الحديث عن السينما بالمغرب يفترض من الدارس ان يضع نصب عينيه عددا من المعطيات والأمور التي لا يصح الحديث إلا بها،فالانطلاق من الوضعية الراهنة للفن السابع ببلادنا وحجم الأزمة التي يعيشها،تجعلنا نطلق عددا من التساؤلات من قبيل لماذا تعيش السينما المغربية في أزمة خانقة وهي في عز شبابها؟ لماذا تطورت السينما في بلدان منغلقة وليست لها مثل الظروف الجغرافية والسوسيو ثقافية التي يمتلكها المغرب في حين ان سينمانا الوطنية تعيش في فراش المرض؟ما السبب في كون السينما المغربية تبدو وكأن حبال تواصلها مع المشاهد المغربي مقطوعة،بحيث أنها تعيش في كوكب والمتلقي المغربي يعيش في كوكب آخر؟ الحديث عن أزمة السينما بالمغرب،يحيلنا بطبيعة الحال الى الغوص في متاهات السينما،لتكون الانطلاقة بالدراسات النقدية المغربية التي تناقش القضايا السينمائية ودورها في تدعيم أرضية صلبة تمكن المشاهد المغربي من معرفة خبايا السينما. ان غياب الصراحة ومحدودية الموضوعية التي نعالج بها القضايا السينمائية المغربية كانت من الأمور التي زادت من تعميق الأزمة بدل دراستها ومحاولة حلها،فاغلب الدراسات السينمائية المغربية قليلا ما تنحوا منحى التبسيط وشرح الموضوع بقدر ما تزيد من تعقيد دراسة الممارسة السينمائية لدرجة انك ان أردت ان تقرا نقدا مغربيا لفيلم ما،عليك ان تكون بارعا في قواعد البلاغة والمفاهيم الفلسفية والنظريات الأدبية،فدراسة فيلم ما في المغرب قصد الوقوف على مكامن الخلل فيه أمر نادر جدا،لان الكثير من نقادنا يجعلون من بعض أفلامنا تظهر كما لو أنها تحف سينمائية خالدة يمجدونها بألفاظ لا يفهمها القارئ المغربي،الذي يفاجأ عندما يتابع مقالاتهم بعكس ما شاهده في الفيلم،فهو يجد ان هذا الأخير لا يشبع متعته السينمائية في حين يلبسه بعض النقاد ثوب الإبداع الذي هو بريء منه براءة الذئب من دم يوسف.. فرغم وجود جمعية بالمغرب اسمها "جمعية نقاد السينما بالمغرب"،إلا ان دورها ضعيف جدا في عملية توجيه المتلقي وتقديم إجابات شافية لأسئلته المتكررة،فللأسف،بعض النقاد المنضوون تحت لوائها تركوا ما يسمى بالنقد -الذي هو إظهار الايجابيات والسلبيات مع تعليلها بكل حياد-،إلى شيء آخر اسمه التهليل والتمجيد لعدد من الأعمال السينمائية التي تربطهم بصانعيها علاقات قوية،وهكذا وعوض الحديث بكل موضوعية عن الفيلم السينمائي،يصير بعض نقادنا مجرد أبواق للدعاية المجانية لكثير من الافلام التي لا علاقة لها لا بالفن ولا بالإبداع. طبعا،لا يخفى علينا ان النقد السينمائي بالمغرب لم يصل إلى نظيره عند بلدان تطورت صناعتها السينمائية كثيرا،ففي أوربا مثلا، يتم تقديم أجور للنقاد لكي يقدموا آرائهم بكل صراحة،فهم يشتغلون في الصحف وفي القنوات التلفزية والإذاعية وفي المواقع السينمائية الالكترونية،هكذا،يثق المشاهد الغربي بآرائهم وكثيرا ما يتخذها منارة توجهه في عملية مشاهدة الافلام،أما نحن في المغرب،فالدراسة السينمائية الجادة والحقيقية لا تعود على صاحبها بأي نفع مادي،بل وأكثر من ذلك،تجعله في مواجهة اللوبي السينمائي القوي بالمغرب الذي لا يعترف بشيء اسمه الاختلاف،وهكذا،فعدم وجود قوانين تحفظ النقد السينمائي وتعطيه حقه الكامل من النفع المادي والمعنوي هو ما يجعل الكثير من نقادنا يتحولون إلى الجانب الآخر،لتصير مقالاتهم مجرد منشورات اشهارية تتغنى بالفيلم،بل ويصيرون في كثير من الأحيان محاميو دفاع عن "خبيزاتهم" كما فعل بعضهم ضد جريدة المساء في حربها مع مدير المركز السينمائي المغربي،بسبب تقرير المجلس الأعلى