لا حديث عن فضاء خارج حدود التنمية و المشاركة المجتمعية، و إذا كان الفضاء يأخذ قيمته من البعد المجتمعي، فإن واقعنا المغربي يزخر بفضاءات تحتاج إلى ثقافة ، فأليس من حقنا الحديث عن فضاءاتنا المغربية الخاصة ؟ و هل مغرب الثقافات يؤثث بفضاءات غير مغربية ؟ لماذا يبقى " فضاء العولمة الثقافية " بجانبها المائع محددا لذوقنا ؟ أليست لنا هويتنا الثقافية و ذوقنا الراقي ؟ ألا نستطيع أن نساهم في خلق ثقافة " الفضاءات الحضرية" أيضا، كما تحدث ابن سينا عن "علم الشعر المطلق" و"علم الشعر حسب عادة هذا الزمن" ؟ أليس من حقنا أن نبدع " زمكانية الفضاء" ؟ إن " ثقافة الفضاء" نظرية اجتماعية تقوم على نسيج قيمي في إطار مجتمع مدني . إن الفضاء يشمل الرؤية و السمع و الشعور حيث تتفاعل العناصر و العوامل الموجودة فيه، و يصبح " مستوى من الإدراك " يمكن من إدراك العلاقة بالفضاءات الأخرى، فينفتح الفضاء الداخلي على الخارجي معنويا وماديا. إن " ثقافة الفضاء" مجال " للاستنبات الثقافي " بالمدلول الزراعي للثقافة، فالزرع و الزريعة في المتخيل المغربي يحيل إلى الأبناء و الأجيال المستقبلية، و هو مرتبط بالتنمية البشرية، فلا قيمة للزراعة إذا لم نجد من يزرع، فالزراعة أكبر فضاء مغربي مغبونين فيه ، ففضاءات الأرض التي نملك بكل أنواعها، نحسد عليها و لا نعرف قيمتها، ففي فضاء الأراضي المغربية متسع للجميع، فهناك الهكتارات بالآلاف التي لم تجد السواعد لاستثمارها و لا لحفر آبارها، المغاربة لا يعرفون قيمة "الفضاء الأخضر"، فتبنى أحياء كاملة بدون أشجار، و لا يجدون متنفسا للخروج مع الأطفال. و إذا أردت معرفة " ثقافة الفضاء" فاسأل الياباني، ينقلك من البر إلى البحر إلى السماء، فكل شبر يستغل حتى و لو كان في قمة الجبل، مرأب عمودي، و شقة في عمق البحر، و فندق فيه فقط أسرة للنوم، و أرخبيلات صغيرة الحجم مهددة بالزلازل، و منجزات دقيقة توافق حجم الأعين، و يبقى الفضاء الياباني منفتحا و مؤثرا في الفضاءات العالمية. إن ثقافة الفضاء تعلم" التبييئ الثقافي"، فأنت صانع الفضاء بنقلك للفضاءات الأخرى باحترام خصوصياتك، فثقافة الفضاء ليست حكرا على أحد، إنها ملك للحضارة، و عبر التاريخ تفاعلت الشعوب و جمعت بين أرقى الفضاءات وفق بنية مقاسية تحترم الهوية. هذا " التبييئ" يرتبط ب" التأثيث الثقافي"، فأنت صاحب الديكور لفضائك حسب ذوقك و جماليتك، فلا فضاء بدون ذوق، و لا ذوق بون شخصيتك، و ليس من حق أحد أن يفرض ذوقا على آخر، و اتركوا الذوق المغربي يختار . لكن الواضح أن لنا القدرة على التفاعل مع " فضاءات النغم " التي تتزايد و تعرف نجاحا في فترات عصيبة من استعداد أبنائنا للامتحانات، و تكون فرصة للسلوكيات التي تقوم الدولة بحملات لمواجهاتها، تواجهها من الباب و تتركها تعود من النوافذ، و لا نفصل في ذلك، فضميرنا المرتاح هناك و ليس الشيطان فهو مشغول عنا، و لا داعي لتحريك المواجيع. ثم" فضاءات الاستهلاك" التي تكون ثقافة الهم الخبزي، فيها الاشتهاء لا الانتشاء، ثقافة التقليد و التبعية لا ثقافة التفكير و العقلنة. لقد أخفقنا في تشكيل فضائنا الخاص أحرى العام، نفتقد إلى "ثقافة الفضاء" كرؤيا و فكرة للشراكة و التفاعل و التعارف ، و نتحمل المسؤولية في عدم " تفضية " الرؤى الفكرية و الثقافية ونسج العلاقات الحضارية و الإنسانية.