خلص مركز المغرب الأقصى للدراسات والأبحاث، الذي يوجد مقره بالرباط، إلى أن تدين المغاربة يعيش متأثرا بعديد من التحولات الداخلية والخارجية، في مقدمتها تبعات عقود من "استيراد" الأدبيات "السلفية الوهابية" وبمسلسل استقطاب وإدماج جزء من التيار الإسلامي الحركي في العمل السياسي، إلى جانب بروز الخطاب "السلفي الجهادي" وصدمة اعتداءات الدارالبيضاء في 16 ماي 2003؛ مع إطلاق مشروع إعادة هيكلة الحقل الديني. وأشار المركز، ضمن أول تقريره له حول الحالة الدينية في المغرب 2013 2014، إلى ما وصفه ب"الصعود اللافت" لأسهم الحركات الإسلامية (الدعوية والسياسية و"الجهادية") في مجالات التدافع السياسي والاجتماعي، مقابل "الحضور المتواضع" للتيارات والأفكار التي تنهل من مرجعية "حداثية" أو "علمانية"، مضيفا أن بين هذين التيارين يبرز التباين في أداء الفاعلين الدينيين المنتمين إلى المؤسسات الدينية الرسمية والمحسوبين عليها على السواء. الباحثان منتصر حمادة وسمير الحمادي، المشرفان على التقرير، أوضحا أن التقرير الأول لمركز المغرب الأقصى للدراسات والأبحاث، يأتي في سياق التفاعل النظري مع المستجدات الدينية التي طرأت على أنماط التديّن في المجال التداولي المغربي، حيث ضم إجابات عن تساؤلات معالم التديّن السائدة في الساحة المغربي اليوم وملامسة مدى حضور متغيرات جلية وملموسة بين تديّن المغاربة في الأمس القريب (بُعيد حقبة حصول المغرب على الاستقلال) وبين تديّن اليوم. وحاول التقرير الصادر أخيراً فهم حركية التديّن بالمغرب اليوم بالنظر إلى طبية التحولات الاجتماعية والقيمة التي تعرفها الساحة، محلياً وإقليمياً على الخصوص، إلى جانب آثار وتجليات ضغط التأثيرات القويّة للعولمة على المجتمع المغربي، بسبب الانفتاح على العالم وثورة وسائل الإعلام والاتصال وحركيّة الأفراد والأفكار. ويرى التقرير أن الخريطة الدينية في الساحة المغربية تتمثل أساساً في مؤسسة إمارة المؤمنين والمؤسسات الدينية الرسمية والطرائق الصوفية، إلى جانب التيارات السلفية والحركات الإسلامية، فيما أدرج ما أسماه "تديّن الهامش"، الذي يهم خاصة التشيع والتنصير والأحمدية/ القاديانية والبهائية، فيما اعتبرت الوثيقة أن أنماط التدين بالمغرب تحوم حول التديّن المحلي، أي "الإسلام المغربي"، و التديّن العام أي "التديّن التقليدي الشعبي"، وأيضاً التديّن الفرعي، وتعني به "التديّن الأصولي الحركي" على سبيل المثال. واستحضر المركز، وهو يورد سياق إصدار التقرير، تحولات المحيط الإقليمي والعالمي، التي تهم ما قال إنه أفول المرجعية الناصرية في مختلف البلدان العربية بعد هزيمة يونيو 67، "وما ترتب على ذلك من صعود المد الإسلامي الحركي ["الأصولي"] بجناحيه الإخواني والسلفي"، موردا "الثورة الشعبية" في إيران عام 1979 التي توصف من قبل النظام الإيراني بأنها "ثورة إسلامية"، إلى جانب الغزو العراقي للكويت الذي أدى إلى نشوب أزمة ثم حرب الخليج الثانية في غشت 1990 مع ما أفرزته من مستجدات جيو سياسية في المنطقة، تهم أساسا نزول قوات التحالف في شبه الجزيرة العربية لأول مرة منذ البعثة النبوية المحمدية. هناك أيضا اعتداءات نيويورك وواشنطن في 11 شتنبر 2001، يضيف التقرير ذاته، وما تلاها من رد الفعل الأمريكي، ويعني هنا "الحرب على الإرهاب" واحتلال العراق في مارس 2003 ثم أحداث "الربيع العربي" مع مطلع يناير 2011. في الجهة الأخرى، سجل مركز المغرب الأقصى للدراسات والأبحاث قلة وعدم انتظام التقارير الصادرة عن المراكز البحثية في الخارج من أعمال مهمة في هذا الشأن، معتبرا أن تلط التقارير النادرة "تكاد تكون النافذة الوحيدة التي نطل من خلالها على عالم التديّن العربي الإسلامي عموماً بمجاهله الواسعة، كما لو أن أقلام الساحة، سواء في منطقة الشرق الأوسط أو شمال إفريقيا، عاجزة عن اقتحام هذا المجال"، فيما سجل أن إصدار تقارير تتناول الشأن الديني العربي الإسلامي، مُحرَّرة بأقلام باحثين من المنطقة، "أفضل بكثير من انتظار تقارير الخارج (تقارير مؤسسة "بيو" PEW مثلا)، على أهميتها وجودتها العلمية، من باب أن "أهل مكة أدرى بشعابها"".