منذُ صارَ الأمين العامّ لحزب العدالة والتنمية عبد الإله بنكيران رئيسا للحكومة، عقبَ الانتخابات التشريعية ل25 نونبر 2011، لُوحظَ تنامي اهتمام الرأي العامّ بخرجات رئيس الحكومة، مُقارنة مع ما كانَ عليه الحالُ في السابق، إذْ صارَ حُضوره إلى البرلمان في جلسات المساءلة الشهرية يحظى بنسبة متابعة مهمّة من طرف المغاربة على شاشة التلفزيون. "الشعبية" التي صنعها عبد الإله بنكيران لنفسه بَنى أساسها، حسب ما يقول المتتبّعون، على اللغة البسيطة التي يُخاطبُ بها المغاربة، سواء في المهرجانات الخطابية أو داخلَ البرلمان، وهي بالأساس لغة دارجة، جعلتْ خطابَه يصل إلى جميع شرائح المجتمع، فضْلا عن كون خطابه يخلو من "لغة الخشب" التي دأبَ السياسيون المغاربة على التحدّث بها. غيْرَ أنّ هناكَ أسبابا أخرى، إلى جانب اللغة البسيطة، تشكّل عصب "صناعة شعبية ابن كيران"، خاصّة مع اشتداد المعركة بيْنه وبيْن أحزاب المعارضة، ويعدّد الباحث المغربي حسن كاوز هذه الأسبابَ التي صنّفها إلى أسباب إيجابية، وسلبيّة، وأخرى مركّبة، في خمسين سببا، وهي كالتالي... من باب الاجتهاد فقط، والمعاينة الموازية الأولية، ودراسة الأحداث والقرائن المتوفرة، أمكننا تصنيف خمسين سببا مقنعا وقويا في تفسير ظاهرة شعبية رئيس الحكومة عبد ابن كيران، وتحوّلها إلى صناعة سياسية واجتماعية ذات ربح ومردودية وطلب كثير، منها: أسباب إيجابية هيأتها الأقدار أو غباوة الأشخاص أو السياقات الدولية والمحلية، لتضع نفسها رهن إشارة مخططات وطموحات ابن كيران، وأسباب سلبية، بمنطق الباحث أو المؤرخ الذي لا تعنيه إلا درجة العلمية والموضوعية، غير أن ابن كيران "الذكي بالفطرة" حوّلها في رمشة عين لفائدة حسابه ورصيده البنكي، وأسباب مركّبة تأخذ في نفس الآن من حصة الأسباب الإيجابية والأسباب السلبية التي تساهم بقدر وافر في تطوير صناعة شعبية ابن كيران، الذي بدأ فعلا يستعد للولاية الثانية بحسابات وضمانات هذه الصناعة المربحة. الأسباب الإيجابية 1/ مقتضيات دستور 2011 الذي منح ابن كيران صفة رئيس حكومة وأول رئيس حكومة بدل وزير أول، مع ما لهذه التسمية الجديدة من دلالة رمزية في اقتسام السلطة والحكم، تبدأ من لحظة تعيين الرئيس من الحزب الذي يتصدّر الانتخابات التشريعية، وتمرّ عبر مسؤوليات وصلاحيات ومهام اقتراح أعضاء الحكومة، وعرض التصريح الحكومي أمام المجلسين التشريعيين، وممارسة السلطة التنفيذية، وترؤس المجلس الحكومي وكذا مجلس الوزراء والمجلس الأعلى للأمن بتفويض من الملك، والتعيين في المناصب العليا، واقتراح القوانين، وطلب إعفاء الوزراء، وتقديم الحصيلة المرحلية بالبرلمان، وإمكانية حلّ مجلس النواب بعد استشارة الملك، هذا عدا مسؤولية تنزيل مقتضيات الدستور الجديد في المجالات المتعلقة بالقوانين التنظيمية، والمؤسسات والهيئات المنصوص عليها، والاستحقاقات الانتخابية، وقضايا العدالة وغيرها؛ 2/ الانحياز المطلق إلى ثوابت الملكية المتجذرة في الأوساط الشعبية منذ قرون ولو بصنع الأحداث العرضية التافهة لإعلان الانتماء إلى مرجعية الملكية الدستورية، والدعوة إلى العض عليها بالنواجد، لكسب ثقة الملك ومحبة الشعب، وفتح الطريق أمام الولاية الثانية وحتى الثالثة إن أمكن، وهذا تفكير براغماتي مشروع؛ 3/ نظافة اليد ونزاهة الذمة بالمقارنة مع بعض التجارب الحكومية السابقة رغم أن هذا الموضوع سابق لأوانه، ويحتاج إلى انتهاء الولاية الحكومية الحالية لإصدار التشخيص والتقييم النهائي؛ غير أن المؤشرات المرحلية الأولى لذمة ابن كيران وفريقه الحكومي، الذين قاموا بالتصريح بممتلكاتهم وفق الآجال القانونية، تكاد تجمع على اكتفائهم برواتبهم وتعويضاتهم المشروعة. وللإشارة فإن نظافة اليد في هذا الموضوع بالذات ليست متأتية فقط من ميثاق أخلاقي وسياسي لابن كيران ومن معه، ولكن أيضا نتيجة طبيعية للمراقبة الشعبية والإعلامية التي أصبحت شديدة، ولدقة ضربات بعض قناصة شبكات التواصل