من بينها الحسيمة.. تعيينات جديدة في مناصب المسؤولية بمصالح الأمن الوطني    مجلس حقوق الإنسان.. نشطاء إسبان ينددون بالتجنيد العسكري لأطفال مخيمات تندوف واستغلالهم لأغراض سياسية    المغرب وإسبانيا يوقعان إعلان نوايا مشترك في مجال العدالة في إطار التحضير لتنظيم كأس العالم 2030    لقاءات بوريطة على هامش القمة    انطلاق فعاليات المعرض الدولي للسياحة ببرلين بمشاركة المغرب    إعلان القاهرة: القمة العربية غير العادية تؤكد على دور لجنة القدس برئاسة الملك محمد السادس    السيسي يؤكد رفض تهجير سكان غزة    قرعة كأس العرش تفرز مباريات قوية    الدار البيضاء: نائب وكيل الملك يكشف المغالطات التي رافقت إيداع طفلة قاصر بمركز لرعاية الطفولة    خلال أسبوع.. 15 قتيلا و2897 جريحا حصيلة حوادث السير بالمناطق الحضرية    تساقطات مطرية وثلجية في تنغير    عمرو خالد يكشف "ثلاثية الحماية" من خداع النفس لبلوغ الطمأنينة الروحية    المصادقة على عقد برنامج تنموي بقيمة 5.8 مليار درهم لتعزيز التنمية الجهوية بالشمال    قيادي بحماس: نزع السلاح خط أحمر    "شفت أمك بغا طول معنا".. جبرون: التلفزة تمرر عبارات وقيما مثيرة للاشمئزاز ولا تمثل أخلاق المغاربة    في رمضان.. توقيف أربعة أشخاص بحوزتهم 2040 قرص مخدر وجرعات من الكوكايين    ارتفاع التحويلات النقدية للمغاربة المقيمين بالخارج خلال يناير    الذهب يواصل مكاسبه مع إقبال عليه بفضل الرسوم الجمركية الأمريكية    جمعية المحامين الشباب تفتتح دوري المرحوم محمد البوطيبي في دورته ال9 بالناظور    وزارة الثقافة تطلق برنامج دعم المشاريع الثقافية والفنية لسنة 2025    تقرير: كيف يحافظ المغرب على "صفر إرهاب" وسط إقليم مضطرب؟    دراسة: البدانة ستطال ستة من كل عشرة بالغين بحلول العام 2050    أحوال الطقس ليوم الأربعاء: برد وزخات مطرية في مناطق واسعة من البلاد    في حضرة سيدنا رمضان.. هل يجوز صيام المسلم بنية التوبة عن ذنب اقترفه؟ (فيديو)    مصرع شخصين في اصطدام عنيف بين شاحنتين بطريق الخميس أنجرة بضواحي تطوان    ترامب يعلق جميع المساعدات العسكرية لأوكرانيا بعد أيام من مشادته مع زيلينسكي    وكالة بيت مال القدس تشرع في توزيع المساعدات الغذائية على مؤسسات الرعاية الاجتماعية بالقدس    أسعار اللحوم في المغرب.. انخفاض بنحو 30 درهما والناظور خارج التغطية    التفوق الأمريكي وفرضية التخلي على الأوروبيين .. هل المغرب محقا في تفضيله الحليف الأمريكي؟    استئنافية مراكش ترفع عقوبة رئيس تنسيقية زلزال الحوز    انتخاب المغرب نائبا لرئيس مجلس الوزارء الأفارقة المكلفين بالماء بشمال إفريقيا    بنك المغرب يحذر من أخبار مضللة ويعلن عن اتخاذ إجراءات قانونية    "مرحبا يا رمضان" أنشودة دينية لحفيظ الدوزي    مسلسل معاوية التاريخي يترنح بين المنع والانتقاد خلال العرض الرمضاني    ألباريس: العلاقات الجيدة بين المغرب وترامب لن تؤثر على وضعية سبتة ومليلية    الركراكي يوجه دعوة إلى لاعب دينامو زغرب سامي مايي للانضمام إلى منتخب المغرب قبيل مباراتي النيجر وتنزانيا    القناة الثانية (2M) تتصدر نسب المشاهدة في أول أيام رمضان    الصين تكشف عن إجراءات مضادة ردا على الرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة