عذْرًا معشر الرُّعاة إنْ جرى توظيفُ مهنتكمْ منْ وزيرنَا التقدمِي بسذاجَة، فهُو لمْ يدرِ أنَّ منْ يرعون الغنم في بوادينَا يقودُون قطعانهم إلى الكلأ ويسقونهَا قبل أنْ يعيدُوها آمنةً عند المسَاء إلى حظائرهَا، بخلاف شعبنا الذِي لا ينَال منْ رعاته سوَى العصا وينساقُ ضامرًا لا يأتِي حركةً، حتى إذَا ما جزُّوا صوفه وسلخُوا جلدهُ وعلقُوه هيكلًا في ذاكرة الوطن ! وزيرُ التشغيل الشؤُون الاجتماعيَّة، عبد السلام الصديقي، الذي يفترضُ أنَّه اشتغل أكاديميًّا لسنوات وقدمَ إلى المنصب منْ حزبٍ شيوعي يدركُ قيمَة الفلاح والعامل، نسيَ أنَّ البسطاء الذِين لا يقارنُون بوزارة سيادته، همْ من يخلقُون القيمة المضافة بثيرانهم ونعاجهم، ويؤمنُون فلاحَة بلاده، وموارد الخزينة، التِي يجبِي منهَا راتبه السمِين في آخر الشهر كيْ "يبرع" نفسه "ويبرع" أبناءهُ كمَا قال في لقَاء مع "ميدْ راديُو". المغاربة الذِين ذهلُوا منْ حديث وزيرٍ "تقدمِي" عن السيراجْ "والتبراعْ" و"عالِي المقام" يبدُون في الظاهر كمَا لوْ أنَّهم لا يعلمُون النحو الذِي ينظرُ به المسؤُولُون من حديثي العهد بالنعمة إلى أبناء الشعب، في حين لا يحتاجُ المرء عناءً لتبين تمثلات مسؤُولِي بلدان العالم الثالث عمن يقعُون تحت إمرتهم. ساستُنا يعرفُون جيدًا الشعب الذِي يتولون أمرهم، ولذلك تجدهم يتنافسُون في الأخذ بأسباب الشعبويَّة، فشعب لا زالَت نسبةُ الأميَّة فيه فلكيَّة، دُون الحديث عنْ أميَّة المتمدرسين وحملة الشهادات، قدْ يهبكَ صكَّ صدقٍ فقطْ إذَا ما رآك تجثُو على كرطونة زاعمًا أنكَ تصلِي لخالقك، وسيتغزلُ أبدَ الدهر بتواضعك إذَا ما التهمتَ طاجين بيصارة أمامه، رغم أنَّ رجال دولة كبارًا في الغرب المتحضر يركبُون الدراجات دُون أنْ تثير تصرفاتهم أيَّ ثناء منْ محكُومِيهم. "الوزير" التقدمِي حين كانَ يذكرُ الزميل الرمضانِي بأنَّه وزير، كانَ يعُود بذاكرته الشائخة إلى جملة ألفها المغاربة "عرفْ راسكْ مع منْ كتهضرْ"، لأنَّ لكلِّ مقامٍ مقالًا في فهمه، والحديثُ عنْ مواطن سارح لا يجبُ أنْ يوازِي الحديث إلى وزير، في حين كان بإمكانه أنْ يحتجَّ إذَا ما استشعر سوء أدب من محاوره، بطريقة حضاريَّة، لكنَّها عودَة الشيخ إلى صبَاه. سيدِي الوزير؛ لا تخشَ من تبعاتٍ ما تفوهت به، فلقدْ أسمعت لوْ ناديت حيًّا لكنْ لا حياة لمنْ تنادِي، لوْ كان هذا الشعب يرفضُ الإهانة والمساس به والنيلَ منْ رزقه، ما كانَ ليسكتَ عنْ دفعَ عرق جبينه بالملايين لكَ ولزملائك، في الوزارة كما في التقاعد وهو الذِي يجاهدُ في سبيل تأمين حياته البيولوجيَّة. لوْ كان هناك شعبٌ حيٌّ ما استطعتَ أنْ تجيبه وهو يسألك عن الحوار الاجتماعي بأنَّ علاقة الحكومة بالنقابات كتلك التِي تجمعُ الرجل بزوجته. لوْ لمْ يكن الشعب قطيعًا كما وصفته، لما كان كثيرٌ من السمان وذوِي البطُون المنتفخَة ممنْ تلتقيهم في ردهات الحكومة المكيفة، على كراسيهم الوثيرة، ولاضطرُّوا إلى أنْ يكسبُوا خبزهم من عرق الجبِين في القطعَان التي يرعونها، إنْ كانتْ لزملائك في الأصل القدرة على الركض أوْ الرعي. سيادَة الوزير "التقدمِي" لا حرجَ عليك في نظريَّة الرعي التي ابتدعتها، لكنْ حبذَا لوْ اقتنعتَ فقطْ أنَّ الرَّاعِي في حقُول بلدنا العالم – ثالثي رجلٌ أشرف ممَّن سواه، فهو لا يفطر في صباحه سوى من زيت زيتونه، ولا يلعقُ بوفيهاتْ الأسفار والمهمَّات المترفة، لا يبيعُ أوهامًا، ولا يعدُ أحدًا، لا يتاجرُ بمآسي الكادحِين، ولا هو يغيرُ زوجاتٍ كما يغيرُ المعاطف. الرَّاعِي بانعزاله في قريَّة لمْ تشقُّوا إليها طريقًا، وبأميَّته في ربوع لمْ تبنُوا بها مدرسة، وبهزاله في أراضٍ لمْ تقيمُوا بها مشفى، هو الضامنُ الوحِيد كيْ تتداعْوا على رزقه كمَا تتداعَى الأكلة على قصعتها، أمَّا لوْ أنَّه استيقظَ وفطن، فلكان الوضعُ مغايرًا، ولربما ما أوجدت نفسك في الرباط، فذر القطيعَ نائمًا ! https://www.facebook.com/syphax.tassammart