الاجتماعي، ونجاعة معلومات مخبري الإدارات العمومية وهيئات مراقبة المال العام، وجولات المجلس الأعلى والمجالس الجهوية للحسابات؛ 4/ اللعب بامتياز وثقة واحترافية على خط الموازنة بين ضغط الحاجيات المحلية وشروط الإكراهات الخارجية، وهي وإن كانت معادلة صعبة وأحيانا مستحيلة، إلا أنها قد تحقّقت استثناء بالمغرب، بعد تسليم حوالات صناديق التماسك الاجتماعي بيد، واستلام مرجوعات المقاصة والأموال المهرّبة بيد أخرى، والتوقيع على اتفاقيات الاستدانة وقبول قروض جديدة بيد ثالثة، تحت أنظار الشعب الذي يبارك للحكومة نصف الكوب المملوء، وأنظار رقابة الجهات المانحة التي تحدد قيمة شراء أو بيع أسهم نصف الكوب الفارغ؛ 5/ تخفيف عبثية الإدارة المغربية وتكاسلها، وتطويقها بقوانين الرقابة ورد الاعتبار لفئات من المرتفقين، والعمل بقاعدة الأجر مقابل العمل التي أثارت من جهة حفيظة المنتسبين لأسلاك الوظيفة العمومية، ولقيت في المقابل ترحيبا من أولياء أمور المدرسة العمومية مثلا، والذين كان أبناؤهم يؤدون باستمرار فواتير الإضرابات المتتالية لرجال التعليم. ولعل إصدار منشور الغياب غير المشروع، وتبسيط المساطر الإدارية، ومنع التوظيف المباشر، وتكريس مبادئ تكافؤ الفرص في الولوج إلى الوظيفة العمومية، وحق الإضراب الذي يقابله حق رئيس الإدارة في اتخاذ إجراءات استمرار نشاط المرفق العام، وتحسين مناخ الأعمال، وتعبئة كل الوسائل الممكنة لاستفادة المواطنين، على قدم المساواة، بفرص التشغيل والخدمات الأخرى، جعل ضغط المطالب الشعبية في قضايا الحد من البيروقراطية والفساد والاستبداد واستغلال النفوذ يخفّ إلى درجة عدم الردّ الشعبي على رجات المقاصة والتدابير المصاحبة لها؛ 6/ استمرار حكومة ابن كيران في دعم برامج المساعدة الطبية (راميد)، والتكافل العائلي للمطلقات، ودعم قضايا التعليم والتمدرس، والشروع في الدعم المباشر للأرامل الحاضنات للأطفال، والدعم غير المباشر للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، والمرضى، وتوسيع قاعدة وقيمة المنح الجامعية لأبناء المعوزين، وتعويض فاقدي الشغل لمدد محدودة إلخ، جعل الفئات المستفيدة من هذه البرامج، رغم محدوديتها المادية، تنظر بعين الرضى لحكومة ابن كيران رغم زوبعة صندوق المقاصة والتقاعد، ولا تطلب سوى الاستزادة من هذا الدعم وهذه البرامج؛ 7/ اطمئنان البنك الدولي وصندوق النقد الدولي إلى التجربة الحكومية المغربية بقيادة ابن كيران في إدارة الشأن الاقتصادي والاجتماعي للبلاد، وتحسين أداء الاقتصاد المغربي ومناخ الأعمال، وفتح أوراش منظومة العدالة والمقاصة والمديونية، بل وتجديد الثقة فيها عبر الموافقة على منح قروض مساندة لبرنامج الإصلاح، ومواكبتها في أفق تحسين مؤشرات النمو، وتخفيف حدة البطالة، وتوفير فرص خلق الثروة والشغل؛ 8/ تسويق خطاب الأزمة بلغة شعبية مفهومة ومقبولة، كأننا به يقف أمام الشعب، ويخرج حشوة جيوبه الخاوية، ولسان حاله يقول إن الصناديق فارغة، وإن الأموال مهرّبة، وإن الكارثة على وشك الحدوث، وإن شد الحزام أولى لنا اليوم من إعلان حالة الإفلاس. وهذا ما يفسر في الغالب ارتداد الفئات الشعبية عن كل ردّة فعل غير محسوبة العواقب، في انتظار بدائل ابن كيران الذي تجرّأ على "حرمة" المقاصة وأسعار السلع وفواتير الكهرباء وغيرها، عسى أن يأتي الخير الموعود على يديه، ويتم إخراج الاقتصاد المنهك من عنق الزجاجة ولو بعد حين؛ 9/ احترام تركيبة المجتمع المغربي التي تميل غالبيتها إلى المحافظة والتدين والوقوف موقف المتردد في ارتداء لباس القيم الغربية المستوردة. وكل من يتحدث عن محاربة الظلم والفساد والانحلال الخلقي، وعدم التمييز بين العرب والبربر، والحث على نشر وتعميم القيم الإسلامية كثقافة دينية وسلوك سني مالكي، يجد شعبيته الوجدانية لدى هذا الشعب الذي قد يتقاسم معه كسرة خبز متبقية، فقط لأنه يمس عاطفته من الداخل، ولا يشوش على ثوابته الدينية والتاريخية؛ 10/ النقل التلفزي