لم أتوقف للحظة واحدة عن متابعة الصحافيات العاملات بجريدة «يمن تايمز». ما أثار ذهولي بشكل خاص هو قدرتهن على التركيز وهن يقمن بالرقن على آلة وأعينهن متبثة على الشاشة التي تتوج جميع المكاتب المصنوعة من خشب مصقول. أن تتمكن من العمل وفي نفس الوقت مشاهدة سلسلة «توم و جيري» يعتبر أمرا في غاية الروعة! - «نجود، إنها حواسيب!» نطق حامد هذه العبارة وهو يلاحظ اندهاشي مما أرى. - إنها ماذا؟ - حواسيب! آلات مرتبطة بلوحة مفاتيح تسمح لك بكتابة مقالات وبعث الرسائل. كما أنها تمكنك من الاحتفاظ بالصور داخلها. آلات تسمح ببعث الرسائل والاحتفاظ بالصور... أولئك النسوة لا تتوفر لديهن جاذبية خاصة فحسب، بل هن متطورات أيضا. أتخيل نفسي وقد وضعت طلاء الأظافر وأداعب قلما بين أصابعي. سأكون صحافية، أو محامية، أو ربما سأقوم بالوظيفتين في نفس الآن. وباستعمال الحاسوب، سأبعث بالرسائل إلى حامد وشدى. سأشتغل بجد، لا شك في هذا الأمر. سأحصل علي مكافأة لقاء عملي، وهكذا سأتمكن من مساعدة الأشخاص الذين يعانون وسأوفر لهم حياة أفضل. انتهت بنا جولتنا داخل مرافق الجريدة إلى قاعة الاجتماعات، فقالت نادية: «إنها تحتضن الأحداث المهمة». خاطبني صوت ذكوري يقول: «أحسنت نجود!» ثم تلته أصوات أخرى بدت لي وكأنها أوركسترا: «لقد انتصرت نجود، لقد انتصرت نجود!» لم أكد أدلف إلى قاعة أخرى عبر باب كبير، حتى وجدتني وسط حوالي ثلاثين شخصا. عيونهم الجاحظة كانت كلها مصوبة نحوي. صدى تصفيقاتهم لا يكاد ينقطع من كل أطراف القاعة. تصفيقات رافقتها غمزات وابتسامات وعناقات. قمت بقرص يدي اليمنى لأتأكد من أنني لست في حلم. بالتأكيد هذا ليس حلما. فـ «الحدث المهم» اليوم هو أنا...! بدأت الهدايا تتقاطر علي. كان حامد أول من قدم لي هدية، وكانت عبارة عن دمية لدب أحمر عملاق لدرجة أن طوله بلغ كتفي. وكان بطن الدب يحمل رسما لقلب كبير تحيط به بعض الكتابات التي لم أستطع فك رموزها. قال حامد: «لقد كتب عليه باللغة الإنجليزية (I love you) وهي تعني «أحبك»». لم أعد أدري إلى من سألتفت في الوقت الذي تدفقت علي فيه الهدايا من كل صوب. وكلما فتحت رباط هدية، إلا ووجدت أمامي مفاجأة لم تخطر قط ببالي: آلة بيانو صغيرة، أقلام ملونة، مذكرات خاصة بالرسم، دمية فلة تمام كتلك التي كانت عند القاضي عبد الوهاب. فتشت عن كلمات لأعبر بها عن امتناني، لكن ولا واحدة وجدت طريقها إلى لساني باستثناء: - شكرا! ثم رسمت ابتسامة صادقة على شفتي وأهديتها للجميع. دعتني نادية لقطع الحلوى. كانت تلك حلوى الشوكولاتة التي أحببتها دوما. وكانت فوقها خمس حبات من الكرز للتزيين. فجأة عاودتني إحدى الذكريات: إنها ذكرى هروبي صوب شارع الحايل برفقة منى. كنت أطل عبر الواجهات الزجاجية لمحلات الملابس وأتخيل حفل زفاف مليء بالهدايا وفساتين السهرة. صحيح أن الواقع أكثر مرارة من الأحلام، لكن لا شك أن هذا الواقع يخفي لنا بعض المفاجآت السارة. لقد فهمت اليوم معنى «الاحتفال». عانقت دبي الكبير وقلت لنفسي: «حفل الطلاق أفضل بكثير من حفل الزفاف». قالت نادية: «بمناسبة هذا الاحتفال الخاص جدا، ماذا سنغني برأيكم لنجود؟ أجبتها بتردد: «لا أدري...». ،على العكس من ذلك، كانت لدى شدى فكرة جميلة: «ماذا لو غنينا «عيد ميلاد سعيد؟» قلت لنفسي: «عيد ميلاد؟» ثم وجهت لهم السؤال وأنا مندهشة: «ما الذي يعنيه عيد الميلاد؟» - عيد الميلاد هو المناسبة التي نحتفل فيها باليوم الذي ولدنا فيه. - نعم، لكن هناك مشكل... - أي مشكل؟ - المشكل هو... هو أنني لا أعرف في أي يوم ولدت... - حسنا، سيكون اليوم هو يوم ميلادك. ضجت القاعة من جديد بالتصفيقات. - سنة سعيدة يا نجود. سنة سعيدة. كانت لدي رغبة في الضحك ملء شدقي. كم هو سهل أن تكون سعيدا عندما يحيط بك أناس طيبون!