محرك البحث "غوغل" يحتفي بالذكرى ال 69 لعيد استقلال المملكة    هذه هي المنتخبات التي ضمنت رسميا التأهل إلى "كان المغرب" 2025    تغييرات مرتقبة على تشكيلة الأسود ضد منتخب ليسوتو    أجواء غير مستقرة بالمغرب.. أمطار وزخات رعدية وثلوج ابتداءً من اليوم الإثنين    رابطة ترفع شكاية ضد "ولد الشينوية" بتهمة الاتجار بالبشر    أطباء غاضبون من وزارة الصحة يضربون عن العمل في المستشفيات العمومية    دراسة: السياسة الفلاحية التصديرية لا توفر حتى المداخيل الكافية لاستيراد حاجيات المغرب من القمح    جائزة ابن رشد للوئام تشجع التعايش    فتح باب الترشح لجائزة "كتارا للرواية العربية" في دورتها الحادية عشرة    الداخلية الإسبانية تبرز دور فريق الوقاية المدنية المغربي في جهود الإغاثة في فالنسيا    خبير جزائري في الذكاء الاقتصادي: الجزائر تفتقر إلى الثقل الدولي في قضية الصحراء    محامي حسين الشحات: الصلح مع محمد الشيبي سيتم قريبا بعد عودته من المغرب    انطلاق مهرجان آسا الدولي للألعاب الشعبية وسط أجواء احتفالية تحت شعار " الألعاب الشعبية الدولية تواصل عبر الثقافات وتعايش بين الحضارات"    هند السداسي تُعلن طلاقها بخطوة جريئة وغير مسبوقة!    الدورة الرابعة من بطولة القسم الوطني هواة.. اتحاد الخميسات فاز بصعوبة على وداد تمارة    المغرب يستضيف الملتقي العربي الثاني للتنمية السياحية    مركز موكادور للدراسات والأبحاث يستنكر التدمير الكامل لقنطرة واد تدزي    ذكرى ميلاد الأميرة للاحسناء: مناسبة لإبراز انخراط سموها الموصول في قضايا المحافظة على البيئة    الكرملين يتهم بايدن ب"تأجيج النزاع" في أوكرانيا بعد سماح واشنطن باستخدام كييف أسلحتها لضرب موسكو    مهاجرون من دول إفريقيا جنوب الصحراء يتسببون في فوضى بالقليعة    أغلبهم نساء وأطفال.. مجازر إسرائيلية في غزة وبيروت تسقط عشرات الضحايا    المغرب يرسل أسطولا إضافيا يضم 12 شاحنة لدعم جهود تنظيف قنوات الصرف الصحي في فالنسيا    فوزير يخضع لعملية جراحية ناجحة    تزامن بدلالات وخلفيات ورسائل    بعد غياب طويل.. الجمهور المغربي على موعد مع المطرب العراقي محمد السالم من    فاتي جمالي تغوص أول تجربة في الدراما المصرية    بني بوعياش وبني عمارت على موعد مع أسواق حديثة بتمويل جهوي كبير    "تعزيز الضمانات التشريعية الوطنية بشأن مناهضة ومنع التعذيب وسوء المعاملة" محور ورشة عمل بالبيضاء    حجز أزيد من 188 ألف قرص مهلوس بميناء طنجة المتوسط وإيقاف المتورطين    اصطدام بين سيارة ودراجة نارية يودي بحياة شاب في خريبكة    بلجيكا وهولندا والمغرب في قلب صراع إجرامي بعد سرقة كوكايين    تاركيست: سيدة تضع حدًا لحياتها شنقًا    "غوغل" يحتفل بالذكرى ال69 لعيد الاستقلال المغربي    الجيش الإسرائيلي يعلن أن نحو 30 مقذوفا أطلقت من لبنان نحو إسرائيل    "قمة العشرين" تناقش مكافحة الفقر    ملعب آيت قمرة.. صرح رياضي بمواصفات عالمية يعزز البنية التحتية بإقليم الحسيمة    فرنسا تقسو على إيطاليا في قمة دوري الأمم الأوروبية    المغرب يفتح آفاقاً جديدة لاستغلال موارده المعدنية في الصحراء    تنظيم النسخة 13 من مهرجان العرائش الدولي لتلاقح الثقافات    بعد صراع مع المرض...