العمومي لجلسات البرلمان الشهرية، والجلسات الموازية، واللقاءات الإعلامية التي يدخل عبرها ابن كيران ومن معه ومن ضده إلى كل بيوت المواطنين، وهو يترحّم، في قرارة نفسه، على ذلك الشخص أو تلك الهيئة التي أقرّت نظام البث التلفزي المباشر لمدة تتراوح بين ثلاث وأربع ساعات للحصة البرلمانية الواحدة، حتى أصبح الحديث اليوم عن منافستها زمنيا للخطابات الملكية المذاعة. وقد استعاض ابن كيران بسلاح التلفزة الرهيب لبعث رسائل الترغيب والترهيب، والوعد والوعيد، والإخبار والإنذار، دون أن يكلّف نفسه، كل مرة، عناء السفر والتنقل بين المدن والقرى والمداشر والقبائل؛ 11/ الإصلاح في ظل الاستقرار.. هذا هو مفتاح ابن كيران في كل المنتديات التي قادها أو شارك فيها وهو يتحدث عن تجربة الربيع العربي في نسختها المغربية، بل إن المنتظم الدولي والإقليمي، بمختلف مشاربه وتوجهاته، وهو يرى ما وقع ويقع في سوريا واليمن وليبيا ومصر وحتى في تونس في مرحلة من المراحل، يكاد يجمع أن التجربة المغربية في التغيير والإصلاح الديمقراطي كانت تجربة موفّقة، ومشهودا لها بالنموذجية والاستثناء، وخاصة مع دستور وانتخابات 2011، وقيادة حزب إسلامي معتدل للشأن العام. كما أن فئات من الشعب المغربي تكاد تنحبس أنفاسها وهي تتابع يوميا على القنوات الفضائية الإخبارية المباشرة ما يقع من مجازر وموت مجاني وتخريب في ليبيا وسوريا واليمن، وترى بالمقابل أن ما وقع في بلادها من إصلاحات في ظل الاستقرار كانت اختيارات حكيمة، وأنها لن تمنح صوتها إلا لمن يعمل في إطار هذا الاختيار حتى ولو اقتضى ذلك ابتلاع القرارات الاقتصادية والاجتماعية الصعبة من أجل إطالة أمد الاستقرار؛ 12/ المرجعية الإسلامية السنية التي هي دين المغاربة تتوافق مع مرجعية حزب ابن كيران الحاكم. فرغم التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي عرفتها البلاد منذ الاستقلال، ورغم انتشار مفاهيم الديمقراطية والحداثة وحتى العلمانية، ورغم تأثيرات العولمة وثقافة حقوق الإنسان ومنها حقوق المرأة، إلا أن المجتمع المغربي، في قواعده الخلفية، ظل محافظا على رواسب ثقافته السابقة، ومتناغما مع كل من يذكّره بشرعيتها وأحقيتها في الوجود؛ 13/ التشبّث بالتواصل الشخصي المنتظم بقواعد الحزب وهيئاته في كل جهات المملكة، وكيفما كان حجم اللقاء وطبيعة الحضور، وذلك بخلاف الوزراء الأوائل السابقين الذين ما إن يتسلموا مفاتيح السلطة التنفيذية حتى يبحثوا عمن يخلفهم أو ينوب عنهم في الملتقيات الحزبية القاعدية كي يتفرغوا لأضواء ومغريات السلطة العليا. وهذا السلوك السياسي، الذي يعض عليه ابن كيران بالنواجد، يفتح آفاقا واسعة وواجهات أخرى لتوسيع أصوات المناصرين، وتمرير الخطابات والرسائل التي تحتاج إلى الدعم الشعبي، والظهور بمظهر الزعيم السياسي البسيط الذي لم تنل منه السلطة بإبعاده عن بأتباعه وأنصاره؛ 14/ ضعف خطاب ومرافعات المعارضة السياسية والنقابية، والشيخوخة البدنية والعقلية والفكرية لقادتها ونخبها، وعدم ثقة فئات عريضة من الشعب في نواياها وحساباتها، خاصة وأن منها من فقد مصداقيته بالتدبير السيء للشأن العام في فترة حكمه، ومنها أحزاب ونقابات محسوبة على الإدارة لا يرجى منها خير في زعامة الاختيارات الشعبية الممكنة، ومنها كتل سياسية جديدة لا تتقن لعبة المعارضة إلا عن طريق التدبير المفوض خارج المؤسسات الدستورية، ومنها أحزاب، تسمي نفسها وطنية وتاريخية، لم يتبق منها إلا الأسماء المتآكلة والزعامات المترهّلة. وبالمقابل ظهور أغلبية سياسية وبرلمانية شبه منسجمة، وحكومة قوية وجريئة بهيمنة رئيسها، وتابعية أعضائها، والتي وضعت يدها أكثر من مرة على ألغام قضايا لم تنفجر لحسن الحظ في وجهها، لأن رئيسها الحكومي، في غفلة منها، أبطل مفعولها وهو يراقص فرق أحواش وكناوة، ويحتسي الشاي مع الباطرونا، كأنه أحد أبطال سلسة جيمس بوند الشهيرة؛ 15/ كشف زيف ونفاق بعض الأحزاب والنقابات والجمعيات التي