و نحن ننتظر إقامة صلاة الصبح بعد دعاء الختم، ساد الهدوء و طغت على فضاء المسجد أجواء روحانية عالية، فإذا بالصرخة تأتي مجددا من مسجد النساء، هذه المرة قوية و مدوية، صراخ و تكبير و تهليل و ترديد " إنا لله وإنا إليه راجعون"، فاختلط الجمع و استفسر الرجال ماذا حدث، فجاء الخبر صاعقا من النساء : تفجير إرهابي يهز مسجد الحسن الثاني أثناء الصلاة..الله أكبر و لا حول و لا قوة إلا بالله. ضربنا جبهاتنا بأكفنا مصدومين، اصفرت وجوه الرجال و ارتعدت الكثير من الأجساد على قوتها، حالات إغماء بالجملة و نساء يخرجن من المسجد بشعورهن المكشوفة باكيات، و ذعر شديد و أجواء حزن و دموع و " الطايح كثر من النايض" ، فاستهداف مسجد الحسن 2 لن يكون حدثا عابراً، ليس لرمزيته الوطنية فقط، إنما لأنه مكتظ عن آخره بالمغاربة، و كان فيه الملك و كبار الشخصيات العسكرية و السياسية، وبالتالي فالذعر الشديد له مبرر... و بعد اتصالات و مكالمات، اتضح أن الأمر مجرد إشاعة خطيرة، و أن الأمر لا يعدو أن يكون اتصالا هاتفيا من امرأة لأخرى تنقل لها خبرا كاذبا و حساسا كهذا، فلعن الرجال عجلة النساء، و عادت القلوب إلى أماكنها و دعا الإمام على صاحبة الخبر بالانتقام. الدرس الأكبر الذي استنتجتهُ من الحدث، هو أن المغاربة يتوجسون خيفة من شبح التفجيرات الذي يقترب، أبعده الله علينا، و يعلمون أنهم ليسوا استثناء كليا منها، و الدرس الثاني هو أننا نستطيع دائما أن نتحد حين تنزل علينا المصائب و الشدائد و المحن مهما كان شعورنا بالوحدة فاتراً في الأيام العادية، و يمكن القول أيضا، إننا لا نملك حتى الساعة استعدادا نفسيا مجتمعيا لمواجهة مثل هذه الأحداث لو كانت واقعية فعلا، فحالات الإغماء في مكان بعيد عن المسجد المعني بالتفجير الوهمي و حتى قبل التأكد من الخبر، تشير إلى سهولة الانهيار أمام أحداث واقعية من قبيل تفجيرات إرهابية لا قدر الله، و هي حالة منطقية، و لكنها خطيرة تجعل المجتمعات تسقط هشة أمام الفواجع بسهولة. و أما الدرس الثالث، و إن كان على سبيل السخرية، فهو أن نسبة مهمة من نسائنا لسنَ مؤهلات للصلاة في المساجد، و إلا ما وقعت هذه الفوضى العارمة سواء في مسجد الحسن الثاني نفسه أو في مناطق أخرى وصلتها شرارة الإشاعة بسرعة فائقة. فرب فأر طائش يمنحنا تمرينا تجريبيا على الميدان لمحاكاة أحداث تقترب منا و لا أحد يتمناها أن تصل، باستثناء تلك العقول الخربة المتعطشة لشوارع مغربية تجول فيها قطعان الدواعش و تجول، و الفئران قد تكون خُلقتْ فقط للمختبرات، حتى لو كان مختبرا في هيئة أكبر مسجد قاري.