تابع العديد من المغاربة الجلسة الشهرية بمجلس النواب لمساءلة رئيس الحكومة من لدن ممثلي الأمة، وهي الجلسة التي لم تكمل ساعتها الأولى حتى أعلن رئيس المجلس عن رفع الجلسة، بعدما اتهم بنكيران المعارضة بقول كلام السفاهة، وهو ما لم تتقبله الأخيرة وطالبت منه تقديم اعتدار عن دلك، لكنه رفض. وللإشارة فهده هي المرة الأولى التي فيها يتم رفع –توقف- جلسة دستورية قبل نهاية وقتها القانوني منذ تنصيب الحكومة سنة 2012. قبل انعقاد هذه الجلسة كانت هناك العديد من التكهنات التي تقول باتجاه رئيس الحكومة إلى تغيير أسلوب تعامله مع المعارضة وتغيير أسلوب خطابه واتجاهه إلى الهدوء أكثر منه إلى المواجهة، وذلك بعدما رفعت أحزاب المعارضة مذكرة للملك تشتكي فيها من تصرفات بنكيران –الخطيرة والمهددة- للديمقراطية، وتطلب فيها بالتحكيم الملكي بينها وبين بنكيران. وهي المذكرة التي أثارت جدلا فقهيا، حول دستوريتها من عدمه، كون الصراع بين الأحزاب السياسية لا يتطلب تدخلا ملكيا، وأن المعارضة والأغلبية لا تمثل مؤسسات دستورية بالمعنى الذي يتحدث عنه الفصل 42 من الدستور. وللإشارة فقد التقى مستشاري الملك برئيس الحكومة بعد تقديم هذه المذكرة، دون إصدار رئاسة الحكومة ولا الديوان الملكي لأي بيان توضيحي لمضامين هذا اللقاء، ما جعل الجميع يحاول التكهن بما جرى بين رئيس الحكومة ومستشاري الملك، وعن الرسائل التي بلغوها إياه، وبذلك تنبأ البعض في اتجاه ضغط المستشارين على بنكيران لتغيير أسلوبه مع المعارضة. المهم أن هذه الجلسة أتت مباشرة بعد هذا الحدث، ولربما فندت كل التكهنات، فبالإضافة إلى إعادة تأكيد بنكيران أن شعبيته وشعبة حكومته ترتفع ولا تنخفض، حاول بنكيران تبليغ العديد من الرسائل المشفرة إلى المعارضة وإلى عموم المواطن نحاول فكها كالأتي: 1- بنكيران لا يخضع للضغوط: حفاظ بنكيران على أسلوبه الاندفاعي والهجومي على المعارضة رسالة في حد ذاتها إلى كل الذين تنبئوا بإمكانية تغيير أسلوبه بعد مطالبة المعارضة بالتحكيم في هذا الشأن، واعتقاد الجميع أن هذه الجلسة ستمر في جو من الهدوء وأن طريقة تعامل بنكيران مع المعارضة ستتغير، وبالتالي فقد عمل بنكيران على الإبقاء على نفس أسلوبه إن لم نقل زاد شحنة أكثر. 2- بنكيران محصن بالدستور وبالقانون وليس بالديوان الملكي: الرسالة الثانية التي حرص بنكيران على تبليغها هي أنه لا يختبئ وراء القصر، وإنما الذي يحصنه ويحميه هو الدستور والقانون وليس بالديوان الملكي، بالرغم من عدم ذكره بالإسم لكن سياق الجلسة يسعف في الخروج بهذا الاستنتاج. وبالتالي فإنه خاضع للمحاسبة والمراقبة بناء على هذا المعيار وليس على غيره، وهو رد ضمني على المعارضة التي احتجت على بنكيران عبر الديوان الملكي، وكأنه يريد أن يقول بأن ما قامت به المعارضة مناف للدستور والقانون. 3- لا تحتجوا على الأشخاص لكن احتجوا على السلوكات: الرسالة الثالثة هي أن المعارضة متناقضة، تناهض سلوكات رئيس الحكومة ولا تنتبه لسلوكات مكوناتها، وهنا وجه رسالة مباشرة لرئيس الفريق الاشتراكي ادريس لشكر بالقول "ولماذا لم تحتج على صاحبك –شباط حميد- عندما اتهمني بالولاء لداعش والنصرة والمخابرات الاسرائيلية الموساد". بنكيران أراد من خلال هذه الرسالة أن يقول للمعارضة كل سيدفع ثمن أقواله –لازم تخلصوا- ويجب أن ينتبه الجميع لما يقول، وليس أن تلجموا لسان رئيس الحكومة لوحده فقط. 4- بنكيران يواجه المعارضة بأساليب مختلفة: من خلال تتبع خطاب رئيس الحكومة وطرق رده على المعارضة في هذه الجلسة يمكن تأكيد هذا الاستنتاج. فبنكيران لا يستعمل نفس الأسلوب مع المعارضة خاصة الأحزاب الثلاثة القوية –الأصالة والمعاصرة، الاستقلال، والاتحاد الاشتراكي- فعندما يخاطب حزب الأصالة والمعاصرة فهو يستهدف مشروع الحزب بكامله، لذلك يذكر الحزب بأصل نشأته وبأنه حزب سلطوي يمثل ويدافع عن مصالح الدولة العميقة، وأنه أصل تجاري فاسد ويريد التحكم، وأنه سبب خروج الناس للشارع... بينما عندما يواجه حزب الاستقلال فهو لا يضرب في المؤسسة بل يحاول الضرب في مصداقية أعضاءه واستهداف ذمتهم المالية، وربط مسارهم بالفساد المالي، والتنقيص من قيمة أمينه العام حميد شباط، والتأكيد على أنه سبب تأخر الاصلاحات وأنه حاول تفجير الحكومة من الداخل.... وأخيرا فبنكيران لا يزال لحد الآن يحافظ على الود مع حزب الاتحاد الاشتراكي، بالرغم من وجود بعض المناوشات لكنها لم تصل إلى درجة الأصالة والمعاصرة أو الاستقلال، أما حزب الاتحاد الدستوري فإنه لا يدخل في مناوشات مثل الأحزاب الأخرى، اللهم في بعض الأحيان في مجلس المستشارين، حيث لا تتوفر الحكومة على الأغلبية. تلكم بعض الرسائل المشفرة التي أمكن استناجها من جلسة الأسئلة الشهرية التي لم تكتمل، وأراد بنكيران أن يبعث بها للمعارضة أولا ولعموم المواطنين ثانيا.. -باحث في القانون العام والعلوم السياسية/ كلية الحقوق/ جامعة محمد الخامس بالرباط/ أكدال