تلوّح وتهدّد وتولول بالنهار وتنام مطمئنة آمنة على فراش ابن كيران بالليل، أو بمعنى آخر تقلب عليه طاولة الاجتماعات أمام عدسات الكاميرات في الصباح ، وتمدّ بعد زوال نفس اليوم العين واليد على مشروبات وحلويات استراحة الشاي، وبشراهة مجاعة ثلاثين سنة من الحرمان والخصاص والعوز؛ 16/ اعتماد خطاب شعبي يكسّر كل حواجز اللغة وأشكال التواصل الرسمية، والانتقال من الصورة النمطية وشبه المخزنية، المتزنة، المحافظة، الكتومة والبعيدة عن الأضواء، كنماذج اليوسفي وجطو والفاسي، إلى صورة ابن كيران الشعبية التي تلتقطها كل عدسات الكاميرات، بما فيها الهواتف المحمولة، والتي تختلط بعموم المواطنين، وتقتسم معهم أفراحهم وأحزانهم ووعيهم وسذاجتهم، وتوزّع عليهم النكت الشعبية بسخاء حتى التي تتضمن إيحاءات عنصرية أو جنسية. وهذا أقصى ما يطمح إليه المواطن المغربي البسيط الذي لا يطلب إلا من يستمع إليه، ويشاركه همومه وأحلامه، ويتواصل معه بلغته، حتى وإن لم يكن في مقدوره إعطاؤه شيئا ذي قيمة ملموسة سوى نكتة تعيد البسمة إلى وجهه؛ 17/ الجرأة والقدرة على اتخاذ مواقف التنازل أو التفاوض لما فيه المصلحة الأكبر من المصلحة القائمة أو المطلوبة، مع إمكانية الإذعان لنبض الشارع أو للجهات الإعلامية والسياسية التي تؤلّبه، والقبول ببعض التغييرات والتعديلات الاستباقية أو الاستدراكية التي تؤسس لثقافة الديمقراطية والحوار في التفكير والسلوك والتدبير. ولعل في مثال دفاتر التحملات الخاصة بالقطب الإعلامي العمومي، والزيادة المشاع ضخّها في رواتب رجال السلطة، وقضايا تنظيم الجمعيات والمجتمع المدني خير مثال لقبول لعبة الحوار المفضي إلى التقاسم الافتراضي للسلطة، حسب توجيه الدستور، والميثاق الأخلاقي الوطني، والمواثيق الدولية التي تعزف على وتر الديمقراطية التشاركية بامتياز؛ 18/ القدرة البدنية والنفسية والعقلية على إدارة الشأن العام بدون كلل ولا ملل ولا غياب اختياري أو اضطراري، وتعزيز أشكال هذه القدرة بصور وسلوكيات الشدة أو اللين حسب الظروف القائمة أو الطارئة، مع نشر روح الدعابة والغمز والهمز واللمز، والاستعانة بلغة الفصحى والعامية والفرنسية ولغة الهرطقة، واللجوء إلى حركات وتعبيرات الجسد، والتشنج والغضب وتوزيع الضحكات المجانية المجلجلة، والقدرة الغريبة على الاستفزاز والتسامح في نفس الآن، حتى إن ابن كيران، ذا الشخصية المزدوجة والمرجعية الدينية المعتدلة، لم يفوّت على نفسه فرصة تقبيل زوجة السفير الأمريكي، وإظهار إعجابه بإحدى المذيعات على مرأى ومسمع من زوجته، ورمي صقور المعارضة البرلمانية بسهام السفاهة، وإخراج بابا الفاتيكان من وقاره بهمسات كلمات أطلقت العنان لضحكة عريضة غير مبرمجة في بروتوكول الاستقبال الرسمي؛ 19/ امتداد وتجذر الحزب الحاكم في ثنايا وتفاصيل المجتمع المغربي الأدنى والأقصى، بمرجعية قريبة من وجدان وعاطفة وخصوصية المواطن، والسهر على حسن التنظيم والتأطير والقرب والاستمالة والمشاركة في الأفراح والأحزان، وكذا مع القابلية المبدئية على مراجعة الاختيارات والمواقف، وإعادة ترتيب الأولويات والحسابات، وتكييف الخطابات السياسية السابقة والآنية، مهما كانت درجات تناقضها وتعارضها مع مقتضيات المرحلة، والتحالف حتى مع "الشيطان" إن كان هذا الأخير، بقوته وعربدته وشروره، قد يشقّ عن غير قصد الطريق السيار نحو الجنة. والكل يتذكر قصة مصر الثورة والسيسي الانقلابي ومرسي المنتخب وبعض دول الخليج ومحيط ملك البلاد التي انتهت بالمراجعة الحسابية، وإصدار صك عفا الله عما سلف؛ 20/ الهبات والألطاف الإلهية التي جعلت هذه الولاية الحكومية تعرف سنوات من أمطار الخير والمواسم الفلاحية الجيدة، متبوعة بأخبار انخفاض أسعار البترول في الأسواق العالمية، حتى إن ابن كيران، وهو يتلقى بشائر طلعة المواسم الفلاحية، والأسعار المنخفضة للبترول، وتجديد ثقة الملك والمؤسسات النقدية الدولية، ومرجوعات صندوق المقاصة والأموال المهربة، سمّى