نظمت منظمة تاماينوت فرع آنفا ندوة وطنية حول الأوراق السرية لبوكافر، بدار المحامي بالدارالبيضاء. اللقاء الذي حضره ثلة من المثقفين والباحثين ونشطاء الحركة الأمازيغية بالدارالبيضاء وعدد من المهتمين تمحور حول كتاب "أوراق بوكافر السرية" لميمون أم العيد. مؤلف الكتاب الذي صدر هذه السنة في طبعته الثانية قال في مداخلته أمام الحاضرين بقاعة دار المحامي إلى الهدف من هذا الكتاب ليس هو زج الأجيال الحالية في نقاشات تاريخية غير مجدية، وإنما الهدف هو تنقية التاريخ من الأسطورية ومن الشوائب ليكون تاريخا عاديا يُقرأ دون عُقد. وأضاف أم العيد أن الرواية الشفوية ليست دائما مُنصفة، "فكل قبيلة تمجد أبطالها وتنسب لهم كل الانتصارات وتصور الآخرين كخونة وشياطين، حتى اختلط الحق بالباطل وأصبح التفريق بينهما أمرا صعبا ومستحيلا". وزاد بأن "المجتمعات المتخلفة كلما شعرت بالانحطاط تبحث عن أمجاد وهمية في تاريخها كتعويض نفسي عن الانهزامات الحالية في الحاضر، لكن أوراق بُوكافر ككتاب تاريخي جاء لينزع تلك القدسية عن جزء من تاريخ الجنوب الشرقي، ليبين بأنه تاريخ انساني". واستطرد المتحدث أنّ معركة بوكافر "ليست معركة خاضها الملائكة ضد الشياطين، بل خاضها أُناس فيهم الذي صعد الجبل من أجل الدفاع عن أرضه ومنهم من خاضها من أجل تجارة يمارسها، أو من أجل امرأة يتزوجها، أو من أجل أهداف آنية يقضيها دون أن نغفل أن فيهم الذي صعد دفاعا عن أرضه ووطنه ودينه". صاحب "أوراق بُوكافر" تحدث بشكل مستفيض عن أهمية الأوراق التي نقلها من الفرنسية إلى العربية مذيّلة بشُروحات عن الأماكن والأشخاص في كتاب من 208 صفحة من الحجم المتوسط، موضحا أن "التقارير الاستخباراتية التي نقلها من مركز الأرشيف الدبلوماسي بمدينة نانت الفرنسية عن معركة بوكافر لم تُكتب أول مرة في 1933 بهدف أن يطّلع عليها الجميع، بل كتبت بهدف أن يتم إخبار الرؤساء بالوضع الميداني للمعركة بجبل بُوكافر". وأضاف أن المهم "هو ما يستفاد من المعركة، إذْ كانت معركة وحدت قبائل الجنوب الشرقي، فقد شاركت فيها قبائل أيت عطا وأيت مرغاد والشرفاء وإقبليين وإملوان وإڭرامن وغيرهم من القبائل وليست فقط ملحمة عطاوية فقط". واستطرد أن "البوكافريين" كانوا يعرفون عدوهم بشكل جيد لذلك حاربوه بكل عزم، متسائلا "هل الأجيال الحالية تعرف عدُوها الحقيقي، سيما وأن الحديث عن بوكافر ومعارك التحرير لا يعني بالضرورة أن نُحارب نفس الأعداء الذين كان أجدادنا يُحاربونهم؟". ومضى أم العيد قائلا "كل جيل عدو، ولكل جيل معركته التي عليه أن يخوضها بكل ثقة، ففرنسا لم تعد من أعدائنا، بل بات لنا أعداءٌ آخرون كالجهل والاستبداد والظلم والزبونية والمحسوبية وغير ذلك من الأعداء الذين لا تسلتزم مقاومتهم استعمال البارود وإراقة الدماء" بتعبير صاحب أوراق بوكافر السرية. وعن أرقام القتلى في معركة بوكافر أورد أم العيدمن التقارير ما تحدث عن كون المخبرين لم يعودوا يستطيعون حساب الموتى المغاربة لكن جسامة الخسائر تظهر في عدد النساء اللواتي يضعنا أثواب بيضاء على رؤسهن جرّاء فقدهن لأزواجهن. وفيما تنوعت مداخلات الأساتذة بقاعة دار المُحامي، إلا أنها توحدت في ضرورة مطالبة السلطات الفرنسية بالاعتراف أولا بجرائم الابادة التي ارتكبتها في معركة بوكافر ودعت مختلف الحقوقيين على صياغة مطلب حقوقي يطالب فرنسا بالاعتذار على ما فعلته في حرب بوكافر، وتعويض المتضررين وأبنائهم وحفدتهم، كمطلب أساسي للمصالحة مع التاريخ. الإعلامي يوسف أوزكيط أورد في مداخلته أمام الحاضرين أنه "بعد معركة بوكافر حينما بدأ تسجيل الألقاب (الكْنيات)، تم تسجيل أغلب أبناء المنطقة بأسماء النساء كأوبزّا، وأو هزّا و أويطّو وأُوخيرا وأُهرا وغيرها من أسماء النساء بالمنطقة بسبب استشهاد أغلب الرجال بالمنطقة في المعركة، مما جعل الناس ينادون الأطفال بأسماء الأرامل من أمهاتهم". أما رشيد بولخزين فقد تحدث "عن إجحاف التاريخ في حق الأعلام التاريخية المهمة بالمنطقة مشيدا بكتاب "أوراق بوكافر السرية" الذي ذكر أعلام المنطقة لأول مرة كأُخجيج الذي بُويع شيخا لأيت عطا بمعركة بوكافر وعمره 10 سنوات"، متحدثا بشكل مستفيض عن سيرة هذا الرجل الذي لعب دورا مهما في معركة بوكافر دون أن يأتي له ذكر في أي كتاب تاريخي دون أوراق بوكافر السرية و الرواية الشفوية.