في قراءةِ بعنوان ( نقاد القصّ, واللصق, تطاولٌ على النقدّ, وعبثٌ بالثقافة السينمائية), كتبتُ عن إحدى حالات الإنتحال, واليوم, سوف أستعرض واحدةً أخرى مُغايرة تماماً عن سابقتها, فصاحبها شخصٌ مغرومٌ, شغوفٌ, مواظبٌ, ومتابعٌ للسينما مشاهدةً, وقراءةً, ويمتلك تاريخاً صحفياً طويلاً, وحضوراً واضحاً في الكثير من التظاهرات, والمهرجانات السينمائية العربية, والأجنبية, وكتب مساهماته في الكثير من المنابر الصحفية, ومنذ شهر أغسطس 2005 , بدأ يمارس نشاطه من خلال (مُدونة شخصية), هي واحدةٌ من المُدونات, والمواقع السينمائية العربية القليلة جداً . وعلى الرغم من المُميزات, والخصال التي أدرجتها, إلاّ أن متابعة كتاباته دفعتني مُرغماً للتفكير بمن يَكتبَ عن السينما, وما يُكتبَ عنها, لأجد نفسي أشارك آخرين في طرح تساؤلات عن معنى (النقد), ومن هو(الناقد السينمائيّ) . بدايةً, من المُفيد التعرّف على آراء هذا الصحفي, ولهذا الغرض, سوف أستعير فقرات من حوار أجراه معه (عبد العليم البناء), ونُشر في موقع (الزوراء). ولايختلف إثنان على الفحوى الظاهريّ العامّ لوجهات نظره, ومع ذلك, يجب التوقف عند إشارات صحفيّ يفترضُ نفسه(مُنظّراً) سينمائياً, فهو يقول : (لا يمكن أن نطلق على أغلب ما يُكتب في الصحافة بأنه نقداً سينمائياً). وإنطلاقاً من هذا التصريح النرجسيّ الفاضح, أجدني أتسلّح بدراستي الأكاديمية, وبخبرتي في هذا المجال للكشف عن ظاهرة أخرى لا تقلّ خطورةً, وضرراً عن الإنتحال, والنقل, والقصّ, واللصق في الثقافة السينمائية العربية. إن شخصاً ما يرغب بأن يقترن إسمه بصفة (ناقد سينمائيّ), لا يختبئ خلف تعميمات من نوع : (أغلب ما يُكتب في الصحافة ليس نقداً سينمائياً). حيث تمتلئ المنابر الإعلامية, على إختلاف أنواعها, بكتابات تندرج في إطار (الصحافة السينمائية), وتتناول السينما بأشكال مختلفة, من الخبر الصحفي, إلى الدراسات السينمائية المُعمّقة, مروراً بالمُتابعات, والتقارير, والمقالات, .. يكتبها البعض بجدية, وآخرون بإستخفاف(وإرتزاق), ولكنّ تلك المنابر نفسها تزخر بكتابات جديرة بالقراءة, ولا يمكن أن يتجاهلها أحد, وهي في مجموعها تؤدي دوراً ما : خبرياً, تثقيفياُ, تعليمياً, أو تربوياً,... ومن التعسّف جمع كلّ هذه الكتابات في رأيّ واحد, وتتطلب الشجاعة المهنيةً الإبتعاد عن التعميم, والإفتراضات الجاهلة بالموضوع نفسه. الكتابة عن السينما, لمن يرغب, ليست مشكلةٌ في حدّ ذاتها, ولكنّ الإشكالية الحقيقية, والمُؤثرة سلباً على الثقافة السينمائية, هي بالتحديد إدّعاء صفة (الناقد السينمائي), بدون إمتلاك الحدّ الأدنى لمُمارسة هذا النشاط النقديّ. في نفس الحوار, يُشير هذا الصحفيّ بأنّ : (النقد السينمائي هو الذي يفهم السينما لا كوسيلة من وسائل الترفيه..). لا يوجد ناقدٌ سينمائيّ واحدٌ يكتب عن السينما إنطلاقاً من(مفهوم الترفيه), وتتطلب الدقة التفريق ما بين صحفيّ يُهللُ لسينما رديئة (هي جيدة من وجهة نظره), وآخرٌ , ربما يكون أكثر تذوقاً, فيُحللُ الأفلام, ويكشفُ مستواها المُتواضع (من وجهة نظره أيضاً). ولكن, من يفترض نفسه ناقداً سينمائياً, لايكتب ثرثرةً من نوع : (النقد السينمائي هو الذي يفهم السينما لا كوسيلة من وسائل الترفيه, على الرغم من أن ذلك متحقق في السينما الخالصة). وفيها تتجسّد خطورة كتابات مُتسّرعة تُشوه مفاهيم, ومصطلحات معروفة, ومتداولة في الثقافة السينمائية. (الترفيه متحققٌ في السينما الخالصة). ماهو المقصود من (السينما الخالصة) ؟ يمتلكُ هذا الصحفي ربما فكرةً ما في رأسه لم يستطع إيصالها, وهي (مُشوّهةٌ) لثقافة القارئ العاديّ, و(مُشوّشةٌ) للمُتخصص, لأنّ معنى (السينما الخالصة/Le cinéma pur) بعيدٌ تماماً عن تصورات هذا الصحفيّ, وعن أيّ (ترفيهِ) يفترضه فيها. يقول الباحث الفرنسيّ (دومنيك نوغيز) في كتابه (إحتفاء بالسينما التجريبية) : نُطلق أحياناً على (السينما التجريبيّة) أسماء مثل (سينما فنّ), أو (سينما الفنّ )، والتي شاعت في العشرينيّات، وأيضاً (سينما صافية/خالصة)، (سينما كاملة/تامّة)، (سينما مُطلقة)، (سينما ذاتيّة/جوهريّة/أساسيّة/أصيلة),••• حيث نستدلُّ من خلال هذه التسميّات على رغبةٍ واحدةٍ, هي الإقتراب من جوهر هذه (السينما), وقوامها . وبغضّ النظر عن إستخدام مصطلحات في غير محلها, وتشويه معانيها, فإنّ المفهوم القاصر, والساذج عن السينما ينزع عنها وظيفتها(وإستخداماتها) الأولى تاريخياً كوسيلة (ترفيه), فقد كان العرض الجماهيري الأول في إحدى مقاهي باريس, ومن ثم إنتشرت في مدن الملاهي, وكان المتفرج يذهب لمُشاهدة الأفلام الأولى بهدف (التسلية) لا أكثر, وكان على السينما الإنتظار لسنوات كثيرة حتى يستخدمها السينمائيون لأهداف أخرى .. والجهل بالسينما نفسها, وأنواعها المُختلفة, يحصرها كأداة : (تفكير في مشاكل, ومتناقضات المجتمعات الانسانية الجديدة من أزمات, وحروب, وتلوث, وأمراض...) . لماذا يتحتمّ على السينما بأن تكون محصورةً (فقط) في المشاكل, والمُتناقضات, والأزمات والحروب, والتلوث, والأمراض..؟ ألا يمكن لها (وهي تفعل) تجسيد الجانب المُضئ للمُجتمعات الإنسانية الجديدة, والقديمة : التوافق, السلام, الحبّ, الفرح, الوئام, ...وحتى الهواجس الشخصية, والجمالية ؟. من جهة أخرى, ألا يتسوّل هذا الصحفي دوراً فاقعاً في مبالغته, عندما يقول : (الكتابة عن السينما تعني ترسيخ رؤيا, وفلسفة, أيّ رؤيا في الحياة, وفلسفة للواقع..). ومن العبث تحميل النقد السينمائيّ أكثر من طاقته, ودوره, ووظيفته, ومع ذلك, سوف نبحثُ لاحقاً عن (الفلسفة, والرؤى) في كتاباته, وسوف نتحقق مما يفترضه في الناقد السينمائيّ (كي نفهم, ونحب السينما, ليس المطلوب فقط أن نحكي عن قصة الفيلم, وموضوعه....), والتي يكررها في متابعته للدورة السابعة لمهرجان الفيلم العربي في روتردام/2007, حيث يكتب (واجب النقاد ان يفتحوا من خلال كتاباتهم السينمائية لجبهات او طرق او زوايا جديدة لمشاهدة الفيلم وطرق تذوقه والاستمتاع به من خلال مناهج جديدة في القراءة السينمائية، بدلا من الحديث العقيم في كل مرة عن قصة وموضوع الفيلم), وذلك بقراءة مقتطفات من كتاباته الأحدث عن الدورة الستين لمهرجان كان السينمائي, وفيها لن يعثر القارئ على أكثر من ملخصات مُقتضبة للأفلام التي لم يُشاهدها بعد( حيث نُشر التقرير في صحيفة القبس الكويتية بتاريخ الاثنين 23 ابريل 2007), وأسلوباً لغوياً ركيكاً من نوع (ليالي العنبية للمخرج الصيني من هونغ كونغ ونج كار..). هل هو إسم المخرج الصينيّ, أم المقاطعة التي يسكن فيها ؟ . (يختتم المهرجان أعماله بعرض فيلم عصر الظلمات للمخرج الكندي دونيس اركاد الذي يواصل فيه تشريحه كما في فيلمه الأثير غزوات بربرية لمجتمعات الاستهلاك الغربية التي فقدت الروح بحسه الفكاهي العالي المعتاد، وتهكمه الساخر...). هل (مجتمعات الاستهلاك الغربية) هي (التي فقدت الروح بحسه الفكاهي العالي المعتاد، وتهكمه الساخر), أم هي إحالةُ إلى (الحسّ الفكاهي العالي المعتاد) للمخرج نفسه, وإسمه(دوني أركا Denis Arcand) , وليس( دونيس أركاد) كما كتبه هذا الصحفي الذي يعيش في باريس منذ أكثر من ربع قرن, ونسيّ بأن الفرنسيين, ومعهم سكان مقاطعة كيبك الكندية يدمغون حرف s , و d في آخر الإسم الأول, واللقب, وكي تلفظ الحروف الأخيرة من إسم هذا المخرج, يجب أن تنتهي بحرف E , وفي هذه الحالة, يصبح الإسم الأول مؤنثاً (دونيز). وللتاكيد على ضعف اللغة الفرنسية لهذا الصحفي, نجده في تقريره يترجم عنوان فيلم المخرجة الفرنسية (كاترين بريّيا) ب(عاشقة مُسنّة), وهي ترجمة حرفية لاعلاقة لها بالفيلم, أو الشخصية التي تؤديها الممثلة, والمخرجة الإيطالية(آسيا أرجنتو), والترجمة الأدقّ وُفق موضوع الفيلم, وأحداثه هي(عشيقةٌ قديمة), ومن يتقن الفرنسية, يعرف الفرق الكبير بين كلمتيّ عشيقة/ Maîtresse , وعاشقة/ Amoureuse . وفي نفس المجال, كيف يفهم القارئ العربي ترجمته السطحية لعنوان فيلم (كلود ليلوش) الجديد Roman de gare ب(رواية المحطة), وكان عليه التوضيح بأنها تلك القصص, والروايات الخفيفة,السهلة, البوليسية غالباً, والتي لاعلاقة لها بمحطة, أو قطارات. ولمزيد من الإكتشافات في تقرير هذا الصحفي, نقرأ : (يشارك في مسابقة المهرجان الرسمية 21 فيلما، ينتمي بعضها لسينما المؤلف، أي لبعض المخرجين المخضرمين الكبار- العتاولة,...). هل يقصد هنا بأنّ (سينما المؤلف) محصورة بالمخرجين (العتاولة) فقط, والشباب (العتالين) محرومين منها ؟ والطريف في الأمر, بأنه يُذيل تقريره بعبارة : (رجاء الإشارة إلى المصدر عند نقل المقال، أو الإشارة إليه، مع الشكر) مع أن ما كتبه مترجمٌ بكامله من الملف الصحفي المُتوفر باللغة الفرنسية, والإنكليزية في الموقع الرسميّ لمهرجان كان. ويستمر هذا الصحفيّ في التنظير حول نفس الفكرة : (كشفت لجنة تحكيم المسابقة الرسمية لمهرجان " كان " الستين برئاسة المخرج البريطاني الكبير ستيفن فرايرز عن انحياز واضح إلي سينما المؤلف – المصنوعة باليد في ورشة الابداع وتحمل هماً...). هل يتضمن هذا (الإنحياز الواضح لسينما المؤلف) معنىً سلبياً, أم إيجابياً ؟ وأتساءل, كيف يفهم القارئ العادي (وحتى المُتخصص) ماهو المقصود ب (سينما المؤلف المصنوعة باليد في ورشة الإبداع, وتحمل هماً,....وأفلامه التي تدخل في لحم المجتمع الأمريكي، كمن يشق بطيخا بسكين، لتكشف عن آلامه وأوجاعه..). هل هذه الصور الشعرية الرائعة, نقدٌ سينمائيّ, أم دردشة مقاهي ؟ وفي تلخيصه لحكاية الفيلم الروماني (أربعة أشهر, ثلاثة أسابيع, ويومان (لمخرجه(كريستيان مونجيو), يكتب : (يركز مخرج الفيلم -لضيق الميزانية على الاعتماد على تصوير مشاهد الفيلم من خلال اللقطة المشهدية الطويلة,...). ولو دققّ طالبٌ سنة أولى من أيّ معهد سينمائيّ بتلك الفقرة, لمنح درجة الصفر لكاتبها, ونصحه بالإكتفاء بمشاهدة الأفلام, والإبتعاد عن الكتابة, لأنه لايفهم من حرفيات السينما, وتقنياتها, وإستخداماتها شيئاً, فهو يخلط ما بين اللقطة, والمشهد, ويجمعهما في تحديد تقنيّ غير مفهوم. تقنياً, تبدأ (اللقطة) من لحظة دوران الكاميرا, وحتى توقفها, مهما كان طولها الزمني, وهي تشكل وحدةً مونتاجية(وإيقاعية) منفردة, أما (المشهد), فهو مجموع اللقطات المُشتركة في وحدةً مكانيةً/ زمانية. و(اللقطة المشهدية الطويلة) هي بالأحرى لقطةٌ مستمرةٌ, ومتواصلة, ويمكن أن تغطي مساحةً زمانية/مكانية واحدة, أو أكثر, وتُصوّر عادةً بكاميرا محمولة على الكتف(في حالة الكاميرات الصغيرة), أو جهاز ال(Steadycam), ولا تستخدم إطلاقاً بسبب (ضيق التكاليف), كما يكتب هذا الصحفيّ عن جهل, ويتحتمّ عليه أن يسأل أحد طلاب معاهد السينما, كي يعرف بأن إستخدام ال(Steadycam) مكلفٌ للغاية, ويتضمّن الإيجار اليوميّ للجهاز نفسه, وأجر التقنيّ /المُصور الذي يستخدمه( وهو عادةً غير المُصور الأساسيّ للفيلم), كما يتطلب هذا النوع من اللقطات إضاءةً معقدة لعموم المساحة المكانية التي تغطيها اللقطة, وإتقاناً كبيراً في الأداء, والحركة,..وذلك حرصاً على الوقت, والجهد, والفيلم الخام, لأنّ أيّ خطأ محتمل, سوف يضطر فريق العمل لإعادة تصويرها من جديد. وفي متابعة أخرى كتبها في (مدونته), يبدأها بالفقرة التالية : (تميزت الدورة الستين لمهرجان"كان " ب" تنوع " فائق و " حيوية" مدهشة، لتكون مسيرة للفرح داخل قاعات العرض وفي قصر المهرجان والشارع العام الملاصق للبحر الذي اندلقت فيه الحشود البشرية يا لطيف، وهي تنادي علي النجوم وتصرخ وتصيح مع المصورين، فيخيل إليك أنك في حضرة مولد من موالد أولياء الله الصالحين، يحتفل به من شدة الزحام في الصين الشعبية...). وفي تقرير آخر من نفس (المُدونة), يكتب : (يقوم الفرنسي ريمون دوباردون بتصوير دور العرض الصيفية فوق أسطح بيوتات الإسكندرية في فيلمه القصير بعنوان " ليالي الصيف " وهو فيلم من أفلام ال" خطف " كما أحب أن أسميها، التي تحاول الإمساك كما في قصة قصيرة لتشيكوف او موباسان، بتوهج الحياة ذاتها في لحظة، لكنها تشحن هذه اللحظة بكل معاني ودلالات الحياة تلك التي تجعل حياتنا جديرة بأن تعاش، ومن دون مط وتطويل وثرثرة فارغة كما في جل أفلامنا المصرية العقيمة الركيكة التافهة..أي أنها تطرح هنا " خطف " تطرح فكرة ذلك "الوميض" الخفي، الذي يبرق بحب ومجد الحياة في نهاية النفق المظلم لواقعنا وبكل مافيه من تناقضات وأزمات وتشوهات وتلوث وحروب..