على منتجاتها    مبادرة تشريعية تهدف إلى تعزيز حقوق المستهلك وتمكينه من حق التراجع عن الشراء    فنربخشه يقرر تفعيل خيار شراء سفيان أمرابط    جمع عام استثنائي لنادي مولودية وجدة في 20 مارس    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الثلاثاء    الزلزولي يعود إلى تدريبات ريال بيتيس    فينيسيوس: "مستقبلي رهن إشارة ريال مدريد.. وأحلم بالكرة الذهبية"    الإفراط في تناول السكر والملح يزيد من مخاطر الإصابة بالسرطان    دوري أبطال أوروبا .. برنامج ذهاب ثمن النهاية والقنوات الناقلة    فرنسا تفرض إجراءات غير مسبوقة لتعقب وترحيل المئات من الجزائريين    الفيدرالية المغربية لتسويق التمور تنفي استيراد منتجات من إسرائيل    بطولة إسبانيا.. تأجيل مباراة فياريال وإسبانيول بسبب الأحوال الجوية    القنوات الوطنية تهيمن على وقت الذروة خلال اليوم الأول من رمضان    سينما.. فيلم "أنا ما زلت هنا" يمنح البرازيل أول جائزة أوسكار    عمرو خالد: هذه أضلاع "المثلث الذهبي" لسعة الأرزاق ورحابة الآفاق    المغرب يستمر في حملة التلقيح ضد الحصبة لرفع نسبة التغطية إلى 90%‬    كرنفال حكومي مستفز    وزارة الصحة تكشف حصيلة وفيات وإصابات بوحمرون بجهة طنجة    فيروس كورونا جديد في الخفافيش يثير القلق العالمي..    بريسول ينبه لشروط الصيام الصحيح ويستعرض أنشطة المجلس في رمضان    المياه الراكدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كَادَ أَنْ يَرْتَدِيَ جِلْبَاباً مَغْرِبِياً خِلاَلَ حَفْلِ سِيرْفَانْطِيسْ..!!
نشر في هسبريس يوم 21 - 05 - 2015

خْوَانْ غُوْيتِيسُولُو وجائزة سِيرْفَانْطيسْ فِى الآدَاب الإِسْبَانِيَّة
قبل أن يتسلّم الكاتب الإسباني الذائع الصّيت خوان غويتيسولو فى الثالث والعشرين من شهر أبريل الجاري 2015 جائزةَ "سيرفانطيس" فى الآداب الإسبانيّة، وهو أوّل تكريم يمنحه العاهلُ الإسباني فيليبّي السّادس،وحرمُه الملكة ليتيثيا بعد أن تنازل والده ملك إسبانيا السّابق خوان كارلوس الأوّل عن العرش الإسباني له أواخر شهر يونيو من العام الفارط 2014. وخلال لقاء لخوان غويتيسولو مع ثلّة من الصّحافيين الإسبان فى المكتبة الوطنية الإسبانية قبيل إستلامه لهذه الجائزة الهامّة، كان قد صرّح أنه أثناء حضوره مراسيم حفل تسليمه جَائِزَة "سيرفانطيس" بجامعة " ألْكَلاَ دِي إِنَارِيسْ " ( قلعة النّهر) بالقرب من العاصمة الإسبانية مدريد قائلاً :" لن أرتدي سترة السّهرة السّوداء،أو بدلة "شاكيّ " أيّ المعطف التقليدي الذي عادة ما يُلبس فى مثل هذه الحفلات الرّسمية، بل إنني سأرتدي خلال هذه التظاهرة الأدبية الكبرى بشكل عادي" ، وكان غويتيسولو قد برّر ذلك قائلاً كذلك :" إنّه من السّخف أن يُطلب من رجلٍ عجوز فى الرابعة والثمانين من عمره أن يرتدي أرديةً تنكّريّة ،وإذا كان لابدّ لي أن أفعل ذلك، فإنّني أوثر، وأفضّل أن أرتدي جلباباً " ، وبالفعل لقد إرتدى غويتيسولو خلال حفل مراسيم تسلّمه لهذه الجائزة من يديّ العاهل الإسباني فيليبّي السادس لباساً عادياً بسيطاً،متواضعاً، مُوليّاً ظهرَه للتقاليد المُتحجّرة المتَّبَعة فى هذه المناسبات،وكان غويتيسولو بالفعل بعيداً عن التصنّع، والتنكّر، والبهرجة ..!.
