عيد الفطر مكافأة ينالها الفرد الذي صام رمضان إيمانا واحتسابا، وامتنع عن الشهوات والملذات وزكى عن فطره وأدى الصلوات، وقام الليل متهجدا واستمتع بروحانياته ورفع أكُفّ التضرع إلى الله معلنا تقربه وراجيا المغفرة والثواب. إنها أيام شكر وعبادة لله تبارك وتعالى، في كنف الرحمن الرحيم تتصافح أيدينا وقلوبنا وتتصالح نفوسنا... أنها مساحة سعادة وحب وآخاء، فالتلاقي والتعارف والتضافر هو سمة الصالحين والأبرار، ليس بيننا من قضايا تؤدي إلى القطيعة والتنابذ والتدابر، بل ليس هناك أمر يستحق أن نتخاصم عليه أو من أجله، فالعيد من شعائر الله التي ينبغي إحياؤها، وإدراك مقاصدها واستشعار معانيها، إنه طبعا ليس عيد ثياب وطعام أو لهو ومرح، العيد هو التربية على روح المحبة والألفة كونه ينطوي على رموز دينية وتقاليد سارية المفعول عبر التاريخ، لكن هل دلالات العيد السابقة لا تزال مستمرة في وقتناالحالي ؟ في الأعياد كل شئ يصبح ورديا يشاكس فينا الطفولة، تأتي الأعياد ونحن مرهونون بزمن يغيرنا لكنه لا يطال طفولتنا...ماذا تفعل في الأعياد حين تأتي؟؟ أ تحب أن تتغنى بها ؟ أم أنك تعاتبها لأنك لم تعط الطفل الذي بداخلك نصيبه من الحلوى والفرح ؟ هذا شعور أسميه الانسياب العفوي البرئ الذي يختزن عنفوان البدايات قبل أن تحل العادة مكان الدهشة وتفتر العلاقات، وتفقد الأشياء حرارتها ونضارتها. مع ذلك لازلنا نحتفظ ببقايا طفولة تفرحها الأشياء الصغيرة...فداخل كلٌ منا طفل صغير يستيقظ فجأة، وصفاء صباح العيد ينبغي أن نجعل منه طقسا للتأمل، إن التأمل هذا لغة صاخبة مضبوطة تسفر على بداية جديدة، ونافذة على الأمل والتفاؤل والخروج من نفق الموت الأصغر. أظن أن الأعياد عموما تحولت إلى شعور ثقيل ينتفي معه ذاك الإحساس الذي كان في الماضي بقدرته على ضخ البهجة في قلب الإنسان...منذ أمد وأنا ابحث عن مبرر لذلك، فاسترعى اهتمامي أمر غريب هو ان الأطفال أكثر من يفرحون بالعيد وهم أكثر من يتذكرونه. فهم يتعاملون مع العيد بكثير من النضج وإن كان هذا النضج عفويا غير مقصود، عكسنا نحن البالغين الذين ننغمس في همومنا فنرى العيد ثقيلا للغاية. وإن تحدثنا عن العيد بين اليوم والأمس نجد أن هناك الكثير من المفارقات والاختلافات المرسومة المعالم، حيث كانت لأيام العيد مذاق خاص أساسه الترابط الاجتماعي والود والاحترام، وكان فرصة للتواصل والتسامح ورسم الفرحة على شفاه كل من حولنا، أما اليوم فنحن غرباء نفتقد لمشاعر الإنسانية. وجدير بأهل هذا البلد، في هذه الأيام، أن يعودوا إلى أصول هذه القيم والمعاني من أجل أن نحافظ على أنفسنا وعلى بلدنا وعلى الإنسان الذي يعيش على هذه التربية النقية الطاهرة والآمنة. صدق شاعرنا "المتنبي" حين قال : بأية عيد عدت يا عيد ×× بما مضى أم لأمر فيك تجديد إن التجديد الذي ينبغي استحضاره هنا هو التجديد الايجابي نحو الأفضل، فالعيد وقفة تأمل، إصغاء وإنصات ثم محاسبة، استنطاق ومُساءلة للنفس. إنه (العيد) يحتاج منا أن نراه بأعين صافية صادقة وأن نستخلص الدروس والعبر وأن نقف جنبا إلى جنب موحدين غير عابئين بالاختلافات والحواجز الاجتماعية ولا الاقتصادية...وأن نشارك هموم الآخرين ونبكي مع من يفترش عتبات الأرصفة دون ملاذ، نحن حولنا الأهل مجتمعون وهم /هن يضمهم السكون، نحن بالعيد نتباهون وهم لا سبيل لفرحة العيد يعرفون. فهل من مفردات تصنع لنا " عيدا سعيدا " والحزن يملا جنبات البيوت، وعلى وقع الملل تنتحر بعض الاستثناءات من فرط الكآبة، فماذا ساكتب عنك يا عيد وأنت منحورا بالألم مفجوعا بهول ما تغرق فيه أوطاننا من مآسي، فمن يستطيع أن يفرح بالعيد وموائده تفوح منها رائحة الأحزان. أ هو يوم عيد أم مأتم نقيم فيه حدادا على فلسطين الأبية المبتورة، وأرض سوريا المأسورة،والعراق المهجورة وليبيا، غرداية، سوسة ...وعسى ألا يكون هناك من جديد. إنه حقا عيد رمادي المُحيّا لا إشراقة فيه، باهتٌ الإطلالة كمثل ليل أظلم تسقط فيه دموع المخذولين فيجففونها، وتسفك دماؤهم فيمسحونها وعيونهم معلقة بومضة من شعاع ولا شعاع. كيف لعيد في أوطان تستباح فيه حرمات الناس وتشرد فيه الأسر ويُيتّم فيه الأطفال... فعذرا لكل المحتفلين إن لم يوجد في القلب ذرة إحساس بمن امتلأت جوانحهم وحناياهم بالأنين والنشيج والألم. أعلم أن هاته الشذرات لن تؤثر إلا في أصحاب الوجدان الحي.