"سأسرد عليكم قصة ليست من أسرار الدولة، بدليل أنني قرأتها في مجلة "جون أفريك"، ففي سنة 1993 والحوار على أشُدّه من أجل تجربة التناوب آنذاك، كان الأمين العام لحزب الاتحاد الاشتراكي قد غضب واعتزل، فكان اليازغي الكاتب الأول بالنيابة، هو الذي يشارك في اللقاءَات مع الملك الراحل الحسن الثاني. "ومن جملة ما طالب به اليازغي أن تكون الديمقراطية المغربية على شاكلة اليمن، فحسب مجلة "جون أفريك" رد الحسن الثاني على اليازغي بالقول: "لم تقل لي فرنسا، لم تقل لي اسبانيا، اليمن أسي اليازغي؟ اليمن؟". الكلام هنا لحسن أوريد الذي كان يتحدث أمام ثلة من الأساتذة الجامعيين والطلبة بقاعة إبراهيم الراضي ببلدية أكادير، على هامش تقديمه لقراءة في كتاب "أوراق بوكافر السرية" لميمون أم العيد، في لقاء نظمه مختبر البحث "المجتمعات الصحراوية" التابع لكلية الآداب بجامعة ابن زهر. المؤرخ السابق للمملكة سرد هذه القصة في سياق حديثه عما سماه "ارتباط جزء كبير من النخبة السياسية المغربية ذهنيا بالشرق، ودفاع هذه النخب عن قضايا الشرق، وتجاهل قضايا الداخل أحيانا". وأضاف أوريد قائلا "إن الدولة كانت أكثر واقعية من هذه النخب، فالملك الراحل الحسن الثاني كان يقول إن الدبلوماسية مجال محفوظ، ولا يمكن أن يعطيه لأي حزب كي لا تتضرر المصالح العليا للبلد". تغيّر العدو وتغيّر السلاح وأثناء قراءته لكتاب "أوراق بوكافر السرية"، قال أوريد إن "أهم ما في الكتاب، إلى جانب المعلومات التي تضمنتها الوثائق، هو تلك الاستنتاجات التي خلُص إليها الباحث أم العيد، ومنها ما يتعلق بضرورة تغيير نظرتنا للأمور، بسبب تغير الظرفية والسياقات." وأفاد أوريد بأن "مواجهة الأعداء يجب أن تتم بالعلم والمعرفة، وليس بنفس الأسلحة التي استعملها الأجداد"، مشيدا بفكرة الكتاب والبورتريهات التي رسمها الباحث بناءً على تقارير الاستخبارات الفرنسية لكل من عسو وباسلام وعدجو موح نايت خويا علي وأبوعلي.. "الناس لا تعود للتاريخ يقول أوريد إلا لأن قضايا الحاضر تؤرقها، فتستلهم هذا التاريخ وتنفض عنه الغبار، من أجل تصور جديد للمستقبل، فالأمم تصوغ مستقبلها، لكنه لا تصوغه من عدم، إذ تفتح صفحات مجهولة من تاريخها لتخلصها من النظرة الأسطورية، والشوائب الإيديولوجية لتصبح حافزا للسير قدما". ولم تقتصر مداخلة أوريد على معركة بوكافر، والوثائق التي جاء بها كتاب الصحفي ميمون أم العيد، بل انفتحت على كل ما له صلة بالمقاومة وحقبة الاستعمار، وطرح منظوره لمجموعة من القضايا المرتبطة بالحركة الوطنية، وتقديم وثيقة الاستقلال، والقومية العربية، والظهير البربري، وقضية عدي وبيهي، وغير ذلك. إكرام الميت دفنه وخلال حديثه عن النخب المغربية وارتباطها بالشرق، أفاد أوريد أن "القومية العربية لم تنجح في أي مجال، فهي فشلت في منظومة حقوق الإنسان، وفشلت في الديمقراطية، وفي التنمية، وفشلت في التعليم، فالقومية انتهت، وإكرام الميت دفنه". وزاد قائلا "التربية الجيدة هو أن تعلم ابنك اصطياد الأرانب في مرج يوجد فيه الأرانب، والتربية السيئة هو أن تعلم ابنك اصطياد الأرانب في مرج انقرض فيه الأرانب" وفق تعبير أوريد. وخلص الباحث إلى أنه "ينبغي أن نتجاوز شيئا اسمه الخطاب الهوياتي من أجل معانقة القيم الإنسانية، وهنا أذكّر بمقولة Jean Jaurès يبقى النهر وفيا للنبع عندما يصب في البحر"، بتعبير صاحب "سيرة حمار". الظهير البربري. وفي سياق حديثه عما يعرف تاريخيا بالظهير البربري، قال أوريد إن "القراءَات الموجودة حاليا لهذا الظهير قراءَات إيديولوجية، بينما هذا الظهير ليس سوى استمرارا لظهير سابق صدر سنة 1914، والذي يقر بالأعراف بالنسبة للقبائل الأمازيغية". وتابع بأن الشيء الجديد في هذا الظهير هو "أن الإدارة الاستعمارية حاولت أن تجعل أحكام الجماعات الأمازيغية ملزمة فيما يخص العقار، من أجل الاستفادة من أراضي الجماعات، وغير ذلك". ولفت الباحث إلى أن هناك شخصان لعبا دوار مهما في هذا الموضوع، وهما عبد اللطيف الصبيحي وعبد السلام بنونة، وكان شكيب أرسلان هو قوة الدفع على المستوى الخارجي"، مبرزا أن أرسلان اعترف في مراسلاته بأن الأمر يتعلق بدعاية سياسية..". "وتم الترويج بأن هدف فرنسا هو تنصير الأمازيغ، وقامت فرنسا بإرسال قدور بن غبري ليخبر الناس بأنه هذا كذب، وأن فرنسا دولة علمانية، ولا يمكن أن تشارك في تنصير الأمازيغ المسلمين" يورد أوريد. تصور جديد للاستقلال وقال أوريد إن "11 يناير نتاج مسار، لكن اللحظة الحاسمة قبل 11 يناير، هو لقاء أنفا بين السلطان سيدي محمد بن يوسف مع روزفيلت وتشرتشل، والأمريكون كانوا حريصين على أن يكون السلطان هو الذي يمثل المغرب، وليس المقيم العام". نفس المتحدث أردف أنه "إذا كان هناك إجماع مغربي على المطالبة بالاستقلال، فإن وثيقة الاستقلال تطالب بنموذج شبيه بالشرق العربي"، مبرزا أن الشق الأول من الوثيقة لا يناقش، لأن جميع المغاربة اتفقوا على الاستقلال، لكن الشق الثاني فيه نقاش، لأن هناك متغيرات دولية تستلزم تصورا جديد ببناء ما بعد الاستقلال. وزاد بأن "الذين قدموا وثيقة المطالبة بالاستقلال، وهم من مختلف أطياف الشعب المغربي يستحقون كل تقدير، لكن بالنسبة لتدبير مرحلة ما بعد الاستقلال يجب أن يُقرأَ وفق المتغيرات الحالية، وهذا ما أتفق فيه مع تصور "أوراق بوكافر السرية" بأن فرنسا ليست عدونا الآن، وأن لكل جيل معركته.."