئه أو على الأقل بإجراء نقد ذاتي متبادل .
وهكذا يعتبر محمد الساسي ،منطلقا من صحة موقف الحزب الاشتراكي الموحد ،على ما يظهر،باعتباره أحد قادته،أن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية يظل بحكم تاريخه،في موقع المطوق بواجب إطلاق المبادرة الجديدة ... ولكنه يشترط من اجل أهليته للقيام بذلك التخلص من عدة عقد [ التعبير نفسي وليس فكريا وان كان يحيل على مضمون سياسي ] وكأن الاشتراكي الموحد بأجنحته وحتى أفراده،وكل اليسار الذي يوصف بالمتطرف،متحررون من أية عقد لها طابع سياسي آخر . يستهل الساسي نقده للاتحاد بتحديد وصفة العقدة الأولى و هي ضرورة تغيير الاسم،وهل يمكن أن نعتبر أن تغيير الاسم هو عقدة وحدة اليسار آم عقدة الاشتراكي الموحد .دون أن نعرف عقد الأطراف اليسارية الأخرى .ولكن هذه العقدة في نهاية التحليل هي مجرد عقدة شكلية من المفروض أن لا تطيح بالتوازن النفسي للوحدة السياسية إذا كان هناك تمسك جدي بالمبدأ وليس مجرد شطحات نفسية.العقدة الثانية التي شخصها الساسي بعد فحص تجربة الاتحاد الاشتراكي هي عقدة التناوب،والتساؤل حول مدى استعداد ه للقيام بنقد ذاتي جذري.. منذ أن قبل بالتناوب التوافقي وبالدستور الذي قام عليه.. . أما العقدة الثالثة فيرى أنها ناجمة عن عقدة الوسائل الانتخابية ...... [ فقرات وردت في مقال في ضرورات الوحدة الاندماجية العاجلة جريدة الاتحاد الاشتراكي عدد 9255]. وسنحاول مناقشة هذه العقد ،لا كمعنى نفسي لأن ذلك خارج قدرتنا،ولكن كمعنى سياسي . في ما بعد من هذا الحوار اليساري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.