ملك جمال الأردن أيمن العلي يودّع العالم    مزاد يبيع ساعة من حطام سفينة "تيتانيك" بمليوني دولار    ترامب يسمي رئيس "هيئة الاتصالات"    تراجع النمو السكاني في المغرب بسبب انخفاض معدل الخصوبة.. ما هي الأسباب؟    ارتفاع أسعار النفط بعد تصاعد حدة التوتر بين روسيا وأوكرانيا    مجلس الأمن يصوت على مشروع قرار يدعو إلى وقف النار في السودان    المغرب يخنق سبتة ومليلية المحتلتين ويحرمهما من 80% من نشاطهما الجمركي    وقفة احتجاجية بمكناس للتنديد بالإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة    خبراء يحذرون من "مسدس التدليك"    وفاة "ملك جمال الأردن" بعد صراع مع سرطان المعدة    شبيبة الأندية السينمائية تعقد دورتها التكوينية في طنجة    دراسة علمية: فيتامين "د" يقلل ضغط الدم لدى مرضى السمنة    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    حشرات في غيبوبة .. "فطر شرير" يسيطر على الذباب    دراسة تكشف العلاقة بين الحر وأمراض القلب    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصة حقل سياسي!
نشر في هسبريس يوم 29 - 01 - 2011

لم يكد يمر عقد كامل على العهد الجديد حتى أشرق صباح فارقٌ على المشهد الحزبي، فقد قرر أحد الحراس السابقين أن يقتني جرارا لإعادة تخطيط "الحقل السياسي" وقلبه من جديد، ومن ثم زرع بذوره الهجينة التي لا يمكن أن تستوي على سوقها إلا باقتلاع الأعشاب "الضارة بمشروعه" حتى وإن كانت أصلية أصيلة، وبالخصوص تلك التي تختلف أصنافها -تماما- عن الفصيلة المراد استنباتها.
كل شيء في مستوى الطموح! هكذا فجأة! جُلبت البذور المختارة، واستوردت الأسمدة عالية المفعول، وحتى أمطار الخير -في غير عادتها- تغدق على التربة الهشة، لتواري آثار التشققات الناتجة عن "الجفاف السياسي" الذي عانى منه الحقل فصولا ومواسم متعاقبة.
لم يتبق -إذن- إلا مباشرة العمل، لكن من سيقود الحرث؟ كون الجرار لا يتطلب -حينه- رخصة سياقة، فالأمر لم يشكل عائقا حقيقيا، وحتى تلك الطيور "البيضاء" التي تقتات من وراء العملية لا تشكل مصدر إزعاج أيضا، فعلى الأقل يخفي بياضها ما تقتات عليه في المياه الراكدة على هامش الحقل، وآخر الأمر ستساهم -إلى جانب باقي المكونات- في تأثيث المشهد وإضفاء رونق خلاب على هذا الصباح الباكر.. صباح لا تنقصه سوى الشمس بشفافية أشعتها ودفئها الباعث على الطمأنينة، فقدت توارت المسكينة وراء سوداوية "العارض الممطر"، وغابت معها سكينة المكان بعدما انطلق هدير الجرار المتقادم، نافثا أولى انبعاثاته التي أفسدت النسيم العليل للحقل العليل.