وقبل إستلامه لهذه الجائزة كذلك كان الكاتب خوان غويتيسولو قد أودعَ - كما هي عادة كلّ فائز بهذا التكريم- فى "صندوق الآداب" بمعهد سيرفانطيس للثقافة الإسبانية مخطوطيْن غميسيْن (غير مطبوعين) من أعماله الإبداعية (شعراً ونثراً) ، واللذيْن لا يمكن فتحهما، أوالإطّلاع عليْهما، أوقراءتهما سوى بعد مرور عِقديْن من الزّمن – حسب رغبته - أيّ فى عام 2031 حيث سيبلغ غويتيسولو المئة عام من عمره.
بعد عدّة ترشيحات منذ سنوات عديدة خلت، أمكن- لهذا الكاتب المُغرَم، والهائم بالعالم العربي والإسلامي ،وبالمغرب على وجه الخصوص حيث إختار مدينة مرّاكش المغربية منذ سنوات عديدة خلت مكاناً ومقرّاً ومستقرّاً له - أمكن له الحصول أخيراً على هذا التكريم الأدبي الكبير لعام 2014 الذي أُعْلِنت نتائجه يوم الاثنين 24 نوفمبر من العام المنصرم 2014) وتُعتبر جائزة سيرفانتيس الإسبانية بمثابة نوبل فى آداب هذه اللغة الواسعة الإنتشار،وتُشرِف على تنظيم هذه الجائزة الهامّة كلّ سنة وزارة التربية والثقافة الإسبانية ، وتبلغ قيمتها المادية ( 125000) أورو، ويتمّ تنظيم مراسيم حفل تسليم هذه الجائزة فى 23 من شهر أبريلمن كل عام ، حيث يصادف هذا التاريخ ذكرى وفاة الكاتب الإسباني المعروف " ميغيل دي سيرفانطيس" الذي تحمل الجائزةُ إسمَه، وهو صاحب الرّواية المطوّلة الشّهيرة " دُونْ كِيخُوتِه دِي لاَ مَنْشَا"، ( أنظر مقالي فى "القدس العربي" حول هذه الرّواية تحت عنوان :"دون كيشوت لسرفانطيس ..رحلة فى عالم الأحلام " المنشور بتاريخ 10 سبتمبر2013)،
وكان وزير الثقافة الإسباني "خوسّيه إغناثيو ويرت" قد صرّح أنّ خوان غويتيسولو قد تمّ إختياره بعد سبع جلسات من التصويت،وأنّه حصل على هذه الجائزة نظراً لمقدرته الخارقة فى تطويع اللغة، ورصانة تحقيقاته اللغوية العميقة،وإستمرار إلتزامه المتواصل، ودفاعه الدائم عن الحوار بين الثقافات"،كما صرّح الكاتب "خوسّيه مانويل كابايرو"( رئيس لجنة التحكيم التي منحته هذه الجائزة الكبرى والحاصل على نفس الجائزة لعام 2012) فقال : " هذه الجائزة التي حصل عليها غويتيسولو جاءته في الوقت المناسب وبكل المقاييس، إذ يُعتبر هذا الكاتب واحداً من قمم، وروائع الأدب الإسباني غداة الحرب. وقد تطوّرت أعماله الأدبية من الواقعيّة الإجتماعيّة، إلى بحوثه،وتساؤلاته، وتحقيقاته وتضلّعه في اللغة ". وصرّحت الكاتبة المكسيكية المعروفة " إلينا بونياتوسكا " ( الحاصلة عل نفس الجائزة كذلك لدورة عام 2013 وعضو لجنة التحكيم الحالية ) فقالت : " إنّ حصول خوان غويتيسولو على هذا التكريم