اكتسحت المسلسلات المدبلجة، وفي مقدمتها التركية، البيوت المغربية، حيث تجد عائلات تتسمر، في أوقات معينة، أمامك شاشات التلفاز لمتابعة أبطالها وقصصها المفضلة، سواء في القناتين المحليتين، أو عبر الفضائيات. وبدأت حكاية المغاربة مع الأعمال المدبلجة، منذ سنوات، بعد أن أسر المسلسل المكسيكي (أنت أو لا أحد) فئات عريضة، قبل أن تتحول بوصلة المشاهدين نحو الأعمال التركية، التي باتت حاضرة بقوة، في السنوات الأخيرة. تقول إيناس بنعادي، طالبة، "تابعت بالصدفة مسلسل مهند، قبل أن تصبح علاقتي وطيدة بالمسلسلات التركية، التي أعتبرها الأقرب إلى مجتمعنا، كما أن قصصها جميلة"، مضيفة "أنا حاليا أتابع 4 مسلسلات مدبلجة، رغم أن الأوقات التي تعرض فيها غير مناسبة". وأوضحت إيناس، ل "إيلاف"، "تقاليد المجتمع التركي قريبة من مجتمعاتنا الإسلامية، كما أن طريقة معالجة هذه القصص العاطفية، تعجبني كثيرا"، مبرزة أن "الدراما التركية هي الأكثر تفوقا حاليا، وأفضل بكثير من المكسيكية والعربية". ليس الجنس الناعم وحده من يقبل على المسلسلات التركية، بل حتى المراهقين، والشباب، يتابعون عددا من الأعمال المدبلجة، منها الأرض الطيبة، والأوراق المتساقطة، والحب الممنوع، الذين يعرضون على قنوات "إم بي سي"، ورماد الحب، الذي يعرض على القناة الثانية المحلية. يقول رضوان الإدريسي، مستخدم، "كنت من المولعين بمتابعة الأفلام الأميركية، والأوروبية، غير أنني، أخيرا، أضحيت من أكثر المتابعين للمسلسلات التركية، التي أجد أن لديها سحرا خاصا في كسب قلوب المشاهدين". وأرجع رضوان نجاح هذه الأعمال إلى التقارب بين المجتمع التركي والعربي، إلى جانب حبكة السيناريو، وطريقة التمثيل التي وجدها أكثر من رائعة، موضحا أن "هناك بعض المشاهد المؤثرة التي ما زالت الطريقة التي أديت بها عالقة في ذهنه". من متفرجين.. إلى منصهرين يقول عبد المجيد فنيش، مخرج وباحث فني مغربيّ إن "علاقة المشاهد المغربي بالأعمال الدرامية المدبلجة، ليست علاقة يوم، وإنما الذاكرة تحتفظ لنا بالعديد من الأعمال من هذا النوع، منذ ظهور التلفزيون في المغرب". وأضاف عبد المجد فنيش، في تصريح ل "إيلاف"، "المغاربة استطاعوا أن يتعرفوا على ثقافات وحضارات أمم، من خلال الأعمال الدرامية، التي جرى نقلها إلى العربية الفصحى من طرف بعض المشارقة، أو حتى باللهجة العامية"، ويفسّر: "كذلك لا يمكن أن ننسى دور السينما في التعرف على الثقافة الآسيوية عموما، والهندية على وجه الخصوص، من خلال نقل كبريات الإنتاجات السينمائية الهندية إلى الدارجة المغربية". وهذا الأمر ليس ببدعة أو بشيء جديد، يشرح الباحث المغربي، "لكن الآن الظاهرة أخذت امتدادا كبيرا، ما جعل الأنظار تتجه إليها، ذلك أن بعد الإبداعات الأوروبية والأميركية، تأتي اللغة الإسبانية، التي لم تكن حاضرة من قبل كلغة درامية عالمية، من خلال أعمال جنوب أميركا". أما المرحلة الثانية، يؤكد فنيش، ف "جاءت من آسيا، وخاصة من كوريا الجنوبية، فالصين، ثم اليابان، بينما المرحلة الثالثة، التي نعيشها حاليا، هي التركية بالأساس. كما أن هناك بعض المجتمعات التي تتلقى سيلا كبيرا من الإبداعات المماثلة الآتية من إيران. ويتابع:"هي ظاهرة عالمية، أن نجد إنتاجات درامية منقولة إلى لهجات محلية، وليس ذلك فقط في العالم العربي، بل في عدد من الدول، إذ أن هناك عشرات الإنتاجات الروسية توجد حاليا بلغات أوروبية". ويرى المنتج المغربيّ فنيش أنّ الإشكال الحقيقي يتمثل في تعدد القنوات الفضائية، ووجودها بالمئات، وهو ما يحتم ضرورة وجود دورة إنتاجية كبيرة جدا، التي لا يمكن أن يغطيها سوى هذه السلسة من الإنتاجات التي ترتكز على القصص الاجتماعية البسيطة، والتي تنجز في أسرع وقت. وبالنسبة للشق الثاني، فيتجلى في كون أن "جل هذه الأعمال، خاصة التركية، يتلقاها المغربي لسبب رئيسي، أولا لكون وجود رابط معين، وإن كان خفيا، بين ثقافتنا وهويتنا المحلية وبين المنتوج التركي، ألا وهو الإسلام. ففي جميع الحالات ستظل تركيا هي الامتداد لما كان سابقا للدولة العثمانية، وبالتالي الإسلام. فالمشاهد المغربي يريد أن يرى بلدا مسلما يفتش في جزء منه داخل أوروبا، وآخر داخل آسيا. بمعنى كيف يعيش هذه المفارقة الآسيوية الأوروبية، والعلمانية على المستوى الحكم في البلاد، ثم التنوع الديني داخل المجتمع؟". إنه فضول بمعرفة الآخر أكثر من الاهتمام بالجانب الدرامي، يوضح فنيش، و"ما يجرنا إلى مثل هذه الإنتاجات ليس بالضرورة جودتها الدرامية، التي غالبا ما نبحث عنها بالشمع وضوء القنديل لأنها نادرة للغاية، لكن الذي يجرنا أكثر هو خلفيات هذه الإنتاجات، أي محيطها، إذ أنها باتت تلعب دور الدليل السياحي لهذا البلد. ولذلك فلا عجب أن نسمع أن تركيا حققت رواجا سياحيا غير مسبوق، في السنوات الأخيرة. فهذه الانتاجات، بغض النظر عن جودتها، التي أقول بأنها لا ترقى للحدود الدنيا، إلا أنها لا تخلو من الجذب العاطفي، من خلال تناولها لقضايا اجتماعية يدخل فيها الحب، والجريمة، والعنف الأسري، والعلاقات المضطربة بين الأخوة. إنها الحالات الموجودة عندنا، لكن لا نستطيع التعبير عنها سواء في حياتنا العامة ولا حتى فنيا، بمعنى أننا وجدنا بديلا للتعبير عن ما يشبهنا، لكن بغير ثقافتنا وألبستنا والكثير من مقوماتنا". وأضاف "في البداية نكون مجرد متفرجين، لكن في النهاية نجد أنفسنا منصهرين في هذه الأعمال، لأن المشاكل نفسها التي نعيشها نجدها مطروحة في هذه الأعمال". *إيلاف