ترددت أصوات المحرك المتحشرج على محيط الحقل موقظة من كان نائما من موتى القرية، فالكل هنا مستيقظ من الأحياء حتى البهائم والدواب، وكثير من الطير التي تفرد أجنحتها لعنان السماء الملبدة في حرية تُغَبط عليها. فلا يمكن أن يطرأ حادث في غفلة من ساكني قريتنا العامرة؛ وحتى أولئك الذين يدّعون عمى البصر في متابعة التطورات الفلاحية، والزراعية منها خصوصا، لا تسعفهم بساطتهم البدوية وصدق البديهية في كبت نفّاذية بصيرتهم؛ لتراهم كلما جمعتهم مناسبة يتهامسون بشأن الوافد الجديد/القديم، فهم يعرفون مهمته السابقة في الحقل، واليوم قد غير الصفة فجأة دون سابق حيثيات. وتتناسل بين ثنايا استغرابهم إشاعات عديدة، فيتحدث البعض عن حقيقة الإذن الذي فاز به الحارس لمباشرة الحرث، فيما يخوض آخرون في نوعية المزروعات الجديدة التي يشاع أنها غير مسبوقة في تربتهم، ليتساءل بعضهم عما إذا كانت ستتناسب مع "جو القرية" ليكتب لها النجاح، وما إن كان المنتوج سيسهم في طفرة مجالهم القروي نحو الحضر؟ وهكذا...
... هكذا يدور الكلام بلا نهاية رغم أن البدايات معروفة، فهم يعلمون الكثير، خاصة في تدبير الحقول ومواسم "الحصاد البارد".. يعلمون على الأقل أن نية الحارث المعلنة تتصدرها أولوية الاجتثاث، ثم إعادة تخطيط الحقل بالشكل الذي يحقق الأهداف المحفوظة؛ والراجح أن غالبيتهم تعلم –أيضا- أن "الحقل السياسي" سبق له أن عرف عمليات مشابهة من القلب والحرث، لكن في كل مرة كانت تتدهور جودة التربة وتزيد انجرافا، دون أن تنمي الإنتاج أو تسهم في الرفع من المردودية، كما أن هذه العمليات لم تزد بعض الفصائل النابتة –حينه- إلا تشبثا بالحياة، قبل أن تفقد خصوبتها بعدما امتدت جذورها -طمعا- في معادن باطنية محرمة.
وبما أن "الجرار" يملك عجلات خلفية أكبر من محركه اليتيم، فليس هناك داع للتذكير بعبر التاريخ، وضغط الوقت لا يسمح بهكذا تخمينات. اندفع المسكين مغلوبا على أمره أمام دهشة السائق الذي وُضع في مواجهة آلة تخضع للتحكم عن بعد، تجر من ورائها عجلات مسننة ومصففة أصغر حجما، تكرر نفس الموّال في حرثها للحقل بناء على تفصيل من يملك المقود الفعلي؛ ودون أن تدري ما ينتظرها في مستقبل الطريق، حصدت كثيرَ أحجارٍ وأشواك قبل أن تأتي على الصالح قبل الطالح، لكن من دون أن تبلغ هدفها في الوصول إلى بعض نقاط الحقل؛ حيث يوجد ما يهدد نجاح المشروع، أو على الأقل، ما قد ينافس منتوجه في سوق السياسة المتواضع.
عملية القلب والحرث لم تنجح -إذن- في اجتثاث الأعشاب التي يقول صاحب الجرار أنها "ضارة"، والتي صنع منها "فزاعة الحقل" البارزة، الشيء الذي اضطره إلى "الترجل" مجدِّدا للوسائل وممهدا لعملية "الاستئصال الجذري"؛ فهو يعرف أن زخم الأحداث يتجاوز إمكاناته الذاتية، وموسم الحصاد على الأبواب، ولا يمكن لزراعته أن تنجح إلا بمساعدات رسمية؛ قد تثير مزيدا من الانتباه والريبة، لكنها تبقى ضرورية لتجاوز حالة الإخفاق الراهنة. هي "هيستيريا الحصاد" إذن! ربما انطلقت متأخرة، لكنها تطمح في كسب حصة مهمة من السوق وبنسبة تزيد عن الثلث! وتطمح قبل ذلك إلى جلب مستثمرين جددا للتغلب على مشاكلها، خاصة أولئك الذين يصدّقون الإشاعات ويطمعون في اقتسام الأوهام التي قد تصبح حقيقة!