حكومته بحكومة "البركة". الأسباب السلبية 21/ تذويب رموز وقادة أحزاب الأغلبية، غير الحزب الحاكم، في ماكينة الشيخ والمريدين والأتباع، وانصهار الأحزاب الليبرالية والتقليدية واليمينية واليسارية مع مرجعية واختيارات أول رئيس حكومة لدستور الربيع العربي، وعدم استطاعة 19 حقيبة وزارية سياسية مجتمعة قبل مغادرة صاحب "الكراطة" وفاتورة الشوكولاتة على إعادة التوازن واسترجاع أصوات الشعب من 12 حقيبة وزارية محسوبة على رئاسة الحزب الحاكم قبل رحيل الوزير المهندس وإعفاء "الكوبل" الحكومي حتى وإن انضافت إليها دعامة 8 حقائب لغير المنتمين لبركة السياسة؛ 22/ إبرام عقدة السلم الاقتصادي مع قادة الباطرونا المغربية بعد أن كان الحديث "الطفولي" الأول، وغير المحسوب، يلمّح إلى تهديدات الضريبة على الثروة، وعدم تمثيلية الباطرونا الوحيدة لكل رجال الأعمال المغاربة والمقاولات والشركات، والانفتاح الكبير، إلى حدود مصاهرة عائلة السياسة بأسرة الاقتصاد، على كل من يروي عطش الأمة بالماء المعدني الطبيعي، ويساهم بحصة 95 % من الكتلة الضريبية، ويوفر حوالي ثلاثة ملايين منصب شغل؛ وهي عملية حسابية دقيقة ومفيدة لمن يهمّه الأمر، قد تساهم بنسبة كبيرة في تغطية حاجيات كتلة الأجور بالوظيفة العمومية، وتضمن شروط كرامة وعيش ثلاثة ملايين أسرة تعيل في المتوسط تسعة ملايين فرد، دون احتساب الرواج الاقتصادي الداخلي الذي سيستفيد منه المواطنون الآخرون، والمساهمة في تثبيت ركائز السلم الاجتماعي، وعدم الدفع بالحراك الشعبي إلى الشارع الذي يتأذّى منه السياسي قبل الاقتصادي؛ 23/ إعلان أجندة الاستحقاقات الانتخابية التي ستشمل ممثلي المأجورين والمجالس الجماعية والجهوية والغرف المهنية ومجالس العمالات والأقاليم ومجلس المستشارين في الفترة ما بين يونيو وشتنبر من السنة الجارية، ومعها ترسانة نصوص القوانين التنظيمية والتأطيرية، حوّل التفكير في جودة هذه الاستحقاقات إلى مسألة شعبية متجاوزة، والكتلة التي أقبلت بحماس على التقييد في اللوائح الانتخابية لم يعد شأنها إلا انتظار مواعيد التصويت بعد أن أوفت الحكومة بالتزاماتها السياسية، وحّددت، بموافقة الأغلبية والمعارضة، التواريخ النهائية لهذه الاستحقاقات؛ 24/ الخطاب التحرري للحركة النسائية الذي يقابله جيل من الممانعة يتشكّل أساسا من نساء الجيل الأول والثاني، ومن رجال كبار ختم الله على قلوبهم، ورجال صغار لم يستطع تعليمهم وتكوينهم العصري، وتقلّبهم الاختياري أو الاضطراري في فراش المواثيق والعهود والقيم الدولية، أن ينال من محافظتهم ورغبتهم الدفينة في الارتباط بمن تتقن لعبة الفراش والمطبخ وتربية الأولاد أولا. والحزب الحاكم، بالدعوة الجهرية إلى التعدد عبر نموذج "الكوبل" الحكومي، وطلب الإمساك أولا بنصف المناصفة، وعدم منافسة الرجال في أعالي الجبال المتشعبة، يلقى سماعا واستجابة لدى فئات شعبية همّها الأول في معركة الخبز والتكاثر قبل كل شيء؛ 25/ الرجة والصدمة التي أحدثتها دعوات الحرية الجنسية والإجهاض وإلغاء الإعدام والعلمانية ودخول الشيعة والمساواة في الإرث وحقوق المثليين والدعارة المهنية والإفطار في رمضان داخل مجتمع غير منفتح بما يكفي لقبول هكذا تغيير، جعل الأصوات المحافظة، وهي أكثرية، تتعالى بالنجدة قبل الغضبة الإلهية أو نهاية العالم؛ 26/ تجديد الثقة في حكومة ابن كيران من طرف المؤسسات النقدية الدولية، وتأكيد ابن كيران على ضرورة الاقتراض أمام عجز الميزانية، استدعى غض النظر الشعبي عن هذا الإجراء الحكومي الاضطراري لتغطية خصاص السيولة المسجل، وتفادي السكتة القلبية التي كثر الحديث عنها في الآونة الأخيرة؛ 27/ تعزيز العلاقة بين الدولة والمجتمع المدني كما اقتضاها الدستور، وإطلاق حوار وطني مع الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني، إلى جانب بداية إعداد وتنزيل مشاريع تقديم العرائض والملتمسات التشريعية، جعل مكونات هذا المجتمع في حالة إظهار حسن النية