رصدت دراسة جديدة أنجزها الباحث في العلوم السياسية، الدكتور محمد بوشيخي، أهم ملامح حالة الشيعة والتشيع بالمغرب، حيث سرد الوقائع المرتبطة بالطيف الشيعي في البلاد، وأحاطها بالنقاش والتحليل والاستنتاج، مرتكزا على بسط رؤى هؤلاء الشيعة ومرجعياتهم واستراتيجياتهم المختلفة. وتطرق بحث بوشيخي، الذي يأتي ضمن تقرير الحالة الدينية بالمغرب بين 2014 و2015، والصادر حديثا عن مركز المغرب الأقصى للدراسات والأبحاث، بإشراف الباحث في الحركات الإسلامية، منتصر حمادة، إلى عدة محاور حاول من خلالها مقاربة الحضور الشيعي في الساحات السياسية والإعلامية والحقوقية بالبلاد. الشيعة والعزلة السياسية واعتبر بوشيخي، في المحور الذي خصصه ضمن دراسته البحثية لحضور الشيعة داخل المشهد السياسي بالبلاد، أن الشيعة المغاربة يعيشون ما سماها "حالة عزلة حقيقية" داخل الحقل السياسي"، مبرزا أن "التشيع بات يشكل عامل ريبة لدى مختلف مكونات الساحة المغربية". ويشرح الباحث المتخرج من مدرسة الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية بباريس (EHESS)، حول أطروحة "السلوك السياسي لعلماء المغرب"، بأن الإسلاميين والفعاليات السياسية الأخرى، يرفضون كل تطبيع أو تقارب مع الشيعة، درءا لتزكية اختياراتهم واحتراسا من فتح منافذ للنفوذ الأجنبي بالبلاد، وحفاظا على الوحدة الدينية للمغاربة. واستدل بوشيخي على العلاقة المتنافرة بين الشيعة والحساسيات الإسلامية الأخرى بالبلاد، بما وصفه اقتصار تعزية "الخط الرسالي" في وفاة الشيخ عبد السلام ياسين، على رسالة شديدة الاقتضاب، وخالية من عبارات المدح وذكر المناقب التي تكون في مثل هذه المناسبات". واستدرك التقرير بأن مواقف الإسلاميين إزاء الشيعة لا تعني مباركة السياسة الرسمية، بدليل وصف "المركز المغربي للأبحاث وتحليل السياسات"، وهو عبارة عن "تينك تانك" جماعة العدل والإحسان، للمقاربة الأمنية للسلطة في موضوع الشيعة، بالقاصرة والعاجزة عن إدراك كنه الإشكال". وفرق بوشيخي في دراسته بين أطياف شيعية متباينة، وقال إن الشيعة في عمومهم لا يبدون أي انشغال بالتقارب مع القوى السياسية، إما لضعف إمكانياتهم البشرية والتأطيرية، أو لهيمنة الجانب العقدي لديهم، مثل مقلدي السيد الشيرازي، وفردانيتهم مثل مقلدي السيستاني، وشدة احتياطهم مثل مقلدي خامنئي. واستثنى بوشيخي من هذه الأطياف الشيعية "الخط الرسالي"، والذي اعتبره من مقلدي السيد محمد حسين فضل الله، باعتبار أنه "بعث أكثر من مؤشر على قابليته للتفاعل الإيجابي مع القوى الوطنية، خصوصا أنه يعتبر نفسه "مبادرة مفتوحة" للعمل مع الجميع، وأنه "حالة فوق التعددية المذهبية والتموقعات الحزبية والطائفية". الشيعة حقوقيا وإعلاميا وفي الشق الحقوقي للطيف الشيعي، أوردت دراسة الباحث المغربي أن تبني "حرية المعتقد" لدى الشيعة عموما، خلافا للتنظيمات الإسلامية الأخرى، سواء منها المعتدلة أو المتشددة، يشكل حصان طروادة لإحراج السلطات، وحملها على التعاطي الإيجابي مع مطلبهم في الاعتراف القانوني". وأما في الجانب الإعلامي، اعتبر المصدر أن الشيعة يتعاطون بحساسية بالغة مع ما يثار حولهم في الصحف، متفاعلين مع ذات الأخبار بالتعقيب والتوضيح، وإصدار البيانات والبلاغات، وهي حساسية يبررها التخوف من تأثير التقارير الصحفية على تطور الحالة الشيعية بالمغرب". وأردف التقرير ذاته بأن الشيعة المغاربة حذرون من تداعيات الأخبار والتقارير الإعلامية على مسار تطبيعهم داخل المجتمع، ورسم موقف الرأي العام منها، وتوجيه السياسة الرسمية بخصوصها"، لافتا إلى أن "الخط الرسالي" يمثل الاتجاه الأكثر إقبالا على "تصحيح" صورة الشيعة إعلاميا بلغة مرنة ومهادنة". الشيعة في المرآة وسجل بوشيخي أن الحالة الشيعة بالمغرب، رغم وحدة انتمائها الظاهري عموما للإمامية الجعفرية، تتسع لتشمل تيارات متنوعة بحسب اختلاف مرجعياتها الفقهية، وتقديراتها الظرفية والمرحلية، وطريقة تعاطيها مع الخصوصية الدينية المغربية، وتفاعلها مع الأحداث الوطنية والدولية. ويشرح الباحث استنتاجه بالقول إن مقلدي السيد علي خامنئي يتحاشون إشهار وجودهم، والتعبير عن معتقداتهم لارتباطهم بمرجعية فقهية تتقاطع مع رئاسة دولة أجنبية، رغم كثافتهم العددية، مما يعزز لديهم التمسك بمبدأ "التقية"، وهو نفس الشيء عند مقلدي السيد علي السيستاني، نظرا لتشتتهم وقلة عددهم". وبالمقابل، ذهب التقرير إلى أن "مقلدي السيد محمد الشيرازي، سيما منهم أنصار ياسر الحبيب، المنتسبين ل"هيئة الإمام محمد الشيرازي"، لا يتوانون في التعبير عن مواقفهم المناوئة لمعتقدات "أهل السنة والجماعة"، الشيء الذي خلق صدامات مع ذوي مرجعية محمد حسين فضل الله، التي تعتبر الأكثر انفتاحا وقدرة على التسرب داخل سياج البيئة السنية". ولفت المصدر إلى أن الحضور الوازن لملابسات الصراع في الشرق الأوسط يعتبر ضمن اهتمامات الشيعة المغاربة، إلى حد دخوله أحيانا كعنصر محدد لنظام تمثلاتهم الدينية والسياسية عاملا سلبيا على أوضاعهم الداخلية ومفككا لعلاقاتهم التنظيمية وهو أمر يعززه الفشل في ترميز، ولا حتى تكوين، شخصية فقهية مغربية كاريزمية". وخلص الباحث إلى أن هذا المعطى يجعل من الحديث عن تشيع متكيف مع الخصوصية المغربية، بله التشيع المغربي، "مجرد كلام إشهاري، ويافطة للتسويق الإعلامي، خصوصا مع التفاعل التلقائي للمرجعيات الكبرى مع أحداث دولها عبر الفتاوى والسجالات الفقهية" وفق تعبيره.