نتيجة الثلث في "سوق السياسة" المتواضع طموحة جدا، ولأجلها تهون كل الصعاب، خاصة إذا ما وفرت الإدارة أجواء العمل الزراعي؛ وهذا ما يفسر –ربما- الاستعانة الأخيرة بالمبيدات وعلى اختلاف أنواعها! إذ يرى صاحب الجرار أن هذه الخطوة لابد منها، وإعادة قلب "الحقل السياسي" رهينة بتسهيل هذه المخاطرة... مخاطرة يتناسى معها الذين علت بالمبيدات همّتهم أنهم يهددون -في المقام الأول- كل سكان القرية في حياتهم الآمنة بتلويث تربتها ومياهها، كما لوثوا –من قبل- جوها المادي والمعنوي. ولا يضعون في الحسبان رد الفعل من كل أولئك الذين سيجدون أنفسهم بلا مقومات الحياة الحقيقية، بعيدا عن رونق العيّنات (échantillons) الزراعية المستوردة، والتي بان بوارها في سوق الاستهلاك الداخلي حتى قبل أن تستزرع!
أما المقام الآخر، فيغيب فيه عن ذهن الحارس/الحارث أن الأعشاب التي يريد اجتثاثها تملك مناعة قوية ضد مبيداته السامة؛ لأنها حين قررت مد جذورها في تلك التربة بكل مواصفاتها، علمت -ومنذ الوهلة الأولى- أن عليها أن تتكيف مع معطيات المناخ وتتأقلم مع ملوثات "البيئة السياسية"، حتى تحافظ على استقامتها وارتفاع هامتها في شموخ مهما بلغت ابتلاءات "الطقس السياسي"، وحتى لا تكون عالة على غيرها في مدها بما تحتاج من عناصر الحياة والرعاية، فتفقد خصوصيتها قبل خصوبتها كما حدث مع سالف الغلات؛ وهي بكل ذلك تكون قد أوجدت لكيانها مشروعية ذاتية في الوجود الطبيعي، فتستوي على سوقها دون خلل ومهما بلغت قوة الإبادة، وتؤتي أكلها دون كلل ومهما كان حجم "التعتيم الضوئي"، فتحصد –بذلك- غلتُها الإعجاب والقبول، وتعود بالنفع على القرية وأهلها.
أهل القرية -هؤلاء- يعلمون أن "الضرر" الذي يتحدث عنه الوافد الجديد لا يتهيأ إلا في ذهنه؛ لأنه فعلا "وافد" ولا يعرف ما يصلح لتربتهم، وهنا "جوهر الإشكال[1]" الذي لا يستسيغه من يعيشون خارج الواقع القروي ولا يحملون ثقافة وهموم أهله. وهؤلاء الأهل مازالوا يأملون أن ينتفعوا بِغلّتين -على الأقل- بدل واحدة، وينتظرون يوما يمرون فيه -باكرا- على حقل السياسة وقد ازدان بكل الخيرات ليقطفوا منه ما شاءت خواطرهم، ويتذوقوا حلاوة ما سرّ له ناظرهم. فأهل قريتنا لم ولن يقبلوا من يفرض عليهم منتوجه الوحيد ويحرمهم من حقهم في الاختيار! وقد مضت سنة الأولين منهم تردد حكمتها الخالدة من أن "الحرمان وليد الطغيان"! وخاتمة الطغاة لا تخفى للعيان؛ فهل من مُذَّكِر؟!
-----
[1] مقالة طي الإعداد بهذا العنوان (جوهر الإشكال) تنبش -بمنطق علمي- في عمق الإشكال الذي يخلق التضارب بين تصورين رئيسيين على الساحة السياسية المغربية في هذه المرحلة الحساسة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.