مبنى المحكمة في أزرو الواقعة في قلب جبال الأطلس المغربية هي ملجأ السكان لتقديم الشكايات إلى القاضي، من قبيل ما يتعلق بالحياة الأسرية، كالطلاق والميراث وقضايا حضانة الأطفال. خارج قاعات هذه المحكمة الكبيرة، ينتظر رجال ونساء كثر بصبر كبير ولوقت طويل دورهم لرؤية القاضي.لكن بجانب قاعة المحكمة، تبدو امرأة في حالة مختلفة عن الجميع، إذ يبدو عليها اضطراب واضح. تُردد المرأة طيلة الوقت كلام ينم عن حالتها العصبية: "لا أتمتع بأية حقوق، أنا في حاجة إلى قانون يحميني حتى لا تتمكن من ضربي بعد الآن"، تقول المرأة التي أتت اليوم إلى المحكمة للحصول على الطلاق الذي طالبت به قبل عقد من الزمان، لكنها لم تتمكن من الحصول عليه لأنها كانت في حاجة إلى إذن زوجها، لكن اليوم، في ظل قوانين مدونة الأسرة، أصبح بإمكانها طلب الحصول على الطلاق بنفسها من القاضي دون إذن من الزوج. وفقا لنادية سونيفيلد، باحثة في القانون، ومنكبة على دراسة تجربة المغرب القانونية في الشق المتعلق بالأسرة، تعتبر أن "المغرب لديه واحد من أكثر القوانين التنظيمية لشؤون الأسرة تقدمًا في العالم العربي باستثناء جارته تونس"، تقول نادية التي اعتبرت أن خير دليل على قولها، هي القوانين الجاري العمل بها في مصر على سبيل المثال، والتي تلزم على الزوجة قانونيا بطاعة زوجها. القانون المتحدث عنه يعني "أن الزوجة المصرية يجب أن تطلب الإذن من الزوج إذا كانت تريد الخروج من المنزل، حتى وإن كان ذلك من أجل العمل أو للتبضع، فأي حركة تقوم بها ينبغي أن تكون بإذنه من الناحية القانونية"، تقول نادية. المرأة في كثير من البلدان ذات الأغلبية المسلمة، بما في ذلك المغرب، تسيّر المنزل وتتدخل في الكثير من القرارات المتعلقة بالأسرة، لذلك فمن الطبيعي أنه ينبغي أن تتمتع بالكثير من الحقوق قانونيا داخل أسرتها. وهذا هو هدف العديد من الحركات النسائية، إيجاد وسيلة لتحسين وضعية حقوق المرأة في خضم الشريعة الإسلامية المعتمدة والقائمة. القاضي محمد الفنك، رئيس قسم محكمة الأسرة في طنجة، حيث يعمل عشرة قضاة، ثلاثة منهم ذكور، وسبع إناث. عندما سألناه إذا ما كان هذا الأمر يحدث فرقا، أجاب أن "الأمر بسيط، وأنه ليس هناك أي فرق بين القاضيات والقضاة الذكور على الإطلاق، مبرزا أن الجميع مر بنفس مراحل التعليم وتلقى العلم والدروس نفسها، وهو ما أنتج من منظوره قضاة محايدين". هناك عدد قليل من المصادر التشريعية أمام القاضي في المغرب، التي يمكنه الرجوع إليها قبل اتخاذ قرار حول قضية ما. المصدر الأول يظل المدونة، ثم يأتي بعده المذهب المالكي المتبع في المغرب، الذي يعتمد على القرآن والأحاديث النبوية، وينظر إلى القرآن الكريم على أنه كلمة مباشرة من الله، أي أنها مستقرة غير متغيرة، ولا يمكن تحريفها أو تجزيئها. أما الأحاديث النبوية، فهي تعتبر من ناحية واقعية، كلمات مقتطفة من ما رواه بعض الصحابة، وهو ما يفتح نقاشا عميقا إلى اليوم عند الحديث على اعتمادها في الأحكام القضائية. القاضي الجيد يتثبت ويرجع إلى كل هذه المصادر عند البث في أي قضية كانت، لكنه في بعض الأحيان يضطر إلى الاستعانة بمصدر آخر، وهي سلطته التقديرية. ويتذكر القاضي هنا أنه في أحد القضايا المتعلقة بالطلاق، كان قد منح المرأة جزءًا من ممتلكات الأسرة، إذ يقول "أعطيتها ربع الملكية"، ويشرح ذلك بقوله أنه قد "احتكم إلى الشريعة الإسلامية التي تمنح المرأة ثمن التركة." وفي مثال آخر، روت القانونية، نادية سونيفيلد، قصة فتاة تبلغ من العمر 12 عاما، طلبت من القاضي إذنا للحصول على رخصة زواج. رفض القاضي على أساس سنها، لكن بعد ذلك بعام، جاءت الفتاة والحمل باد عليها، وطلبت مرة أخرى الحصول على إذن بالزواج، مما اضطر القاضي إلى إعادة النظر، لأن الثقافة المغربية تحتم أن يحمل الطفل اسم عائلة الأب. "هذا القاضي كان قد تساءل أمامي غير ما مرة بخصوص هذه الفتاة قائلا: ماذا علي أن أفعل؟ إذ أنا رفضت طلبها، فسوف تلد "لقيطا" كما ينظر له الشارع المغربي، وسوف يظل الطفل بدون مستقبل في مجتمع كهذا، وإذا سمحت لها وأعطيتها إذنا بالفعل، فسأكون بذلك من مشجعي هذه الظاهرة "، وفي نهاية المطاف، قرر القاضي السماح لها بالزواج. يقول منتقدو قانون مدونة الأسرة الصادر سنة 2004، إنها لم تأتِ بما يكفي من البنود الكفيلة بحماية حقوق النساء والفتيات، خاصة عندما يتعلق الأمر بالحد الأدنى لسن الزواج، وتعدد الزوجات، وتوزيع الممتلكات. ولكن الأهم من ذلك، في نظر القاضي الفنك، موجة تثقيف السكان، خاصة منهم القاطنون في المناطق الريفية، بالحقوق التي تكفلها لهم المدونة.