يشكّل حفلاً أدبياً كبيراً، فنحن فى المكسيك نعرف هذا الكاتب منذ أن كان شابّاً فى مقتبل العُمر ،حيث كان يتردّد كثيراً علينا لزيارتنا ،كان صديقاً أثيراً وحميماً للكاتب المكسيكي الرّاحل كارلوس فوينتيس، إنّه كاتب يحرص على أن يربط ويجمع بإستمرارما بين الضفتين (الإيبيرية والأمريكية)"،ولا شكّ أنه يفعل ذات الشئ بين ضفتيّ المتوسّط بين أوربّا وشمال إفرقيا وتحديداً المغرب. وتضيف بونياتوسكا :" إنّه رجل جدير بالثقة لأصالته "، (أنظر مقالي حول هذه الكاتبة المكسيكية المبدعة فى " القدس العربي" بتاريخ 23 مايو (أيار) 2013).
إبن عربي وابن حزم وجلال الدّين..
يُعتبرخوان غويتيسولو من أبرزالكتّاب الاسبان في الوقت الرّاهن لما يمتاز به من صوت أدبي متفرّد بين باقي الأدباء الإسبان، ولنوعية كتبه ورواياته المتعددة، التي أثارت جدلاً ما زال يُسمع صداه إلى الآن ليس في إسبانيا وحسب،بل و في مختلف الأوساط الأوربية، والأمريكية، والإنجليزية كذلك لجرأتها ، وخاصّيتها ،وإشكالية الإبداع فيها التي تنطلق من التعامل مع اللغة من منظور تفجيرها، وتفكيكها وتغيير مسارها، و إعطائها نَفَساً، وَزَخَماً إبداعياً خلاّقاً. كما أنّه يُعتبر مثالاً للإستقلال الفكري، والثقافي، وممثّلا للتجديد في الأدب الاسباني المعاصر.
ويجدر بنا التذكير فى هذا المقام بهذه المناسبة أنّ الأديب خوان غويتيسولو يكنّ محبّةً كبرى ، وتقديراً عظيماً للثقافة الإسلامية على وجه العموم ،ويشعر بإعجاب كبير نحوها فى مختلف مجالات الفكر والخلق والإبداع حيثما نما وسما وترعرع سواء فى المشرق العربي أو فى المغرب، ففي معرض إعجابه بالمسلمين و تراثهم وحضارتهم و لغتهم نجده يقول بالحرف الواحد : " إنّ إستيعابي و تمثلي للفضول الأوروبّي الشّره جعلني أتحوّل شيئاً فشيئاً إلى مواطن إسباني من نوع آخر، عاشق لأنماط الحياة، والثقافات، واللغات من مختلف المناطق الجغرافية. لا ينحصر عشقي وإعجابي وَوَلَهيِ بكيبيدو، أو غونغورا،أو ستيرن،أو فولتير، أو مالارميه، أو جويس،بل يتعدّاه كذلك الى إبن عربي، وأبي نواس، وابن حزم، وإلى التركي جلال الدّين الرومي مولانا.انّ هناك عوامل إيجابية، وطاقات إبداعية هائلة مختلفة من كل نوع لهؤلاء وأولئك على حدّ سواء ، فعندما يكلّف ألمرءُ نفسه عناء تعلّم لغة صعبة جداً مثل اللغة العربية، وقد بلغ من السنّ عتيّا، فإنه ينبغي أن تكون هناك دواعٍ عميقة جدّاً لذلك، ( الكاتب الأرجنتيني المعروف خورخي لويس بورخيس قرّر تعلّم اللغة العربية كذلك عندما ناهز سنّه الثمانين) والحقيقة أنّ الدواعي موجودة. فأنا أعتقد أنه يستحيل فهم الثقافة الإسبانية وهضمها بشكل شامل و دقيق دون إستيعاب التراث الإسلامي، ومعرفة الثقافة العربية،وكلّما دخلتُ في هذه الثقافة، تأكّد لي بشكل جليّ قيمةَ وأهميةَ ما ورثناه عن تلك القرون للوجود الاسلامي في شبه الجزيرة الايبيرية " .