ليسَ العريُّ انكشافَ ساق امرأَة لقصرِ تنُّورة، ولا اندلاقَ نهدٍ من فستانِ سهرة، العريُّ هُو أنْ يستفيقَ المرءُ على وطنٍ خاله أفضلَ حالًا، وأقلَّ بؤسًا، فإذَا به يجزعُ ، مكتشفًا أنَّ المنضدَة التِي ألفَ القوم، إلقاء خطبهم وتحليلاتهم من فوقها، والماء المعدنِي مرصوصٌ أمامهم، باعتهم وهمًا وسرابًا ! الشهران الماضي والجارِي ليسا عاديَّين، ولا هي الأشهر التِي ستلِيهمَا كذلك؛ قمَّة عالميَّة لريادة الأعمال في مراكش، ومنتدى دولي لحقوق الإنسان بالمدينة نفسها، وكأسٌ عالميَّة للأنديَة في كرة القدم بالرِّباط، وندوةٌ أخرى دوليَّة الطابع حول الرأسمال غير المَادِي فِي الصحَّة؛ ومهرجانٌ دولي للسينما بعاصمة النخيل. بين منتدى كوني وندوة دولِية، صار عندنَا مهرجان عالمِي. ليسَ لأحدٍ أنْ ينكر إسهامَ احتضان بعض اللقاءات الدوليَّة في إشعاع البلد، وخدمة قضاياه، وجعل شخصيَّات ذات وزن تنزلُ بيننا، وتصغِي إلينا بعناية، لكن فلنكن صرحاء، هلْ نحنُ فِي مستوًى يؤهلنا لكلِّ هذه البهرجَة الإعلاميَّة، وهلْ نحنُ في سعةٍ من أمرنَا، حتَّى ننفق على القاعات والولائم وطائرات الضيوف ومقامهم، كيْ يعيشُوا ألف ليلةٍ وليلةٍ في الجانب المشرق من مدننا؟ لقد أنفقت الدَّولة المغربيَّة، مثلًا؛ اثنيْ عشر مليارًا على المنتدَى الدولِي لحقوق الإنسان، وعدَّتْ ذلك انتصارًا وهي تتغزلُ بمحاسنها، دون أن تدرِي أنَّ تحسين وجبة سجين، وتوزيع قرصَيْ أسبرين على مريض بالمغرب غير النافع، أجدَى لهَا، ما دامَت الدول الغربيَّة التي تترصدُ حتَّى مكالماتنَا، تدرِي أينَ نحنُ، ولا تحتاجُ أنْ نعرفهَا بمساراتنَا وكرامة الإنسان عندنَا. لقدْ صارتْ الدولة المغربيَّة متهافتةً على اللقاءات الدوليَّة بصورةٍ مثيرة للاستغراب، لكأنَّها تحاولُ أنْ تقنعَ الخارج باليقِين، وعلى عجل، أنَّنا حزنا الديمقرطيَّة والنماء والرخاء والتسامح والاعتدال، في خضمِّ ما يعتملُ من فوضَى عند الجيران، كلُّ شيءٍ باتَ مرهونًا عندنَا بالبيانات الختاميَّة والdata show، وجلسات الشايْ، وتبادل البطاقات الشخصيَّة، أمَّا الواقع فجميلٌ، لا يعادِيه سوى طابورٌ خامس، كمَا قال وزير الشبيبة والرياضة، وقدْ فضحتنَا "الكراطَة" ودلاء الصباغة بين العالمِين. مهمَا اجتهدَ المسؤُولون المغاربة في التمويه وأبدعُوا، ستظلُّ قطراتٌ قليلة من المطر، قادرة على نسفِ ما نسجوهُ، وتبديد كلِّ رواياتهم أمام الضيوف، لأنَّ من تنهارُ عندهُ مئات البيوت في قريةٍ من حجم ‘إفران الأطلس الصغير' فيبعثُ إليها بعشر إسفنجاتٍ للنوم وقوالب سكر، لا يمكن أنْ يقنع أبناءه، قبل الأغراب، أنَّهُ حريصٌ على الحقوق. لسنَا نستكثرُ على وطننَا أنْ تقَال فيه كلمةٌ طيِّبة، فإلى ثراه نؤُوب كلَّ يومٍ، ومع أبنائه نحيَا ونحبُّ ونبكِي ونحلم، كلُّ ما نريدُ هُو أنْ نغير وضعنَا قليلاً على الأرض، ولنمدحْ عندئذٍ حتى تبحَّ الحناجر. لا الغربُ الذِي يتجسسُ علينا صباح مساء غافلٌ فنخدعهُ، ولا المغاربة يعيشونَ في برجٍ عاجي فيصورَ المغرب لهم على غير ما يعرفُون، ولا هم بؤساؤنَا ينعتقُون منْ معاناتهم إذَا ما حاضرنَا في التنمية وحولناها إلى خطب، فعلَى منْ نضحكُ يا ترى؟ https://www.facebook.com/syphax.tassammart