بعيدا عن أخبار السياسة والحروب نبحر في سماوات الفن والجمال عبر تقديم نبذة عن المعرض الذي احتضنه متحف الفنون الجميلة بمونتريال والذي اتخذ له كعنوان "عجائب وسرابات الاستشراق من إسبانيا إلى المغرب"، بشراكة مع متحف ليزوكيستان بتولوز وبدعم من مؤسسات مغربية وكندية، من خلاله تم تقديم المغرب عبر نظرة الفنان المستشرق بنجمان كونسطون (1845 - 1902). بالإضافة إلى أن هذه اللوحات لم تعرض قط في المغرب فهذا هو أول معرض واسع النطاق في كندا وأمريكا الشمالية من هذا الحجم عن فن الرسم الاستشراقي وهو يقدم لوحات لأحد أكثر الفنانين المستشرقين إنتاجا وشهرة بالإضافة إلى أعمال فنانين آخرين تربطهم صلات بالفنان بنجمان كونسطون بعضهم أساتذته وبعضهم تلاميذه. مستشرق فتنتْه مدينة طنجة هو رسام فرنسي ولد سنة 1845 بباريس، التحق بمدرسة الفنون الجميلة حيث تتلمذ على يد فنانين مستشرقين مثل هنري رينيو وجورج كليران، مع أنه تأثر كثيرا في أسلوبه بصفة خاصة بالفنان الفرنسي أوجين دولاكروا الذي سبقه إلى المغرب بأربعين سنة. سافر بنجمان إلى المغرب عدة مرات، كانت أولها مع أساتذته سنة 1870 ليعود بعد ذلك في إطار بعثة دبلوماسية مرورا بإسبانيا حيث استقر بطنجة من سنة 1871 إلى 1873. وقد استطاع هذا الفنان أن ينقل من خلال لوحاته صورة لمغرب لم يعرف بعد الانتداب الفرنسي ولكنه كان يدخل في نطاق مشروع استكشافي كأنّ بالفنان يريد نقل صورة معينة لمتلقٍّ أجنبي يجهل البلد وتقاليده وعاداته وجمال مدنه بحيث كان دائما يشبه طنجة بالمتحف الجميل وهو الذي بهره جمال عروس البوغاز لحد أنه كان يردد دائما "إن لطنجة جمالا لا أستحقه لوحدي هناك لوحات في كل مكان، إنها ليست مدينة إنها متحف". بين الحريم والمعارك يحكي بنجمان من خلال لوحاته أنه انبهر إلى حد بعيد بجمال المغرب ومدنه ونسائه، بل وتابع عددا من الأحداث والمعارك التي كان يقودها السلطان ضد المتمردين دون أن ينسى رسم المساجد والسجون والحريم والعبيد. فكانت أهم المواضيع التي أثارت اهتمامه ورسخت في ذاكرة الفنان الأسطح البيضاء، الأسواق والقصبات والمعمار المغربي وهندسة المباني وما يكسوها من فسيفساء وزخارف، ولم يغفل عن صخب المدينة وفوضى الحروب. وقد شكلت النساء محورا لعدد مهم من لوحاته بحيث رسمهن بألوان وأشكال ووضعيات تمزج بين واقع عايشه وخيال استحضره الفنان الفرنسي. وعرضت لوحات بنجمان أول مرة كفنان مستشرق بباريس سنة 1889 ولاقت نجاحا لافتا لما ضمته أعماله من دقة في رصد الضوء والضلال بتناسق مبهر جعل من لوحاته بالإضافة إلى قيمتها التاريخية قيمة جماليه لا يمكن تجاوزها في تاريخ الفن الاستشراقي . وما زاد المعرض بهاء هو عرض أعمال 3 فنانات مغربيات هن لالة السيدي وياسمينة بوزيان وماجدة خطاري في بوح للمرأة المغربية الفنانة، ليختتم المعرض الذي يقدم المغرب في حقبة تاريخية لا نعرف عنها الكثير خصوصا في الجانب الفني والإنساني.