قرب المسافة بين ضفتي المغرب وإسبانيا، جعلتهما يواجهان نفس التحديات وعلى رأسها قضية الهجرة السرية، والتطرف الديني، بالإضافة إلى مواجهة الجريمة المنظمة العابرة للقارات، وهي الملفات التي تم تشريحها من طرف خبراء مغاربة وإسبانيين خلال الندوة التي استضافها مقر هيئة المحامين الإسبان بمدينة طاراغونا الإسبانية وذلك في إطار الأنشطة الفكرية للأيام الثقافية المغربية في نفس المدينة الإسبانية، والمنطلقة يوم الخميس الماضي. نفاق الغرب والتطرف الأستاذ الجامعي الإسباني سانتياغو كاستيلا وجه نقدا لاذعا لما أسماه بنفاق الغرب، والمتجلي من وجهة نظره في حديث الدول المتقدمة عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، بينما لا تحترم هذه الحقوق مع المهاجرين، وأول انتهاك لحقوق المهاجرين هو حرمانهم من المشاركة السياسية، "من غير المقبول أن نقول للمهاجرين إنه ليس من حقك المشاركة السياسية لهذا علينا عولمة حقوق الإنسان". واتهم الجامعي الإسباني الدول الغربية بكونها تستعمل خطابا مزدوجا، فهي تظهر بمظهر المدافع عن حقوق الإنسان عندما يتعلق الأمر بقضايا بعينها، بينما يصمت الغرب عن انتهاك حقوق المهاجرين، "ويتعامل بسلبية مع جميع الانتهاكات التي قامت بها الولاياتالمتحدةالأمريكية في سجن غوانتانامو وما تفعله إسرائيل في حق الشعب الفلسطيني"، مضيفا بأنه عندما تدخل المصالح الاقتصادية على الخط "تصبح الدول الغربية منافقة". وعبر الأكاديمي الإسباني عن امتعاضه من الطريقة التي تعاملت بها الدول الأوروبية مع المهاجرين خصوصا الجيل الأول منهم، "لقد تعاملت معهم كيد عاملة وليس كمواطنين"، مضيفا بأن الدول الأوروبية جعلت المهاجرين يعيشون خارج المدن، وألا يكون لهم الحق في الظهور في الفضاء العمومي "عليهم أن يظهروا فقط في المستشفيات إذا مرضوا أو في المدارس لتسجيل أبنائهم للتعليم". هذه الوضعية هي التي أدت إلى انتشار الخطاب المتطرف، "لأنه حتى المساجد كان على المهاجرين بناؤها خارج المدن أو في أماكن مهمشة"، وبالتالي فالمهاجر لا يجد أي مكان يعبر فيه عن نفسه، وإذا ذهب للمسجد هناك من يستغله ويشحنه بخطاب متطرف، لذلك يقترح الخبير الإسباني أن يتم إدماج المهاجرين بشكل كامل في الدول الأوروبية وعلى رأسها إسبانيا. تحديات مشتركة وكما تحدث سانتياغو كاستيلا عن كون قضية الهجرة ومشاكل المهاجرين، مسألة تتحمل فيها جميع الدول المسؤولية، فقد أكد الكداري أستاذ بجامعة محمد الخامس عن كون التعاون بين المغرب والاتحاد الأوروبي في مجال الهجرة يقوم على ركيزتين أسياسيتين، أولهما إدماج المهاجرين بشكل تام في المجتمع والثانية محاربة ظاهرة الهجرة السرية. وقدم الأكاديمي المغربي نظرته للتعاون بين المغرب والاتحاد الأوروبي في مجال الهجرة، عندما كشف أن الاتحاد الأوروبي يقدم الدعم المالي والتقني للمغرب للتعامل مع مشكل الهجرة غير الشرعية، "لأن الاتحاد الأوروبي يعلم أن الهجرة السرية هي نتاج للفقر"، مضيفا بأن التعاون في ملف الهجرة هو الذي دفع إلى التركيز على خلق شراكات بين الطرفين في مجال حقوق الإنسان والديمقراطية. وتحدث الكداري عن معادلة مفادها أن دول الاتحاد الأوروبي بعد اتحادها قامت بفتح الحدود فيما بينها، بينما أصبحت أكثر حذرا في مراقبة حدودها الخارجية، وبالتالي ففتح الحدود الداخلية كان على حساب الحدود الخارجية لدول الاتحاد، مشيرا إلى أن دول الاتحاد الأوروبي أصبحت ترى أن "ضمان أمن واستقرار المواطن الذي يعيش في إحدى دول الاتحاد رهين بحماية الحدود الخارجية". وعاد الخبير المغربي في قضايا الهجرة إلى سنة 2013 والتي عرفت التوقيع على الإعلان المشترك بين المغرب والاتحاد الأوروبي، لكي يؤكد أن العمل المشترك بين الطرفين أصبح يركز على التحكم في تدفق المهاجرين، وربط الهجرة بالتنمية، ثم الحد من الهجرة السرية. الإنصاف والمصالحة ولأن ملف حقوق الإنسان كان من