تصعيد نضالي في مواجهة التملص الحكومي: رفض للتطبيع ودفاع عن الحقوق والمكتسبات    بورصة البيضاء تستهل التداول بارتفاع    تقدم باتجاه إنهاء الأزمة المتعلقة بالهدنة في غزة    الأردنيون والملك يستعدون (3من3)    تجميد المساعدات الأميركية يهدد آلاف السودانيين بالجوع    قرعة كأس إفريقيا لأقل من 20 سنة تضع الأشبال في المجموعة الثانية    روما وبورتو في واجهة لقاءات ملحق الدوري الأوروبي    الجنايات تبدأ محاكمة كريمين والبدراوي    الدار الببيضاء.. اعتقال أربعة أشخاص على خلفية وفاة فتاة قاصر بسبب استنشاق "غاز الضحك"    حجز أزيد من طنين من مخدر الحشيش قرب تينيريفي    التوقعات الفلكية ترجح بداية شهر رمضان يوم الأحد 2 مارس بالمغرب    السيد بنسعيد يبرز بالسعودية دور صاحب الجلالة نصره الله في الدعم الدائم للقضية والشعب الفلسطينيين    غبارٌ يَجثمُ في مِرآة    "الإيسيسكو": 15 في المئة من المواقع التراثية في العالم الإسلامي عرضة للخطر    تفشي داء الكوليرا يقتل أكثر من 117 شخصا في أنغولا    "6 أم 7 سنوات".. غموض مصير طلبة الطب يجرّ الميداوي للمساءلة البرلمانية    "حماس" تدعو ل"حراك عالمي" لثلاثة أيام رفضا لمخططات تهجير فلسطينيي غزة    مسؤول سعودي: لن نسمح باستهلاك الكحول في كأس العالم 2034    مصرع أربعيني في حادثة سير نواحي سطات    بايرن ميونيخ وبنفيكا يقتربان من ثمن نهائي أبطال أوروبا وكلوب بروج يفاجئ أتلانتا    زهير بهاوي يلغي حفله في بلجيكا لهذا السبب    ميدلت :الطائفة اليهودية تحتفل بهيلولة "ربي إسحاق أبي حصيرة"    بوريطة: المغرب لا يسعى للريادة الإفريقية لمصلحته الخاصة، بل يطمح إلى أن تكون الريادة لصالح القارة الإفريقية بأكملها    نور الدين زاوش يكتب عن التطبيع الجزائري الحلال    ارتفاع طفيف لأسعار الذهب    السجن لمقاول متهم بالنصب على متضررين من "زلزال الحوز" بتارودانت    منتجو لحوم الدواجن يستبعدون زيادات في الأسعار خلال رمضان    حكام مغاربة يتسلمون شارات التحكيم الدولية الخاصة بفيفا    زريدة مودعا الرجاء: "النادي سيظل في قلبي إلى الأبد وهو جزء من تاريخي وهويتي ولن أنسى فضله"    موانئ البحر الأبيض المتوسط تشهد انتعاشًا ملحوظًا مع بداية العام بزيادة كميات الصيد    10 جرحى بانفجار قنبلة يدوية في حانة بمدينة غرونوبل الفرنسية    اليسار يتهم رئيس جماعة أزيلال ب"إعدام" فريق لكرة القدم    الدار البيضاء.. توقف مؤقت لبضع ساعات لحركة السير بين بدالي سيدي معروف وعين الشق ليلة الخميس إلى الجمعة    إفريقيا تُقصي الجزائر.. سقوط مدوٍّ في الاتحاد الإفريقي: فكيف أصبحت دولة منبوذة دبلوماسيًا؟    جمهورية الريف، السيبة والوطن    كيف يستهدف النظام الجزائري بالمال والسلاح السيادة والاستقرار في مالي..؟    بنيس: حركة المساندة الفلسطينية تقتصر على التعبئة ولا تملك بُعدا ثقافيا    سيرة ذاتية لقالب السكر: فلسفة الهدايا التي لا تذوب    ذكرى رحيل الشّاعر خُوسِّيه إمِيليُو باشِيكُو    تعزيز التعاون الثقافي بين الدار البيضاء وشنغهاي: لقاء مع وفد من متحف الصين للفنون    النفط يتراجع مع احتمال حل الأزمة الروسية الأوكرانية    الصين: حوالي 2,11 مليون وحدة، اجمالي حجم انتاج سيارات الركاب في يناير    توقعات أحوال الطقس اليوم الخميس بالمغرب    قيوح يفتح تحقيقات في شريط فيديو يوثق تهور سائق حافلة ليلا في طريق وطنية    الصين: ارتفاع أرباح الشركات الكبرى لصناعة النسيج ب7,5 بالمائة في 2024    وزارة العدل تطمئن النقابات بخصوص العمل على تنزيل مضامين الاتفاقات    صندوق النقد الدولي يحث الحكومة على ضرورة توسيع قاعدة الضرائب    الشيبي يتألق بعد "مباراة الإيقاف"    يهود المغرب يحتفلون بهيلولة ربي إسحاق أبي حصيرة    بعد المغرب.. تفشي الحصبة "بوحمرون" في الولايات المتحدة الأمريكية    الدكتور عميريش مصطفى: التلقيح يعد الوسيلة الوحيدة والأكثر فعالية للوقاية من داء الحصبة    إصابة عامل في مزرعة ألبان بولاية نيفادا الأمريكية بسلالة جديدة لإنفلونزا الطيور    الصحة العالمية: سنضطر إلى اتباع سياسة "شدّ الحزام" بعد قرار ترامب    التصوف المغربي.. دلالة الرمز والفعل    الشيخ محمد فوزي الكركري يشارك في مؤتمر أكاديمي بجامعة إنديانا    والأرض صليب الفلسطيني وهو مسيحها..    