والتضامن وانتظار البشائر؛ 28/ تثبيت حقوق الملكية والماركة المسجلة لشخصية ابن كيران النموذجية، التي رفعت من مبيعات الصحافة المكتوبة، ومقروئية المواقع الإلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي، ونسبة مشاهدة القنوات المحلية التي كانت شبه مهجورة؛ 29/ الاستمرار الإعلامي والأخلاقي قبل الميداني في محاربة آفة الحشيش، وترك أحزاب المعارضة تبادر إلى فتح نقاش سياسي حول تقنين نبتة الكيف أو توظيفها لأغراض طبية وصناعية، في انتظار ما ستؤول إليه ردة فعل الشعب الريفي، العصي على الاستسلام، في تغيير نمط الحياة، والاكتفاء بزراعة البطاطا والجزر والطماطم التي قد لا تغطي كلفة الإنتاج إذا سمحت التربة المخدّرة بذلك؛ 30/ الدعوة الاعتيادية إلى تجفيف منابع الفساد واقتصاد الريع عبر العزف الموسمي على أوتار محاربة الامتيازات غير المستحقة لرخص الصيد في أعالي البحار ومقالع الرمال وبيع الخمور، ومحاربة ظواهر الرشوة والبطالة والآفات الأخرى التي تلقى في وجدان الشعب المقهور قبولا وتضامنا ولو لم تتعدى ذلك، في تفكير الحكومة، درجة القلب كما في حديث تغيير المنكر؛ 31/ الانفلات الأخلاقي الذي ساهم فيه موروث الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية الصعبة، والانفتاح على الوجه القبيح للعولمة، والحاجة الأكيدة إلى الحماية والوقاية والزجر والردع، خاصة مع انتشار ظواهر الانفلات الجنسي، وتجارة المخدرات، وعصابات السطو والانحراف والتعنيف والإجرام والانحلال، والدعوات الإباحية بدعوى حقوق الإنسان، والاعتداء على براءة الأطفال، والعنف ضد الأصول إلخ؛ 32/ ثنائية حكومية تقابل وتقارن بين صورة وسيرة أعضاء الفريق الوزاري للحزب الحاكم ومثيلها لدى أعضاء أحزاب الأغلبية المساندة، كأننا أمام مشاهد سينمائية موضوعة للمقارنة بين قساوة العنف الأمريكي وطراوة الرومانسية أو الدراما الفرنسية، حيث أن مشهد "الكراطة" المشهورة التي أساءت بشدة لصورة المغرب الرياضي، ومشهد فاتورة الشوكولاتة الملغومة التي باركت للسيد الوزير وحرمه، من المال العام، حدث مولوده الجديد أمام أنظار الشعب الذي يطالبه رئيس حكومته بشد الحزام. يقابل ذلك مشاهد "الكوبل" الحكومي الذي أراد الخروج من حنظل الحكومة إلى عسل الحلال على سنة الله ورسوله بعد شهور من حصار العشق الممنوع، وحكاية منتجع سرير ومرحاض السيد الوزير الذي يعمل بوزارته بدون انقطاع ما بين الصباح الباكر والمساء المتأخر، والموت المفاجئ والمجاني لأحد مهندسي ومالكي شفرة العلبة السوداء للحزب الحاكم، والتنازل الطوعي على حقيبة أبي الوزارات من أجل وحدة الحزب ومصلحة البلد وأشياء أخرى، وكأن لسان حال ابن كيران يقول للشعب بابتسامته المستفزّة ونظرة الواثق المتيقن من النصر : انظروا وقارنوا واختاروا بين الغرام و الانتقام؛ 33/ الإصرار المقصود على صنع الخرجات الإعلامية والمواقف المفاجئة والقفشات المباغتة التي تتّحد مع الخطابات الرسمية والبرامج الحكومية في تمرير الرسائل، وإيصال مضامينها إلى أكبر عدد ممكن ممن يهمهم الأمر. فابن كيران الذي يدعو الباحثين على الثروة من أعضاء حكومته إلى العطالة أي "التشومير" بلغته ، ويخاطبهم بلغة دينية فصيحة ومتوعدة "أدّوا ضرائبكم يرحمكم الله"، ويوجه كلامه إلى امرأة معارضة في البرلمان "ديالي اللي كبر من ديالك"، ويعتبر الثقافة، في افتتاح أحد معارض النشر، بمثابة مصباح إشارة إلى رمز حزبه ، ويقف أمام جناح الجزائر وهو يقول : "خليوني ندخل عليهم" إلخ، يستخرج كل ما في صدره وداخل فمه من الذي يقال ولا يقال، كي يبلّغ رسالته، ويؤدّي أمانته، ويرجع إلى حال سبيله محمولا بالمغانم السياسية؛ 34/ اعتبار المواجهة بين الحكومة والمعارضة ليست مواجهة تقليدية بل صراع بين جهة تريد الإصلاح، كما يقول ابن كيران، وتصرّ عليه، وأخرى تناصر الفساد وتدعمه. ولذلك فهو لا يتخوّف من معاقبة الشعب الذي ما زال، كما يزيد، يتفهم القرارات الصعبة التي اتخذها