الملفات ذات الأولوية في العلاقات بين المغرب والاتحاد الأوروبي، فقد كان من المناسب أن يتم عرض تجربة مميزة أقدم عليها المغرب وهي تجربة هيئة الإنصاف والمصالحة، والتي تولى مهمة تقديمها أمام رجال القانون الإسباني، مصطفى الزناسني عضو هيئة الإنصاف والمصالحة، الذي أكد أن هدف المغرب من إنشاء الهيئة كان تفادي الرجوع إلى ممارسات سنوات الرصاص، وجبر ضرر الضحايا. وعدد الزناسني المهام التي قامت بها الهيئة انطلاقا من التحقيق في مصير الضحايا الذين تم اختطافهم ولم يعرف مصيرهم، ثم تعويض الضحايا ماديا، وإدماج من لن يستطع الاندماج في المجال السياسي والمهني، وإعادة الاعتبار للمدن والأماكن التي عرفت انتهاكات لحقوق الإنسان. وعبر الزناسني عن أسفه لأن الأشخاص الذين تم تعويضهم لم يتم توجيههم ومرافقتهم حتى يستثمروا أموال التعويضات بالطريقة الصحيحة، "لأن بعضهم قضى سنوات طويلة في السجن وبالتالي لم يعد يعرف كيفية التعامل مع الحياة لهذا كان يجب مرافقته وإرشاده حتى لا يضيع أموال التعويضات"، خصوصا وأن عدد الأشخاص الذين تم تعويضهم ماديا يفوق 21 ألف شخص. وتبقى المعركة الكبرى أمام أعضاء الهيئة هي حفظ الذاكرة الوطنية، ومشكل الأرشيفات التي مازالت تعتبر معضلة يواجهها المغرب لحد الآن. الإرهاب والجريمة المنظمة من جهته أكد القاضي حسن مازوزي الذي يشغل منصب قاضي الاتصال في سفارة المغرب بالعاصمة الإسبانية مدريد، أن التعاون القضائي بين المغرب وإسبانيا يتم بشكل سلس وسليم، مقدما المثال على ذلك بخلق اللجنة الرباعية التي تضم إلى جانب المغرب واسبانيا كلا من بلجيكا وفرنسا، وهي تجربة لم يقتصر فيها التعاون فقط على الآليات التقليدية بل اعتمد وسائل سريعة للتعاون تمثلت في الاتصال المباشر، والانضباط في الاجتماعات الدورية مرة في كل ثلاثة أشهر بإحدى الدول الأعضاء في اللجنة. وأكد قاضي الاتصال أن اللجنة أعطت نتائج "مرضية ساهمت بشكل كبير في تخطي الروتين الإداري والذي طالما استفاد من ثغراته المجرمون والمجموعات الإرهابية"، مضيفا بأن هذه المجموعات طورت أساليبها الإجرامية باستمرار وتتحرك بسرعة تفوق الوسائل التقليدية. ولإظهار خطورة التحديات التي تواجه المغرب وإسبانيا، لفت القاضي المغربي إلى أنه بالأمس القريب كان المجتمع في مواجهة جريمة منظمة أبطالها عصابات تتحرك ببطء "واليوم أصبحنا في مواجهة الذئب الوحيد وهو شخص واحد يصنع أسلحته لوحده و يخطط لوحده و ينفذ لوحده، وهي استراتيجية سريعة وصعبة الضبط والمواجهة". هذا الوضع الجديد حتم على المغرب وإسبانيا استمرارية العمل المشترك والتشاور، وهو ما تم بالفعل حسب ما كشف عنه القاضي المغربي، من خلال الاجتماع الذي تم بالمغرب وحضره الوكيل العام للمحكمة الوطنية الإسبانية والوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف وخلال الاجتماع تم الاتفاق على أن نصوص التعاون القضائي المعدلة سنة 2009 أصبحت هي الأخرى متجاوزة، وأن الضرورة تقتضي سد ثغراتها حتى لا تخترقها الجريمة المنظمة. وشدد حسن مازوزي على أن نجاعة الأنظمة القانونية لا تتجلى فقط في قيمتها المعلنة و إنما في قيمتها من حيث التطبيق، قبل أن يتطرق إلى المشاكل العامة التي تعترض التعاون القضائي، أولها انعدام أو نقص في تبادل المعلومات رغم وجود ثقة متبادلة بين الطرفين، ثم التباين في استعمال المفردات المتداولة والناتج عن التباين في الأنظمة القضائية والقانونية بين البلدين، وأخيرا اختلاف المساطر القضائية. ومن وجهة نظر القاضي المغربي لن يتم تجاوز هذه المشاكل، إلا بتفعيل الاتفاقيات الدولية والقرارات الأممية كالقرار 1373 ومقتضيات المادة 6 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والملزمة للدول بحماية حق مواطنيها في الحياة، ليخلص إلى أنه أصبح لزاما على الدولة منع الأفعال الإجرامية قبل وقوعها، وأن تتبادل بشكل صادق المعلومات فيما بينها.