للحسابات. هناك موقع عالمي شهير اسمه أل imdb.com ،وهو موقع يختص بتقييم الافلام وإعطائها نقطة تتراوح من 1 إلى 10،طبعا جماهير هذا الموقع هي المكلفة بالتصويت،ويتم اخذ التصويت بعملية موضوعية تستبعد التقييمات القائمة على العاطفة،ففي هذا الموقع،تجد الجماهير تعبر عن آرائها بكل صراحة وتقدم أفكارها عن الافلام بكل حرية،بل وأكثر من ذلك،تجد كذلك تقييمات النقاد الذين يكتبون مقالاتهم بطريقة سهلة تمكن كل متتبع للسينما من معرفة هل الفيلم يستحق المشاهدة أم يستحقها فقط لملء وقت فراغ،فمثل هذه المواقع تقوم بعملية توجيهية كبيرة لكل عشاق الفن السابع،وهو الأمر الغائب عندنا في المنطقة العربية عامة وفي المغرب خاصة.. أزمة النقد السينمائي بالمغرب من الممكن تلمسها ان نحن نظرنا إلى كمية المنشورات التي يصدرها النقاد بالمغرب،وكمثال على ذلك مجلة "سينما" التي تصدرها جمعية نقاد السينما بالمغرب،توقفت عن الصدور عند العدد العاشر الذي اصدر سنة 2008،بالإضافة إلى مجلات أخرى توقفت،ففي الوقت الراهن،توجد مجلة وحيدة متخصصة في السينما وهي مجلة تنشر باللغة الفرنسية اسمها "cinémag"،يبلغ ثمنها تقريبا 40 درهما وتصدر مرة كل 3 أشهر،أما في الصحف،فنادر ما تجد مقالا عن فيلم مغربي ما يتناول القضية السينمائية بالتحليل والتحميص،وحتى ان وجدته،فأنت تجد مجرد مقال انطباعي لا يسد رمق الجائع للمعرفة السينمائية.. مشكلة النقد السينمائي بالمغرب تتخطى مجال المنشورات والمقالات لتصل إلى الميدان السمعي-البصري،فرغم وجود قناة متخصصة بالفن السابع وهي "افلام تيفي"،إلا ان رزمانة برامجها خالية تقريبا من أي برنامج محلي يعالج القضايا السينمائية المغربية،والأكثر من ذلك،حتى البرامج التلفزية التي تتناول من حين لآخر قضايا سينمائية كبرنامج مباشرة معكم الذي تناول موضوع رهان السينما المغربية عقب انتهاء مهرجان الفيلم الوطني بطنجة،تظهر هذه البرامج عاجزة عن الكلام بكل موضوعية وبكل حيادية عن الواقع السينمائي،ففي تلك الحلقة من "مباشرة معكم"،فشل اغلب المتدخلين رغم أسمائهم الرنانة في تقديم أجوبة حقيقية لتساؤلات المشاهدين والتي تنصب على تفسير هذا العجز الذي يحدث للسينما المغربية وهي لا تزال في ثوب العروس،فتاه المتدخلون في الأجوبة وبلغ نقاشهم الدرجة الصفر من الموضوعية لان كل واحد منهم كان خائفا من الحديث الصريح كي لا يجرح من يجلس بقربه.. خلاصة القول،ان للنقد وظيفة ضرورية في عملية تطور المنتوج السينمائي،لان هذا الأخير يحتاج دائما إلى من يوجهه ومن يدفعه للمضي إلى الإمام،لان الناقد الحقيقي لا ينتقد إلا عندما يجد ان الفيلم فشل في بعض مقاصده،وهذا الانتقاد ليس من اجل بخس قيمة العمل الفني بل من اجل تشجيعه على تجاوز الأخطاء وتطوير ملكاته،كما ان الناقد الحقيقي لا يمدح إلا عندما يجد ان المحاولة السينمائية استطاعت ان تحقق للمشاهد عناصر الفرجة السينمائية بكل متعتها وإفادتها، ،فالنقد الحقيقي يبتعد عن التهجم اللا موضوعي على افلام تعب القائمون عليها في صناعتها،ولا يقوم أيضا بتبجيل هذه الافلام ووضعها في مصاف ليس في مقامها،فالإبداع لا يضره فقط النقد السلبي المبالغ،ولكن يضره أيضا النقد الايجابي المضخم،لأنه يقتله كما يقتل الطعام الكثير معدة رضيع لا تتسع إلا للجزء اليسير من الأكل.. فهل سيتوقف بعض نقادنا عن إطعام أفلامنا ما لا تستحقه من الإشادة و التمجيد،أو بتعبير آخر، هل سيتوقف هؤلاء عن ضرب "الطر" لأفلام أصحابهم؟؟ أتمنى ذلك... [email protected] http://www.facebook.com/people/Ismail-Azzam/568799586