مع حلول شهر رمضان من كل سنة، يكثر الحديث على الإنتاجات الرمضانية التي تعرضها قنوات القطب العمومي، وتكثر الانتقادات على صفحات التواصل الاجتماعي بشكل كبير، في الوقت الذي تعرف فيه نسب المشاهدة ارتفاعا كبيرا، ممّا يدفع إلى التساؤل حول جودة هذه الأعمال، وإن افترضنا فعلا أنها رديئة كما يصفها عدد كبير من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، فلماذا يكثر الإقبال عليها؟ تشير أرقام "ماروك ميتري" المكلفة بقياس نسب المشاهدة، أن المغاربة يستهلكون بشكل مهم الإنتاجات الوطنية في رمضان، وإن سُجل تراجع هذه السنة، حيث أشار آخر تقرير ل"ماروك ميتري" أن أكثر من 50 بالمئة من المغاربة يهاجرون إلى القنوات الأجنبية، في حين 50 بالمائة يشاهدون القنوات الوطنية؛ 38 بالمائة منهم يشاهدون القناة الثانية في وقت الذروة، و8 بالمائة فقط تتابع القناة الأولى، ونسبة قليلة من المغاربة يشاهدون القنوات الوطنية الأخرى. لعل كثرة الوصلات الإشهارية خلال فترة الذروة، تزيد من نفور المغاربة من القنوات العمومية، حيث تتزايد مدة الإعلانات بشكل رهيب في هذه الفترة، لدرجة أن فئة مهمة من المشاهدين اختارت تغيير الوجهة نحو القنوات الأجنبية، هربًا من طغيان الإعلانات على الشاشة، خاصة في وقت الإفطار الذي تكثر فيه الإعلانات المختلفة لمجموعة من الخدمات والمواد الاستهلاكية، والتي يجد المشاهد نفسه مجبرا على مشاهدتها، ولا يجد مكانا لتفريغ غضبه عليها إلا في التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي. نسبة كبيرة من المشاهدين تتضارب آراؤهم حول جودة البرامج الرمضانية، عبدالرحيم الشرقاوي، طالب بالمعهد العالي للإعلام والاتصال، يقول إن :" برامج رمضان كسابقتها، نفس المواضيع بنفس الرداءة وافتقاد بيِّن لأسلوب الابتكار والإبداع، بسبب احتكار أسماء بعينها للمشهد التلفزي المغربي عن طريق شركات إنتاج كبرى محتكرة للميدان، وهذا ما يجعل مجال الإبداع ضيق جدا إذا لم أقل مختنق، كما يلاحظ أن أغلب البرامج تميل إلى الفكاهة والضحك وهذا بحد ذاته مشكل حيث لا نمتلك قدرة على إنتاج برامج فكاهية وغالبا ما نسقط في فخ "البسالة". في حين تقول سميرة الكداني، مسؤولة عن دار للشباب بالفقيه بن صالح : "شاهدت بعض الأعمال في بداية شهر رمضان، لكن فوجئت بالمستوى المتدني، خاصة البرامج التي تقدمها القناة الأولى التي انقطعت عن مشاهدتها كليا، أعجبتني سلسلة "الخواسر" التي تقدمها القناة الثانية كفكرة، لكن الطريقة التي قدمت بها "حامضة"، شخصيا وجدت ضالتي في القنوات الأجنبية، العربية منها خاصة، التي تقدم في مستوى جيد". ومن وجهة نظر نقدية، يقول محمد بنعزيز، ناقد سينمائي، إنّ "الانتاجات الكوميدية الرمضانية تقلّد الحلقة وهي فرجة شعبية مرتجلة هدفها إضحاك المتفرجين الواقفين حول الحلايقي، مسلسلات تحاول تقيد المسلسل التركي حريم السلطان دون أن تملك إمكانياته الفنية والمالية، لذا يجري التصوير في فضاءات مغلقة وبجيش قوامه عشرين شخصا. أعتقد أن النقد دليل على حجم المشاهدة. فالذين يشاهدون ينتقدون لذا لا تستحق الكوميديا الرمضانية الهجوم عليها من طرف حفنة من المثقفين الذين يرفضون كون وسائل الإعلام دمقرطت الفن وحرمته من نخبويته. الإنتاجات الرمضانية جيدة من وجهة نظر من توجه لهم". ومن جهة أخرى يرى علي الشعباني، الباحث في علم الاجتماع، أن "هذه البرامج دون المستوى، ولا تعمل على ترقية الذوق الفني للجمهور المغربي، وتعمل فقط على استبلاد المغاربة، ونشر الأمية والجهل ولا تقوم بمحاربة هذه المشاكل التي تنهك الشعب المغربي، بل على العكس تقوم بمسايرة الواقع المغربي الذي يعاني من عدة مشاكل، والقنوات المغربية تعمل بمنطق "الجمهور عايز كده"، وبخصوص نسب المشاهدة المرتفعة، فهي مغالطات كبيرة، لأن جهاز التلفزيون في بعض الأحيان يُشغل لكن لا يُشاهد." وبالرجوع إلى أرشيف التلفزيون المغربي، نجده حافلا بمجموعة من الإنتاجات التي لقيت استحسانا من المشاهدين في فترة من الفترات، والأمثلة عديدة، كسلسلة "الهاربان" التي أمتع فيها محمد الخياري و نورالدين بكر الجمهور المغربي في بدايات الألفية الحالية، إلى جانب مجموعة من الوجوه الفنية كسعيد الناصري وحنان الفاضيلي وآخرون، أدخلوا البهجة إلى قلوب المغاربة عن طريق الشاشة الصغيرة من خلال مجموعة من "الستكومات"، التي لم تكن تعرف هذا الكم الهائل من الانتقادات التي تعرفها الإنتاجات الحالية، باستثناء بعض الأعمال، كسلسلة "الكوبل" التي تابعها ملايين المغاربة العام الماضي على القناة الثانية ثم "اليوتيوب". *صحافي متدرب