لمصلحته، وما زال ينوي الدخول في مغامرات إصلاح أنظمة التقاعد ومنظومتي العدالة والمقاصة، وعدم الزيادة في الأجور، والاقتطاع من رواتب المضربين، واعتماد سياسة التقشف، والمحافظة على التوازنات الماكرو اقتصادية ومناخ الأعمال، وكذا التوازنات الاجتماعية الممكنة. وهذه هي قمة الشعبية في المفهوم السياسي لابن كيران الذي جمع لأول مرة في تاريخ إدارة الشأن العام بين تحالف الضحية مع الجلاد، على أساس مفهوم معرفي جديد هو أن الطرفين معا، الحاكم والمحكوم، ضحيتا اختلال الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية السابقة؛ 35/ إعلان أول إضراب عام وأول مقاطعة لاحتفالات عيد الشغيلة في عهد حكومة ابن كيران، وهذا الأخير، الذي لم يكن – كأسلافه - يسابق الزمن في الكواليس والممرات وعبر خطوط الهاتف، لثني قادة النقابات المعنية على إضراباتها ومقاطعاتها، تراه على ثبات يتفرج من شرفته على عموم الشعب وهم يقضون حاجاتهم في الجولان والتبضّع وتبادل السلام والكلام والزيارات، كأن زلزالا في البلاد لم يقع، بل ويتقدم قافلة نقابته غير المضربة، ويشير بنوع من التهكم أن الذين قاطعوا الاحتفالات أراحوا واستراحوا؛ 36/ استقواء المعارضة بقضايا الطبقة المتوسطة المتبقية، والضغط عليها بهواجس ومخاوف المستقبل بعد إبرام الحكومة عقد السلم الاقتصادي مع الباطرونا الوطنية، والشروع في صرف مستحقات وحقوق الدعم المباشر وغير المباشر للفئات الفقيرة، وعدم الانتباه إلى أن جزءا من هذه الطبقة يعمل لدى هذه الحكومة، وجزءا آخر يخضع لنظام القطاع الخاص، وكلاهما، بدرجة أكبر أو أصغر، مكبّل بسلاسل وديون السكن الرئيسي أو السيارة الأسرية أو التجهيزات المنزلية أو القروض الاستهلاكية المختلفة أو مصاريف التمدرس والمناسبات الدينية والعائلية الأخرى، وكل حركة غير محسوبة قد تكلّف أفراد هذه الطبقة الانهيار التام أو الجزئي؛ 37/ قيادة بعض الجهات الإعلامية لحملات تبخيس المنجزات والإصلاحات التي تقوم به الحكومة في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والحقوقية تتحوّل أحيانا إلى دعاية مجانية وغير مدفوعة التكاليف لأنشطة وأعمال الحكومة القائمة؛ 38/ إطلاق أوراش إصلاح منظومة العدالة أمام الشعب والرأي العام لتوطيد ركائز الشفافية والمصداقية والديمقراطية واستقلال السلطة القضائية، وتخليق منظومة العدالة، وتحديث الإدارة القضائية وتعزيز حكامتها. وحتى إذا أثارت مسودة مشروع تعديل القانون الجنائي كإحدى آليات الإصلاح الشامل المنتظر ، التي تم تعميمها مؤخرا، الكثير من التحفظات والانتقادات، إلا أن إرادة إصلاح العدالة بشكل عام يجعل الشعب في حالة رضى مبدئي، وانتظار ما ستؤول إليه النوايا والأوراش وصحة كلام هذا الطرف أو ذاك؛ 39/ خروج المنظمات والحركات النسائية في مظاهرات تندّد برجعية الحزب الحاكم، وسلوك رئيس الحكومة تجاه قضايا المرأة، وشمولية خطاب ابن كيران في الحديث عن الأسرة بدل المرأة فقط، وإعداد ذراعه الحكومي الاجتماعي لخطط المواجهة ومقارعة الحجة بالحجة، جعل الشعب البسيط يستكين إلى ما ستؤول إليه نتيجة المبارزة، ولو أن اللباس غير المحتشم الذي ترتديه بعض نساء فصائل هذه المنظمات والحركات قد جعل أبناءه في وضعية صعبة وحرجة؛ 40/ الدخول إلى جولات الحوار الاجتماعي من موقع قوة أملتها ظرفية وجود نقابة حليفة قادرة على تغيير موازين القوى، إلى جانب استباق تحريك مبادرات مشاريع إعداد استراتيجية وطنية للتشغيل، وقانون تنظيمي للإضراب، وقانون للنقابات المهنية، وإصلاح أنظمة التقاعد، والرفع من الحد الأدنى للمعاش بالقطاع الخاص إلخ، وهذا ما يسحب البساط من تحت أقدام النقابات الأكثر تمثيلية والتي أصبحت، بهذه المناورات السياسية، الأوسط تمثيلية ومنها الأقل تمثيلية. الأسباب المركّبة 41/ إبرام اتفاق هدنة أو صلح مع مستشاري الملك، ورفع حالة الاتهام والتشنج والتوتر التي كانت معهودة في خطابات ابن كيران أيام المعارضة، وإظهار كثير من