سألني بعض الناس عن السر في عدم احتفالي بعيد الميلاد ،يوم الثلاثين من شهر سبتمبر أيلول من كل عام . أجبتهم ، لكل واحد منا له عيده ،الذي يتذكر فيه أحلامه و آهاته و خيبات أمله . لم يعجب البعض كلامي و خاصة أنني قلت لهم و بجرأة ،إن الحياة قصيرة و أن يوم الميلاد هو بداية عد عكسي للحظات محسوبة ،تسمى الحياة . كم انزعج البعض من حديثي عن الموت ،وكيف جحظت عينا أحدهم و هو يستمع إلي عندما قلت : إن الحياة عبارة عن سفر نحو الفناء و الإندثار جسديا ،حتى لا أقول وجوديا ،فأسبب لنفسي الكثير من المتاعب الفلسفية و الورطات التي لا حد لها . "" وهل فهمتم ما معنى العمر ؟ أجابتني تلك الحسناء الروسية بلكنتها الجميلة : ليس هناك الا عمر واحد يتساوى أمامه بني البشر ... أجبتها بسؤال : وما معنى أن يحسب عمرك بالدقائق و الساعات و السنوات ؟ سكتت و رفضت أن تقبل عباراتي كماهي ، ، ربما كانت تحتاج الى تشفير معين . استرسلت في كلامي : يا عزيزتي إيلينا ، العمر تقرر فيه كل جماعة أو شعب او أمة أو حتى قبيلة من القبائل ،التي تتصور العمر بطريقتها الخاصة . ردت علي و هي منزعجة : لا ، يا نبيل ، الأعمار كالهواء موجودة في كل مكان و بنفس الطريقة . إنها الطبيعة .....! الطبيعة لا تتحكم فينا دوما . الثقافة فرقت ووحدت و جعلت كل جماعة بشرية تتحدث عن العمر بطريقة ،أحيانا تكون جميلة و أحيانا أخرى غريبة ! الحوار بدأ يتجه نحو القطيعة ،لكن حاولت إنقاده . قلت للروسية الآتية من جبال القوقاز ،و هي الرافضة لهويتها الروسية بشكل ملفت للنظر ،و خاصة أمام واحد مثلي، لم يكن يعرف أن القوميات تخلق العجائب في عدة بلدان! مراحل العمر تشبه أصابع اليد ، لكن كل يد لها بصمات خاصة، تحمل هوية صاحبها المنفردة. و كيف ذلك ؟ الطفولة و الشباب و الشيخوخة ،ليست الا كلمات مستهلكة و متداولة ،تحمل الكثير من الوهم . كل جماعة تحمل في طياتها أوهاما عديدة ،و هذا شيء مقبول ،ما دام لكل انسان لسان يقول به ما يشاء و ما يريد ، فتبليغ الوقائع ليس كالتحدث عن الحقائق . لم أفهم بعد الفرق ؟ كل واحد منا يرى العمر و مراحل عمره حسب تجاربه وثقافته و دينه و أوهامه التي تسمح له بالوجود و الإستمرارية ،و تسهل عليه مهمة الحياة . فالشباب على سبيل المثال إحساس و ممارسة و حب و لعنة و حماقة و لحظات تمر كمرور السحاب . و لماذا ذلك، فالمرأة العجوز تظل كذلك ! هذا بناء ذاتي لصورة المرأة! أعرف و لكن هذا منطقي ! و هل أنت حلزون لا يخرج من قوقعته إلا من أجل تلبية حاجاته الحيوانية ؟ أنا مثل الفراشة ! اخرجي من غرفتك ،و اجعلي ذاتك في مرآة خارج ثقافتك . الواقع يرى بأشكال مختلفة مثله مثل الحب والكراهية ... أريد أن أرى ذلك ،لكني عاجزة عن معرفة ما لا يعرف ! ادخلي مملكة الهوى و انصتي الى جسدك ،في سكناته و حركاته و أحلامه و حتى آلامه ! العمر يؤرقني و يجعلني قبالة الفرض الضائعة . كم جميل أن نقف أمام تلك الفرص الضائعة . لا تنسي أن العمر هو إحساس ذاتي، ووجودي ، سره الأكبر هو الإنصات الى نبض الذات بعيدا عن قوالب الثقافة ! الثقافة هي محررة للإنسان و سند لكل هوية ! نحن ضحايا الثقافة يا عزيزتي ! آه ، عباراتك مستفزة و موحية و مؤلمة ! هذا رائع . علينا أن نخرج من صلب هذه الثقافة ،التي تجعلنا لا نرى حجم الشمس و الأرض و حتى القمر . لماذا هذا العجز في نظرك؟ الحواس خداعة و هي مثل قوالب الثقافة . العمر الحقيقي ما نحسه و نعيشه و ليس ما يحدده الناس يوميا . و لذلك قلت لك ،لا أحتفل بعيد الميلاد ،الذي من المفترض أن يكون لحظة مغايرة للمألوف ! و كيف تريد أن تستمر في هذا الصمت ؟ لا أريد أن أصمت ، أريد أن أحتفل بالحب و الخلود عوضا عن لحظات عابرة . إنها لحظات جميلة ! الأجمل أن يكون اللانهائي هو سر الوجود و ليس فترات و أيام وقتية ،لا تسمو الا بتأشيرات الآخرين ! و كيف ستحتفل إذن ؟ كل يوم أحتفل بذاتي ، ذاتي العارية ، ذاتي التي تئن تحت وطأة أحلام الطفولة و آهات الحاضر و ترقبات المستقبل . سكتت إيلينا لحظات ثم نطقت : و لكل واحد منا ذكراه ، في قلبه الذي لا يشبه القلوب . إنه قلب متفرد جدا ! نعم ، أعرف ، فللقلب أسبابه الخاصة التي لا يعلمها العقل !عيدك هو أنت في كل صباح ،عندما تستتيقظ على نغمات وجوه جديدة ،و عمر يتمدد كما تتمدد الشمعة على بساط الأرض ! خرجت أنا و ايلينا . غادرت هذه الشقراء المكان ،وفي نفسها شيء من الحلم ، الحلم بغذ تكون فيه الأعمار كالأزهار . محمد نبيل بمناسبة عيد ما، في مكان يدعى موسكو ! [email protected]