جامعة شيكاغو تحتضن شيخ الزاوية الكركرية    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفل تكريم لرئيسه السابق العلامة عبدالله شاكر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رصاص وحناء وأزياء تقليدية نسائية في معرض الفنانة المغربية لالة السعيدي بمراكش

المتتبعون لأعمال الفنانة التشكيلية المغربية لالة السعيدي يحسبون لها أنها، بقدر ما تتحدى، بأعمالها، الصورة النمطية التي رسمها الاستشراقيون للمرأة الشرقية، بمراجعة وتفكيك المفاهيم التي قدموها، نجدها تفتح نقاشا بصدد الكيفية التي يتعين علينا أن نقرأ بها تاريخ وهوية وتطلعات هذه المرأة، مع الاستمتاع، في نفس الوقت، بروعة ما يؤثث لعالمها، خاصة على مستوى الأزياء والحلي وبهاء العمارة، مع الانفتاح على حاضر يأتي في سياق سياسي واجتماعي وثقافي متحول.
في آخر معارضها، الذي يحمل عنوان «ضوء الشِّعر»، الذي يحتضنه رواق «تندوف» بمراكش، إلى غاية 24 فبراير (شباط) المقبل، تواصل الفنانة المغربية الاستناد على التصوير الفوتوغرافي، مع اعتماد النقش بالحناء وتوظيف الخط العربي واستثمار بهاء الأزياء والحلي التقليدية والمعمار التقليدي المغربي، مع توظيف الرصاص، ضمن فعل تشكيلي ينفتح على تفاعلات حاضر التحولات السياسية التي يعرفها العالم العربي.
مع أعمال السعيدي، نكون، مرة أخرى، مع قراءة فنية ناقدة لأعمال الفنانين الاستشراقيين، في محاولة لإعادة تشكيل صورة مختلفة، واقعية هذه المرة، للمرأة الشرقية، في بيئتها، مخالفة، تماما، للصورة التي رُسمت لها وقدمت بها، من طرف هؤلاء الفنانين الاستشراقيين.
وكتب الكاتب المغربي الطاهر بن جلون، في تقديم معرض وتجربة السعيدي: «يتميز عمل لالة السعيدي، في كل مراحله، بحضور طاغ للشعر، غامض وسري. الشعر باعتباره صيغة لإثبات الذات في العالم، رؤية متمركزة حول الذات والآخرين، ومقاربة حقيقية بكل تأكيد. كل عمل لهذه الفنانة الكبيرة هو قبول بالشعر. لا يمكن للشاعر أن يعلن عن نفسه بشكل شخصي. سيكون ذلك شيئا غير لائق. يبقى للآخرين أن يبحثوا عن الشعرية في عمل ما». ثم يضيف: «يوجد عند لالة السعيدي شيء من السريالية التي تحرر التصورات وتجعلها أكثر ذكاء ونبوغا: هذه المشاهد المكتوبة، المرسومة، التي تم الاشتغال عليها بشكل متطلب، وهؤلاء النساء اللواتي يجري تصويرهن في أماكن لم يعد لها وجود. هذه الشخصيات التي تفوح منها عطور النعيم، هذه النظرات التي تواجهنا، هذه الوضعيات التي تقطع الصمت، ليست إلا تهيؤات وأوهاما. هؤلاء النساء، بجمال فتان، اللواتي يلبسن قفاطين من نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين: أزياء من ضوء وذهب، حلي من زمن كان فيه الفن يتخلل الحياة اليومية. كل هذا الإبداع المبتكر من طرف صناع تقليديين مهرة يجري إخراجه اليوم، لكي يلبس ببهاء فاتن من طرف نساء في ريعان شبابهن. هذا الحريم إعادة النظر فيه يوجد فيه ولديه شيء لا يوصف: كل هؤلاء النسوة اللواتي تحولن إلى جزء من حائط في فضاء وحدتهن، ينتظرن. إنهن، هنا، لكن ذلك ليس سوى مظاهر، ما دام أن الحريم لم يعد له وجود، كما أنهن غير متأكدات من أنهن هنا. فن المراوغة هو انشقاق جميل عن المظاهر».