الليونة والتودّد، وإسقاط زيف تنازع الاختصاصات بين الملك ورئيس الحكومة؛ 42/ التوقيع على عقدة السلم "الترابي" مع مصالح وزارة الداخلية وولاتها وعمّالها، والمصادقة الطوعية والتلقائية على اقتراحات تعيينات وزير الداخلية، وموت عهد الخصومة السياسية التي كانت قائمة بين الطرفين قبل وبعد أحداث 16 ماي الإرهابية؛ 43/ تحويل حضور وخطابات وحركات وقفشات وتلويحات وزلات ابن كيران إلى مادة رئيسية دسمة بشبكات التواصل الاجتماعي، وخاصة عبر اليوتوب والفايسبوك، وإعلان نفسه صاحب بطولة مطلقة في مشاهد هذه الأدوار والتغريدات، حتى ولو كانت مشبعة بالنقائص والفضائح أو الإسقاطات؛ 44/ إطلالة ابن كيران بشخصية دينية محافظة وقوية، وحضور قيادي تدور حوله الأعناق والعيون، يذكّر طفولتنا بجيل "الطلبة" والفقهاء والمحدثين والمسمّعين الذين لا تخلو منهم ولائم العقيقة والختان والجنازات والأفراح. ذو ذكاء لحظي، وحضور للبديهة، وسرعة في الإجابة. مشاكس، مشاغب، سريع الغضب والتشنج، وفي نفس الوقت ودود وصاحب نكتة وموقف جاد أو هزلي؛ 45/ دعوة الجميع إلى الاحتكام إلى القضاء ولو كان المعنيون في نزاع مع شخصه أو إدارته الحكومية، كما هو الحال مع أصحاب محضر 20 يوليوز الخاص بتوظيف حاملي الشواهد العليا؛ 46/ الظهور الاحتفالي البسيط في المناسبات العائلية والشعبية، والرقص التلقائي مع الفرق الفلكلورية الوطنية والمحلية، وحضور الأعراس والجنازات كرئيس حكومة، أو أمين عام حزب، أو مواطن مغربي يمارس كينونته الاجتماعية؛ 47/ تحريك غير مباشر لآليات المجلس الأعلى للحسابات بشكل تصاعدي كبير وملفت، من أجل تكثيف المهام الرقابية على أعمال المجالس المنتخبة، وكذا على المقاولات والمؤسسات العمومية والمصالح التابعة للقطاعات الوزارية، وتتبع قضايا التصريح بالممتلكات التي طالت لأول مرة رئيس وأعضاء الحكومة في بداية الولاية الحالية؛ 48/ الانتشار الأفقي والعمودي في دواليب الدولة والإدارة، والاستعانة بمأذونية قانون التعيين في المناصب العليا ومرسوم تعيين رؤساء الأقسام والمصالح لخلافة أطر الأحزاب الأخرى التي كانت "تستعمر" الإدارة المغربية، وتكوين جيش من الأتباع، من أطر عليا ومتوسطة وصغيرة، قادر على التأثير والحسم في مراحل انتهاء الولاية الحكومية وزوال السلطة؛ 49/ الاستعانة بفريق حكومي وفريق حزبي وفريق برلماني وفريق شعبي من الصقور المدافعين بشراسة على مصداقية ابن كيران، وفسح المجال له لاستعراض عضلاته الإدارية والسياسية بمزيد من الثقة والأمان؛ 50/ استنفاد تجريب النخب السياسية التي كانت أو مازالت تؤثث المشهد السياسي المغربي منذ ما يقرب من ستين سنة، والوصول إلى خلاصة سياسية مفادها أن بديل النخبة السياسية المحسوبة على المرجعية الإسلامية المعتدلة، التي تدير اليوم الشأن العام، ما زال لم يتكوّن بعد، وأن أحزاب الليبرالية واليمين واليسار وحتى التكنوقراط والذين يسمون أنفسهم أحزابا وطنية وتاريخية، فقد تعاقبوا على إدارة الشأن العام، ومازالت مراحل حكمهم وتدبيرهم تتعرض للانتقاد، والدعوة إلى عدم التكرار قبل تجديد النخب والأفكار. تلك هي الأسباب الخمسون التي ساهمت بشكل مباشر أو غير مباشر في صناعة شعبية رئيس الحكومة الحالي السيد عبد الإله ابن كيران، والتي جعلته أكثر اطمئنانا على هذه التجربة السياسية الواعدة، وطمعا في تجربة ثانية وثالثة إن أمدّ الله في عمره، غير أن الاستحقاقات الانتخابية المقبلة التي ستجري ما بين يونيو وشتنبر من السنة الجارية، والانتخابات التشريعية التي ستليها في السنة ما بعد القادمة، ستكون هي المحكّ الحقيقي والاختبار النهائي لهذه الشعبية الاستثنائية في المفهوم والممارسة، ولو أن عملية الانتخابات في هذا البلد السعيد لا يمكنها أن تكون مقياسا حاسما، وترجمة دقيقة للحكم المطلوب، لاعتبارات متعلقة بطبيعة تركيبة الكتلة الناخبة، ونمط الاقتراع، ونسبة المصوتين، وانتشار الأمية، وغياب الوعي السياسي لدى كثير من المعنيين.