في أربع أسابيع لاغير خوف شعب وقيد دكتاتور كبير يتحطمان إلى الأبد، ليل تونس الطويل يتحول الى صباح مشرق ضاحك لادموع فيه ولا دماء ولاقهر ولااستعباد ولا بن علي ولا ليلاه..، تونس حلت بها رياح تغيير عاتية أطاحت بصنم مؤله عَمّر أكثر من عقدين من الزمن يسقط متهاويا مستسلما لقدره أخيرا، ناجيا من مصير فرعون مصر القديمة، طار في آخر لحظة على عجل هائما في الأجواء فارا من غرق اجتاح نظامه وكيان عرشه، ثورة بلا موعد ولا سابق انذار أنهت حكم الجنرال بن علي لكنها لم تنهي امكانية سرقة جديدة لثورة شعبية أفقها السياسي الواضح تغيير حقيقي ينهي الظلم والفساد من جذوره ويبني دولة العدل والكرامة على أساس متين، صحيح أن العسكر التونسي لم يشارك في قمع الشعب لكنه سمح للرئيس المخلوع بالهرب مع أسرته وبعض أعوانه المحظوظين مع ماقدروا على حمله من أموال الشعب، والعسكر هو أيضا الذي وقف عونا لمن نجى من الطوفان من رموز الحكم الفاسد الوازنين وبقوة السلاح ليمكن لهم من انجاز خطة ثم الإتفاق عليها مسبقا وعلى مايبدو لتحويل مسار ثورة الياسمين الى الوجهة التي يريدها فقط الأسياد الكبار وهذا الذي يحدث الى الآن في تونس مابعد بن علي الهارب. فيارجال ثورة الياسمين هبوا سراعا!، فرياح التغيير لم ترحل بعد عن براح ساحاتكم، رياح التطهير لم تطرد بعد كل الشياطين الإنسية!. بعد حدث تونس الكبير يخرج أبو الغيط رئيس الدبلوماسية المصرية في عنجهيته وثقته المعهودتين ليؤكد وبحدة بالغة تطمينا للخارج أن لاتشابه بين الحالة التونسية والمصرية -وهو كاذب بلا شك-، ومصر لن تحدث بها ثورة شعبية -وهو واهم بلا شك-، ومن يكب الزيت سوف تصيب ثيابه فحسب -وهو صادق على الأقل في هاته-، أبو الغيط فاق صحاف العراق البائد في شموخه الزائف وعنتريته المغشوشة، ولنحسن الظن بالرجل ذي التاريخ الأسود في التصاريح الغير الدبلوماسية، لربما كان مصابا بزكام حاد منعه من أن يشم رياح موسم التغيير التي هلت أخيرا بأرض الكنانة لتبدد روائح نظام حكم الطوارئ التي خنقت أنفاس الشعب المصري لعقود وحولته لمجرد أغنية حزينة كئيبة كتب قصيدتها باقتدار فؤاد نجم شاعر مصر المنكسرة. اليوم وفي ساعات ليست بالطويلة شاعر مصر الثائرة الغاضبة عبد الرحمان يوسف واضرابه يحولون حلم مبارك وعصابته إلى ليل دامس حالك لاأمل بعده في حكم فرعوني بلا صوت واحد معارض، اليوم الشعب المصري كله صوت معارض واحد، لقد أراد الحياة والحرية أخيرا وخرج بالملايين ليكسر قيود الحزب الوطني الجاثم على صدور المواطنين الأحرار، وليطالب بسقوط العسكري السابق مبارك وكل نظامه ولاشئ سواهما، خرجوا في يوم جمعة الغضب برغم قطع شبكات الهاتف والإنترنت، خرج "الناسبوك" إلى كل شوارع مصر وساحاتها بعد قطع الفيسبوك. إن تسارع أحداث الثورة المصرية جعل معها الكثير من المراقبين السياسيين يعترفون بالعجز عن المواكبة والتحليل والقراءة والفهم، من كان يأمل أو يفكر أن التاريخ المصري الحديث لن يكتب صفحاته سوى شباب الفيسبوك ولا أحد غيرهم. في يوم واحد الرئيس الأمريكي ووزيرة خارجيته والناطق بإسم بيته الرئاسي كلهم عبروا في مؤتمرات صحفية مختلفة عن قلق بالغ واعتراف بصعوبة شديدة في فهم ورؤية حقيقة مايجري بمصر واستشراف ماسيقع حتى في السويعات القليلة القادمة، لكنهم اتفقوا على أية حال على أن حالة "اللااستقرار" و"الإضطراب الشامل" التي اجتاحت الشارع المصري مردهما الى مطالب اجتماعية فحسب لم تعد قابلة للتسويف أو التجاهل من طرف مبارك وحكومته المرفوضين مصريا تماما بنفس النسبة التي فاز بها الحزب الوطني الحاكم في الإنتخابات التشريعية الأخيرة، نعم أكثر من 90 في المائة من الشعب المصري يرفضون بعد الآن الصمت، يرفضون الفول، يرفضول الخبز المدعوم، يرفضون الإنتظار، يرفضون ذل معاهدة كامب ديفيد، يرفضون الظلم والإستبداد، يرفضون الخوف، يرفضون التراجع عن مطلبهم الأساسي إسقاط نظام طاغوتي عربي جاثم على أرض الكنانة. هي ثورة عربية ثانية شعبية شاملة تولد في مصر بلا شك، أرادها اللاعبون الكبار أن تكون مجرد حركة احتجاج اجتماعي، وأرادتها رياح التغيير ان تكون صفحة جديدة تماما، في تاريخ أمة لم تتنسم عبق الحرية الحقيقية بعد. فيارياح التغيير هبي على أوطان العُرْب سراعا فإني لكي بالأشواق أنتظر! . * إعلامي مغربي مقيم بالولايات المتحدة الأمريكية