و يردف الكاتبُ قائلاً في السّياق نفسه: "هناك من ناحية أخرى جانب المودّة في العلاقات الإنسانية التي إنعدمت في المجتمع الأوروبي الذي أعيش فيه و أنتمي إليه ،ففي مدينة مراكش، على سبيل المثال ،يمكنني أن أكتب وأن أقرأ ،كما يمكنني في الوقت ذاته الخروج للنّزهة والتحدّث إلى الناس البسطاء وليس مثل ما هو عليه الأمر في باريس ونيويورك اللتين إنعدمت فيهما العلاقات الإنسانية وتلاشت" . لقد قرأ خوان غويتيسولو – على حدّ تعبيره- : "نصوصاً دينية إسلامية كثيرة وهي نصوص تهمّه جدّاً، إنّه يقرأها مثلما يقرأ أعمالاً لماغلان، أو ابن عربي المُرسي،أو إبن حزم ، أو سان خوان دي لاكروث، بمعنى أنّها تبدو له وسيلة تعبير أدبي راقٍ جدير بالإعجاب والتقدير".
ساحة جامع الفنا ..تراث إنساني
ما فتىء غويتيسولو يثير ردود فعل متباينة في الأوساط الأدبية و الثقافية الإسبانية، و ذلك بكتبه أو مقالاته أو تصريحاته التي لا تخلو من نقد لاذع للمجتمع الاسباني، و للمثقفين الإسبان بشكل عام، ورميهم بروح الإنغلاق وعدم تفتّحهم على ما يدور حولهم من تظاهرات و تحركات ثقافية خاصة لدى جيرانهم العرب.
و لايزال هذا الكاتب يثير هذا الموضوع في مختلف محاضراته، أو تصريحاته فى كلّ محفل ومنبر، نظراً لما يربطه بالعالم العربي من أواصر المودّة والإعجاب، حيث تحتلّ مدينة مراكش بالذّات حيّزاً مهمّاً في أدبه،وإبداعاته الرّوائية، وبالخصوص روايته المعروفة "مقبرة" أو في سيرته الذاتية "منطقة مسيّجة محظورة" أو في سواهما من المقالات والدراسات حول الثقافة الإسلامية ،أو الحضارة العربية مثل كتابه "إسبانيا فى مواجهة التاريخ..فكّ العقد "، و حول الدّور الكبير الذي إضطلع به المسلمون خلال وجودهم بالأندلس، وإيمانه القويّ في مقدراتهم الابداعية، وعطاءاتهم الثرّة في مجالات العلوم على إختلافها، وفي حقول الآداب، والشعر، والفكر، والفلسفة ،والموسيقى، والمعمار، وحول التقارب الذي يناشده بين العرب واسبانيا بحكم العوامل التاريخية والحضارية والجغرافية، ودعوته المتواصلة الى إسدال ستائر الحقد والضغينة، وإزاحة حُجُب التجاهل والتنافر والتنابذ، والتعرّف عن قرب على ما يجري في البلدان العربية والإسلامية من غليان فكري، ونهضة ثقافية،وتطوّر حضاري في مختلف الميادين.