وقد نجح دوباردون من خلال فيلمه أن يسرق لحظات من الماضي الذي عاشه في الثغر الجميل وهو يصور حاضر تلك السينمات علي "شط إسكندرية " كما تنشد فيروز في الهواء الطلق، وتلك الحميمية التي ارتبطت في أذهاننا بفكرة السينما او القاعة التي توحدنا مع الأصدقاء والصحاب وتجمعنا من خلال عملية مشاهدة الفيلم الجماعية بالسماء، وآه كم شهدت تلك القاعات من قصص حب وقبلات مختلسة في ظلام القاعة، وتسمعنا فيها إلي تنهدات وآهات وذرف دموع لحبيب..). وفي نفس التقرير نقرأ : (..لكن يبدو أن مخرجنا الكبير يوسف شاهين للأسف لم يفهم المقصود فذهب في فيلمه مذهب بعض المخرجين، الذين شاركوا في صنع " لكل سينماه " واستغلوها معه فرصة للحديث عن ذواتهم بشكل نرجسي مقرف ومقيت ومعيب..حيث يحكي شاهين في فيلمه يافرحتي عن مجد شاهين وعظمة شاهين، فيظهر لنا في فيلمه القصير بعنوان " بعدها بسبعة وأربعين عاما " في صورة شاب ينتظر في قاعة العرض في كان منذ 47 عاما، ينتظر أن تحضر إليه زوجته، وتخبره إن كانت الصحافة الفرنسية التي تتابع أفلام المهرجان كتبت شيئا عن فيلمه، ويتحسر بالطبع في تلك اللقطة التمثيلية، عندما تخبره زوجته بأنها كتبت فقط أنه سيعرض في برنامج المهرجان بعد فيلم مكسيكي ولم تكتب أي شيء آخر عن الفيلم وفي اللقطة التالية – لقطة تسجيلية - تظهر النجمة الفرنسية إيزابيل أدجاني لتعلن فوز شاهين بجائزة مهرجان " كان " الخمسين لمجمل أعماله التي عبرت عن التسامح، ويظهر شاهين في تلك اللقطة التسجيلية لكي يحيي جمهور القاعة، ويلوح بيديه منتصرا، وقد جعل هذا الفيلم جمهور مهرجان " كان " في دورته الستين يضحك علي شاهين وتخريفه.. ). وأترك القارئ يستنتج بنفسه إن كانت تلك الفقرات نقداً سينمائياًّ, أم ثرثرةً, ودردشة مقاهي, وهي في أفضل الأحوال تلخيصاً مقتضباً للأفلام, مع أنه كتب : (ليس المطلوب فقط أن نحكي عن قصة الفيلم, وموضوعه....) ؟ وبعد تلك الفقرات الإنشائية المُشابهة لما كنا نكتبه في مرحلة الإعدادية عن الربيع, والصيف, والشتاء, والمطر, ...فقد حان الوقت كي نكتشف تناقضات تنطيرية هنا, وهناك : وربما أعجزتني قدراتي الذهنية عن الفهم فيما إذا كان هذا الصحفي مع, أو ضدّ السينما التجارية, دعونا نقارن ما يكتب : (ستكون تحية وتكريم للسينما الأمريكية بشقيها الفني والتجاري، التي تمتعنا وتثقفنا في آن..) (في مواجهة السينما التجارية الامريكية الهوليوودية، التي لاتري في السينما سوي " تجارة " او بضاعة استهلاكية). حسناً, لقد كانت زلة لسان, ولكن, من المفيد التمّعن في الفقرة التالية : (كوينتين ترانتينو ..مولع في افلامه بالاحتفاء بتكريم افلام المعارك والحركة والسيف، والافلام البوليسية من الدرجة الثانية قليلة التكاليف SERIE B وابطالها واجوائها وموسيقاها ..ويكشف ترانتينو عن ذلك في افلامه التي يحيل ببعض مشاهدها الي تلك الافلام ويذكر من التذكير – بها، حتي صار يطلق عليه الآن في امريكا " ملك التسلية بلا منازع بعد ان ابتدع لنفسه " اسلوب " خاصا في صنع الافلام، وخلق للفيلم الامريكي الجديد شعبية ساحقة في امريكا والعالم ولا يعني هذا بالطبع اننا ندعو الي صنع افلام علي شاكلة الافلام التي يصنعها تارانتينو والتي تسلينا وتمتعنا حقا، لكنها تصدمنا ايضا احيانا، بدمويتها وعنفها). كقارئ عاديّ, لا يعرف من هو (تارانتينو), وأفلامه, سوف أفهم بأنه يحتفي بأفلام المعارك, والحركة, والسيف...