صورة: ناظور 24 تقدم المرأة الأمازيغية هذه الأيام المثال الناصع والنموذج الواضح للوفاء بالتقاليد والأعراف التي تؤثث عمق الثقافة الأمازيغية بمفهومها العام. ففي مثل هذا اليوم (13 يناير) من كل سنة الذي يصادف حلول السنة الأمازيغية الجديدة وفق التقويم الأمازيغي )، تعمد كل النساء الأمازيغيات إلى طهي ما يسمى "بحاكوزة" وهي أكلة تعد من جميع الغلات والمنتوجات التي يجنيها الفلاح طوال السنة وتضاف إليها علفه واحدة من التمر، والذي يعثر عليها أثناء الأكل، الذي يتم في أجواء احتفالية كبيرة، يكون بمثابة محظوظ ومبروك السنة الجديدة. حاكوزة: طقوس مختلفة و احتفال بالأرض وخيراتها رمزية هذه المناسبة ودلالتها العميقة تحيل مباشرة إلى إصرار المرأة الأمازيغية على الاحتفال بالماء والامتنان بالأرض وخيراتها المتعددة ، فهي بمثابة شكر لله على أنعامه وآلائه، إذ نصادف نهاية الموسم الفلاحي والاستعداد لموسم آخر، وتشكل تتويجا لمجهودات جبارة تبذلها المرأة القروية الأمازيغية في البيت كما في المزارع لضمان قوت عيشها هي وعيالها. تقول إيطو ذات السبعين من العمر من الراشيدية " لا يمكن أن تمر السنة دون أن نحتفل بهذه المناسبة العريقة ، فهي تنسينا العذاب الذي نقاسيه على امتداد السنة ويزيد من حدته التهميش والنسيان الذي يلف المنطقة ككل" أما إزا التي تقطن بجبال أزيلال فأكدت في ما معناه أن التشبث بهذا التقليد السنوي يعكس هوية الإنسان الأمازيغي الحريص على إحياء كل الذكريات التي تجعله على ارتباط دائم بأرضه وتراثه وتاريخه. حاكوزة: شحذ للهمم وتحفيز على الاجتهاد أكل حاكوزة، التي يستغرق طهيها أزيد من أربع ساعات، ترافقه طقوس وأجواء جميلة من المرح والفرح وتبادل الحديث والترويح عن النفس، فبمجرد ما تعطى إشارة الانطلاقة في الأكل يسارع الجميع صغارا وكبرا نساءًا ورجالا إلى البحث بألسنتهم عن علفة التمر المختبئة وسط الأكلة لأن من يجدها يعتبر في الأعراف المرعية بهذه المناسبة محظوظا ومبروكا للسنة الامازيغية الجديدة. وطبعا فان هذا الاعتقاد الذي لا يستند على أساس علمي يجد مسوغه الرئيسي في الاعتبارات السوسيلوجية والنفسية ، وذلك أن المحظوظ بهذا اللقب الرمزي والشرفي يكون مطالبا ببذل المزيد من الجهد والكد طيلة السنة للتدليل على انه بالفعل كذلك. يقول محند احدو الذي يعمل حاليا إطارا في إحدى الشركات الكبرى بالعاصمة الاقتصادية " أتذكر أنني عندما كنت صغيرا توجت في إحدى السنوات بلقب المحظوظ بعدما عثرت صدفة على علفه التمر في أكلة حاكوزة، وبالفعل خلال هذه السنة صادفت في قارعة الطريق مبلغا ماليا هاما اشتريت منه لأمي بعض الحاجيات البسيطة واحتفظت بالباقي لنفسي ، كما تمكنت من اجتياز امتحانات الشهادة الابتدائية بامتياز، وكانت بمثابة فاتحة خير لي في مساري الدراسي" ، أما موحى ذو الثلاثين سنة والعاطل عن العمل فقد صرح لنا بان فشله الذريع في الحياة قد يكون مرده إلى انه لم يظفر أبدا بعلفة حاكوزة. بغض النظر عن التقييم العلمي الذي ينتقص من مثل هذه الاعتقادات فانه يمكن التأكيد على أن أهميتها تكمن في أنها حمالة لقيم ايجابية تدعو إلى العمل وتمجد الاجتهاد وتحفز على المثابرة دون كلل أو ملل من اجل وضع مادي واجتماعي أفضل. حاكوزة : ظاهرة تقاوم الانقراض تختزل حاكوزة الكثير من المثل والقيم الإنسانية النبيلة، وتذكر عديدا من الامازيغيين بصور جميلة ترصع ذكرياتهم الطفولية ،لكن هذه الظاهرة ، كغيرها من الظواهر الثقافية الأمازيغية، عرفت بعض الذبول بل والانقراض جراء ما عاناه العالم القروي الأمازيغي من تهميش ونسيان طال الإنسان والذاكرة. وعلى الرغم من ذلك لوحظ في السنوات الأخيرة عودة بعض الروح والدفء لهذه الظاهرة الإنسانية المفعمة بالتضامن والتآزر والاجتهاد، نتيجة للجهود التي قادتها الحركة الثقافية الامازيغية والتي اضطرت الدولة إلى مواكبتها ودعمها في الإعلام والبرامج المدرسية وما إلى ذلك. وغير خاف في هذا الصدد الدور الهام الذي يقوم به المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية من خلال تشجيع البحوث العلمية والمبادرات الجمعوية البناءة والهادفة إلى إعادة الاعتبار إلى التراث الأمازيغي الغني بكل تجلياته.