يدفع الالتفاف الشعبي الرياضي محليا و عالميا على نادي برشلونة لكرة القدم إلى طرح الكثير من الأسئلة التي ربط الفعل الرياضي المعولم بالفعل السياسي و الاجتماعي المحلي في بلد نام كالمغرب.فالبارصا بقدر ما هو فريق رياضي كاتالاني اسباني ، بقدر ما هو رمز عولمي يكثف التحولات الكبيرة التي تفعل فعلها داخل المجتمعات و لدى مختلف الفئات و الشرائح. من ثمة، لا حرج في طرح بعض الأسئلة:هل تكون البارصا هي المعادل الرياضي للفريق / الحزب السياسي الغائب؟ ألا يقدم النادي عروضا قابلة للمعاينة و القياس و بقواعد لعب كروية واضحة و تسري على الجميع، خلافا للواقع الموضوعي اليومي الذي تحكمه قواعد غير واضحة و لا اثر على نفسية و آمال و أحلام الجماهير الرياضية وغبر الرياضية؟ ما هي القيم المنبثقة من إمتاع البارصا لجماهيرها و ما هي علاقتها بالقيم الاجتماعية والسياسية و الاقتصادية الجارية أو المؤسس لها على نار هادئة؟ كيف كان إجراء حوار أو التقاط صورة مع رئيس النادي حدثا جللا في المغرب و شرفا كبيرا لا يفوقه شرف؟. من المفاتيح الأساسية التي يمكن أن تحل شفرة البارصا:وضوح الأهداف، المعرفة المسبقة بالخصوم، التعبئة من اجل مواجهة التحديات، الرغبة الدائمة في الانتصار،علو كعب النجوم و الخطط التكتيكية الموضوعة لشل الخصوم و إحراز الأهداف، التجسيد المستمر لصورة البطل، قيم البطولة و المواجهة و التحدي.و من منظور الجمهور الجماهير، تحقق البارصا الحلم/الأحلام الكروية "البسيطة" التي تعوض الأحلام الواقعية المجهض أو المقبرة في المهد.ذلك أن الفئات الشعبية من الطبقات الفقيرة أو المتوسطة مكبلة يوميا بالاحباطات و الاكراهات و الهزائم و الخسارات الفردية أو الأسرية أو الزوجية. تصير مباريات البارصا موعدا جميلا للفرح و الانتظار و الطموح والتعبير المباشر عن الإعجاب بميسي و غيره ممن يصنعون الفرجة الكروية الممزوجة بكل التوابل التلفزيونية في عصر العولمة. إن التعلق بأهداب البارصا و نجومها الكواسر تجاوز التعويض عن الخسائر الفردية و الجماعية، ليصير مرتبطا بالهوية و الانتماء الفردي و الجماعي.في الشارع المغربي، غالبا ما اسمع أصدقاء أو زملاء يتحدثون بشكل "طبيعي" و "عادي".من العبارات المتداولة:"انتوما عندكم فلان ( ميسي أو رونالدو مثلا). حنا غادي نغلبو اوساسونا للي تعادلات معاكم.نتوما دداو ليكم اللاعب الفلاني. ما عمركم تحلمو بالبطولة.الحارس ديالكم مريض.المدرب ديالنا واعر...".و قس على دلك من العبارات التي نسمعها يوميا تقريبا في المقاهي أو الشوارع و الأزقة الشعبية و القطارات و التجمعات الشبابية..صار الصديقان المغربيان يعلنان "اختلافهما الكروي" و يدبرانه بالتي هي أحسن، حتى وان كان أنصار ريال مدريد تعرضوا و يتعرضون دائما للسخرية و "الشدان"و العنف الرمزي خاصة على اثر الهزائم الثقيلة ضد كوموندو البارصا.و هذا ما يخفي مساهمة البارصا و الريال في خلق جمهور كروي كوكبي عابر للحدود و الأوطان و القارات.لم يعد المغربي أو المصري أو التونسي يعلن حبه للرجاء أو الأهلي أو الترجي فقط، بل صار الانتماء الحقيقي لنادي عالمي و عولمي.و يمكن القول إن كرة القدم ساهمت في زرع بذور مفهوم المواطن العالمي و سرعت من وتيرة تبلوره في ظل العولمة و تقدم تكنولوجيا الاتصال و البث التلفزيوني. و تشكل انتصارات البارصا في السنين الأخيرة التجسيد البارز لعولمة الكرة.لم يعد النادي الرياضي لبرشلونة فريقا محليا، بل أصبح ناديا عابرا للقارات و فاتحا للحدود و جالبا للاشهارات و الاستثمارات و سفيرا كبيرا يمكن أن يفتح الأبواب و يحقق ما لا تستطيع تحقيقه الدبلوماسيات التقليدية أو الجيوش الجرارة. لا بد من التأكيد أن ديموقراطية الاتصال السمعي البصري و بروز القنوات الرياضية الكبير قد غير الكثير من العادات و المفاهيم و انتح ظواهر جديدة يختلط فيها المالي بالاجتماعي بالثقافي بالتجاري.و هذا ما يطرح على علم الاجتماع المعاصر أسئلة محرجة تدعو باحثيه إلى إعادة النظر في الأطر الفكرية و النظرية الكلاسيكية و اختلاق مفاهيم جديدة تلائم مجتمع المعلومات و الاتصال العالمي. [email protected]