يعني بالعربي الفصيح, يُنجز أفلاماً تجارية من الدرجة الثانية (افلام مقاولات), وسوف أفهم أيضاً بأنه (ملك التسلية), وهذا يدعوني لأن أُعيد نفس التساؤل : هل هذا الصحفي مع السينما التجارية, أم ضدها ؟ وطالما أنه معجبٌ ب(تارانتينو), وهو (ملك التسلية), لماذا كتب قبل ذلك (النقد السينمائي هو الذي يفهم السينما لا كوسيلة من وسائل الترفيه..) ؟ وكما لم أفهم موقف هذا الصحفي من السينما التجارية, والهوليوودية بالتحديد, فكيف أفسّر الفقرة التالية : (يعرض ستيفن سوديربيرغ خارج المسابقة فيلمه الجديد " اوشان 13 وتحضر " كان " ترسانة من نجوم الفيلم، تتربع علي عرش السينما والنجومية في هوليوود والعالم تضم جورج كلوني وجوليا روبرتس وكاترين زيتا جونز ومات دامون وبراد بيت وآندي جارسيا والعملاق آل باتشينو, فيفرش لهم " كان " سجادته الحمراء وهم يصعدون الي قصر المهرجان الكبير علي البحر، ويجعلنا نصفق معه لتلك السينما الامريكية التي صنعتنا...). وقبل الإعجاب إلى حدّ التصفيق بأحد الأفلام التجارية, ونجومها, كان عليه التمهل, والتدقيق في تقديم معلوماته الخبرية, حيث لم تشترك (جوليا روبرتس, وكاترين زيتا جونز) في هذا الفيلم, ولكنّ الأولى كانت في Ocean's 11 الذي بدأ عرضه في فرنسا بتاريخ 6 فبراير 2002, بينما إشتركت الإثنتان في Ocean's 12 الذي بدأ عرضه في فرنسا بتاريخ 16 ديسمبر 2004. *** تحت عنوان (سنكون ألعن من هتلر), كتب هذا الصحفي يوماً يردّ, ويردح من خلالها ناقداً سينمائياًّ آخر خالفه في الرأيّ, وإنتقد الخطة التحريرية لمُدونته, وتواضع كتاباته, وكشف عن بعض أكاذيبه, ومشاريعه الوهمية : (اننا اولاد بلد صحيح جدعان ودرسنا في الجامعة ونجيد عدة لغات تعلمنا كيف نتعامل مع الناس بود والفة وذوق لكننا تربينا في شوارع وحواري ...وأكلنا من التراب ونستطيع ان نتولي امر تلك الحرباء ونسلخها سلخا ..). وهنا, فإنني أتساءل عن الدواعي الأخلاقية, والمهنية للكتابة بنفس أسلوب شخصيات الأفلام المصرية التي يستهجنها. كان بإمكاني تجاهل كتابات هذا الصحفيّ, وتنظيراته عن النقد السينمائيّ, فهو ليس أول من كتب, ولن يكون آخرهم, لولا تلك الخطابات التي يُدبّجها في (مُدونته) من وقت إلى آخر, ظهر بعضها ومابزال, وإختفت أخرى في اليوم التالي بسبب الخوف من النتائج القضائية المُترتبة عنها, وقد طالت نقاداً, ومدراء مهرجانات, ومؤسّسات حكومية,... بلغة يتعففّ اللسان عن لفظها, والقلم عن كتابتها, وهي مناقضةٌ تماماً لما يكتبه عن الفنّ, والجمال, والموسيقى, والحرية, والديمقراطية,.. و(السينما التي تشبهنا). وإذّ يمتلك صحفيّ/أو ناقدٌ سينمائيّ هذه السلوكيات, والأخلاقيات, فلا عتبَ إذاً على اللمبي, وعوكل, وهمّام, وكركر,.... هامش : * النقد السينمائيّ, بين دردشة المقاهي, النصوص الإنشائية, وتلخيص الأفلام نموذج رقم (2) من بحثّ أرشيفيّ, واستقصائيّ لحال الثقافة السينمائية العربية المُعاصرة . صلاح سرميني باريس