إنّ المتتبّع للصّحافة الاسبانية في الآونة الأخيرة، يلاحظ مدى ما يثيره هذا الكاتب من موضوعات فكرية وثقافية لا تخلو من شجاعة أدبية ،وإنصاف محقّ للمسلمين والشهادة لهم بمواكبة التيارات الفكرية المعاصرة، وإتّهام بني طينته الإسبان بالقصور في هذا المجال. إنه يعتبر فى هذا السّياق حصوة فى عيون المتزمّتين،والمُنغلقين من الإسبان وغير الإسبان الذين ينكرون على الحضارة الإسلامية إشعاعَها، وتألقَها،وتفوّقَها، والأوج الذي ادركته على إمتداد تاريخها الطويل فى مختلف الأصقاع فى مشارق الأرض ومغاربها. كما أنّ غويتيسولو على غرار صديقه الكاتب الألماني الكبير الرّاحل مؤخّراً "غونتر غراس" معروف بمناصرته ودفاعه كذلك عن قضايا الإسلام والمسلمين، وعن القضية الفلسطينية على وجه الخصوص. ومعروف أنه لخوان غويتيسولو يؤول الفضل،من جانبٍ آخر، فى أن تصبح" ساحة جامع الفنا" الشهيرة بمدينة مرّاكش تراثاً إنسانياً شفويّاً لا مادياً من طرف منظمة اليونسكو العالمية منذ 18 مايو (أيار) من عام 2001 .
إسبانيا والحضارة الإسلاميّة
يدافع الكاتب خوان غويتيسولو دائماً عن مغزى التداخل والتكامل الثقافيين عكس ما يحدث في إسبانيا في الوقت الرّاهن من ميولات إقليمية وإنفصالية منكمشة ومنغلقة على نفسها، إلاّ أنّ غاية تدخّلاته وتصريحاته في هذا القبيل لم تكن مفهومة بما فيه الكفاية. إنّه يشير في هذا الصدد" إلى أنّ الدفاع عن التعدّد الثقافي والتنوّع الفكري أو تعدّد قنوات الثقافات القائمة في محيط بلد مّا شيء، وإقامة حواجز بين هذه الثقافات وتصنيفيها في حيازة فرضيات ذات مضامين معّينة وطنية أو محليّة شيء آخر مخالف للسّابق. إنّ ثقافة من هذا القبيل منكمشة على نفسها لهي ثقافة مُنكِرة لوجود سواها من الثقافات وإشعاعاتها، فالتزوير المتعمّد للماضي التاريخي، و تشذيب أو حذف أو التغاضي عن كلّ ما هو أجنبي من الثقافات، من شأنه أن يفقر أو يفسد الحقيقة في حدّ ذاتها. كما أنّ ذلك يشكّل حاجزاً يقف حجرعثرة في سبيل التداخل المتناغم للثقافات. إنّ المثال الأعلى للفكر التعدّدي هو أن يكون فكراً متقبّلاً ومفتوحاً خلاّقا. وإنطلاقاً من هذا المفهوم، فإنّنا نورّط أنفسنا ونجعلها تغيّر موقعها الحقيقي من تاريخ إسبانيا. إنّ النيّة المبّيتة التي تجرّد جميع تلك المُعطيات من عناصرها الصالحة بشكل تعسّفي لهويّة وطنية مّا ، لهي نيّة تتّسم بنظرة ضيّقة وهامشية ومنغلقة، ذلك أنّ تاريخ أيّ شعب إنّما هو خلاصةُ التمازج الحضاري والتأثيرات الخارجية التي إستقبلها وهضمها، وإسبانيا خير مثال للبلدان التي إستفادت بشكل إيجابي مباشروكبير من الحضارة العربية الإسلامية التي تألقت، وازدهرت، وبلغت أوجها فوق ترابها زهاء ثمانية قرون ونيّف ، بالعطاءات الثرّة والخلق والإبداع في مختلف مجالات الحياة التي ما زالت تطبع الحياة الإسبانية، وتميّزها عن سواها حتى اليوم .