تلخص أعمال السعيدي لاشتغال فني يوثق لمفهوم الجمال من خلال التقاليد والماضي، وإعادة الاعتبار للمرأة الشرقية في واقعها الحقيقي لا المتخيل، ما جعلها تفتح نافذة تاريخية على هوية المرأة وثقافتها، وحتى بيئتها المعمارية، مع تناول تداعيات الحاضر على أوضاعها، ولذلك لم تفعل، في أعمالها، أكثر من العودة إلى طفولتها، في مراكش، بالمغرب، لتعطيها فرصة استعادة الماضي، لكن بنظرة الحاضر.
يتقدم وصف ومفهوم «الحريم»، كإطار حدده الفنانون الاستشراقيون للمرأة الشرقية، مجالا للعيش ومضمونا للحياة، قبل أن يتحول، في عالم السعيدي الفني، إلى فسحة تضمن اشتغالا تستخدم فيه الحناء مادة تلوينية، لإخفاء وتجميل جسم المرأة، في نفس الوقت، بل تصل علاقة مجال العيش بحياة المرأة، في بعض لوحاتها، إلى حد تماهي الساكنات بالمسكن.
وقالت السعيدي، في حديث ل«الشرق الأوسط»، إن معرضها الحالي يمثل استمرارية لمشروع واحد ومتواصل تشتغل عليه، بشكل ينقل لسيرة شخصية ولسيرة كل النساء العربيات، مشددة على أن تجربتها الفنية تتأسس على حياتها، كما عاشتها، وعلى حياة باقي النساء العربيات، في آن، فيما الجديد الذي يميز مضمون المعرض الحالي، أنه يتزامن مع ما عاشه العالم العربي، مؤخرا، في ظل ما سمي ب«الربيع العربي»، مشيرة إلى أنها وظفت الرصاص، في جزء من أعمالها، لكي تبين كيف أن «النساء العربيات شاركن في الحراك المجتمعي بهدف تغيير الأوضاع في عدد من البلدان العربية، وكن في الواجهة، سوى أن النتائج جاءت عكس أحلامهن وتوقعاتهن، ولذلك جاء توظيف الرصاص ليجسد العنف الممارس عليهن».
وبخصوص التركيز على الأزياء التقليدية، مقابل الحناء، في أعمال سابقة، قالت السعيدي إن ذلك يدخل ضمن نظرة نقدية لأعمال الفنانين الاستشراقيين الذين اشتغلوا على المرأة الشرقية، متخيلين عوالم حريم لا توجد في أرض الواقع، مشيرة إلى أنها وظفت، في استعادتها لأعمال الفنانين الاستشراقيين، نفس الأزياء التقليدية التي اشتغلوا عليها، من خلال اشتغالها على تشكيلة من قفاطين وأحزمة تقليدية، توجد في ملكية بوبكر ونور تملي، وترجع إلى نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.
وفي سياق محاكمتها لأعمال الاستشراقيين، قالت السعيدي «إن إبداعهم لم يتوقف عند حدود الإنتاج الفني الذي يحتمل النقد، بل تحول إلى مرجع انبنت عليه أحكام معظم الغربيين، الذين صدقوا ما نقلته لهم أعمال الاستشراقيين، الشيء الذي جعلهم يتحولون إلى الشرق باحثين عن ما نقل إليهم، ليخلقوا عوامل ألف ليلة وليلة خاصة بهم، متوسلين في ذلك قوة المال والاقتصاد، الشيء الذي جعلنا نعيش، اليوم، استشراقا معاصرا بنفس مضمون نظرة الفنانين المستشرقين السابقين، تقريبا».
بعد توظيفها للحناء، في معارض وأعمال سابقة، سنكون مع السعيدي، في معرضها الجديد، مع توسل للرصاص، عبر نماذج حاولت، من خلالها، ربط المرأة بحاضرها، حيث «الربيع العربي»، الذي عولت عليه المرأة ثورة تسعفها في إبراز دورها ومكانتها داخل المجتمع وإسماع صوتها، إلى جانب الرجل، تحول إلى ما يشبه الحمل الكاذب. ومع توليفة الرصاص الذهبي، نكون، حسب عبد العزيز الإدريسي، محافظ المتحف الوطني بالرباط، مع امرأة وقد تحزمت بحزام من رصاص، بقدر ما تبدو، مهددة، على المستوى الرمزي، نجدها تؤكد قوتها عبر نظراتها المصوبة إلى الجمهور المتلقي.
وبين الحناء والرصاص، وما رافق ذلك من توظيف للأزياء والحلي التقليدية وفنون العمارة، لا تفعل السعيدي، أكثر من تصوير الأنوثة وإبراز فتنة الجسد، حيث يقوم المعرض على عمل فوتوغرافي بقياسات كبيرة، يعتمد التصوير والكولاج الضوئي التوليفي، في سبيل إعادة صياغة فنية تقوم على الرجوع إلى ما رسمه فنانون مستشرقون، مثل جون دولاكروا، وغيره، في محاولة لتجاوز أحكامهم، خالقة استذكارا للعمل الأصلي ب«فنطازية» معاصرة، مزينة بنقوش وكتابات عربية اللغة، قوامها الزخارف الهندسية المتنوعة، وروعة القفاطين والحلي وتميز فن العمارة المغربي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.