بكل مشاعر الحزن والأسى تنعى مؤسسة محمد عابد الجابري للفكر والثقافة نبأ وفاة عضو مكتبها التنفيذي (الدكتور الطيب بناني) يوم السبت 1 غشت2015 .الرجل الذي خبر ميادين النضال السياسي والنقابي، وكان فاعلا مؤثرا في المجالات المدنية والفكرية والمعرفية. لم يكن يهادن فيما بعتيره حقا، ولم يطمح لمنصب أو مسؤولية من وراء مواقفه التي يقر الجميع يصدقه فيما تبناه منها، كان منحازا للذين لم تسعهم إكراهات الاختيارات الرسمية أو المجتمعية، وارتبط اسمه بالتحولات الكبيرة التي عرفها اليسار المغربي، ولم يعتبر مهنته الطبية مجرد مهنة..فقد كان ينظر إليها باعتبارها واجهة لخدمة الآخرين؛ لذلك كانت عيادته ملاذا لمن لا ملاذ له ...تطوعا وبدون زبد الدنيا.. خاض معاركه الحزبية والنقابية والفكرية بشهامة من لايتهاون فيما يعتبره حقا، وفيما يعتبره مبادئ لا تقبل المزايدة. وكان طبيبا حقوقيا له أياد بيضاء لم يمن بها يوما على أحد، أو على جهة، ولا سعى إلى كسب مجد زائف من ورائها. لم يمنعه تكوينه اللغوي المتعدد من مناصرة اللغة العربية وقضاياها ، ولم يكن يعتبرها لغة قاصرة عن أداء دورها العلمي والمعرفي ، فكانت له مواقف مشهودة وثقتها مداخلاته وكتاباته ومراسلاته، ولم يكن مكتفيا بممارسة مهنته النبيلة(الطب) ، بل كان جزءا من النسيج الثقافي المغربي ، يحاور أهله، وينخرط في قضاياه دون تردد... كانت مواقفه مثل لغته ..مباشرة لا التواء فيها،بعيدة عن خشبية مصطنعة ، فكان يعبر بوضوح الواثق من شرعية القضايا التي تبناها، وكانت نبرات صوته التي حباها الله جمالية خاصة تعضد مواقفه الصادقة التي تلزم الآخرين باحترامها رغم اختلافهم المحتمل معها. .. مات الطبيب المثقف والحقوقي والنقابي والمدني...مات الرجل الذي كانت تسبقه ابتسامته التي تجعل الآخرين يتساءلون: كيف تجتمع الصرامة وحبور اللقاء؟ . وكان في سلوك من عرفه الجواب عن ذلك: إنها الصرامة في المبادئ والمرونة في تصريفها. كانت إنسانيته تعلو على كل شيء، لذلك ضحى بالكثير مما كان سيوفر راحة البدن،والذهن...تشهد على ذلك كل الإطارات التي مر منها، وعندما كانت نقط الاختلاف تحتد مع الآخرين ، وتصبح الذوات طاغية... كان يتعالى عن الصغائر فيلتجئ إلى محراب التأمل كي يدخل تجربة مدنية أو نقابية أو ثقافية جديدة دون نية الاستحواذ الأبدي عليها . أيها الشامخ في القلوب النقية ،والنفوس الطاهرة، نم مرتاحا، فقد أديت رسالتك بعلو همة، ونكران ذات، وبعد نظر، وجعلت مهنة الطب تفخر بأمثالك ممن جعلوها واجهة للمواقف النبيلة بعيدا عن كل طموح ظرفي، أو فردي، أو قطاعي. فرحمة الله عليك..وإنا لله وإنا إليه لراجعون - الكاتب العام لمؤسسة محمد الجابري للفكر والثقافة.