أعماله وإبداعاته
وُلد خوان غويتيسولو برشلونة عام 1931 ،وبدأ يكتب القصص والرّوايات منذ سنّ 23 سنة (عام 1954 ) وتحمل أولى رواياته عنوان " لعبة الأيدي" التي وضعته فى ذلك الإبّان فى مصافّ كتّاب الواقعية السّحرية غداة الحرب ، إستقر فى باريس منذ عام 1956 ،وبعد أن إنتقل بين كوبا ومدينة ألميرية الإسبانية ، بدأ فى كتابة نوع جديد من الإبداع الرّوائي الذي سوف يتميّز به منذ ظهور روايته الشّهيرة " علامات هويّة" عام 1966 التي يقدّم فيها نظرةَ مَضَضٍ وتقزّزٍ عن إسبانيا على عهد الجنرال فرانكو على لسان " ألفارو ميننديولا" الذ كان فى الواقع يعبّر، وينطق باسم الأنا الآخر للكاتب نفسه .
ومنذ أوائل الثمانينات من القرن المنصرم إنتقل خوان غويتيسولو لإقامته الدائمة التي حدّدها بين مديني باريس ومرّاكش حيث إستقر بصفة دائمة فى المدينة المغربية منذ عام ، 1996والتي أهداها روايته الكبرى " مقبرة" (1980)، ومن أعماله الأخرى : "الإشارات"،و" صراع فى الجنّة"، و"السيرك" و"الجزيرة" و"نهاية الحفل" و"عناوين هويّة"و"دون خوليان"و" خوان بلا أرض" و"فضائل الطائر المنعزل" و"أسابيع الحديقة"و"ستارة الفم" و"فى ممالك الطوائف"(مذكّرات) وسواها من الأعمال الإبداعية الأخرى فى مثل "لمحة بعد المعركة" ، وملحمة ماركس"،و" موقع المواقع" ،حيث تمتزج فى هذه الأعمال جميعها هواجسُ الحياة ،وتداخل الأزمنة، وتوارد، وتواترالأصوات ، والتصوّف ،والأبيات الشعرية العائدة لأرثيبيستي دي هيتا، وإشكاليات الهجرة ،وتطوّر اليسار بعد سقوط جدار برلين، وحرب البلقان، والعالم العربي والإسلامي . يضاف إلى ذلك أعمال شكلت سيرته الذاتية أو مذكراته مثل " منطقة محظورة" ، ومن أشهر كتبه في العالم العربي هو كتابه المُترجم للغة العربية إسبانيا في مواجهة التاريخ.. فكّ العقد حيث يُدافع فيه عن الثقافة العربية، ودورها في التقريب بين الشعوب وسواها من الأعمال الإبداعية الاخرى.
وهو حاصل على جائزة "فورمينتور"الدّولية الأدبية لعام 2012 ، وكذلك على أكبر جائزة أدبية في أوربا، وهي"أورباليا" التي تُمنح ببروكسيل ، والتي تُعتبر بمثابة نوبل في الآداب الأوربية ، وعلى جائزة "أوكتافيو باث" فى الآداب، وعلى جائزة "الأدب الأمريكي اللاتيني والكرايب خوان رولفو" ،وعلى "الجائزة الوطنية للآداب الإسبانية" و"جائزة "بلانيطا " الإسبانية كذلك ،بالإضافة للعديد من الجوائز الأدبية الرّفيعة الأخرى فى مختلف بلدان العالم . ومنذعام 2007 أصبحت المكتبة التابعة لمعهد سيرفانطيس بمدينة طنجة تحمل إسمه تكريماً له ولإبداعاته المتميّزة . وتمنح جائزة " سيرفانتيس" الإدبية الكبرى بالتناوب لكتّاب من إسبانيا، وبلدان أمريكا اللاتينية الناطقة باللغة الإسبانية ،ومن الأدباء الكبار الذين حصدوا هذه الجائزة :خورخي لويس بورخيس، وماريا ثامبرانو، وكاميلو خوسّيه ثيلا، وماريو برغاس يوسا، ( كلاهما حاصلان على نوبل فى الآداب كذلك) داماسو ألونسو، كارلوس فويتنتيس، أليخو كاربنتير، رفائيل ألبرتي ،إلينا بونياتوسكا ،وآخرون.
*عضو الأكاديمية الإسبانية الأمريكية للآداب والعلوم - بوغوطا- (كولومبيا).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.