إدراج قضية الصحراء تاريخيا ضمن المجال المحفوظ للملك، واعتياد الضمير الجمعوي المغربي على السياسة الرسمية للدولة في هذا الملف، بجعل قضية الصحراء أولوية الأولويات الوطنية، عوامل دفعت غالبية المشاركين في استطلاع رأي أجرته هسبريس للتصويت بنعم بشأن مشروع الحكم الذاتي. وصوت قطاع عريض من مرتادي جريدة هسبريس الإلكترونية بنسبة تزيد عن 67 في المائة، بنعم على سؤال "هل تعتقد أن مشروع الحكم الذاتي لا زال يمثل حلا لمشكل الصحراء؟"، وهي قناعة جاءت متناغمة وموقف الدولة التي تقدمت بهذه المبادرة كحل سياسي لنزاع الصحراء. نعم .. ترجيح للمصلحة الوطنية المحامي والخبير في القانون الدولي والهجرة، صبري الحو، أكد أن جزء من هذه القناعة تشكل عبر وسائل الإعلام العمومي، من مدخل أن الأحزاب السياسية لم تشارك في صياغة مبادرة الحكم الذاتي، بل دعيت لأن تتبناه دون كثير مناقشة ترجيحا لمقتضى المصلحة العامة". وأكد الخبير لهسبريس أن الاهتمام بقضية الصحراء لم يكن محط نقاش بأصوات متعددة، نظرا لحالة التكتم الشديد الذي صاحب عملية صياغة مضامينه، ولذلك انتظر الرأي العام الوطني ما تبلغه وسائل الإعلام العمومي الرسمي، الذي يعتبر شعبيا الناطق الرسمي باسم المؤسسة الملكية، ولذلك تبني قناعتها. وعليه، يؤكد الحو، يمكن القول إن الانتصار لمقترح الحكم الذاتي كحل لنزاع الصحراء يعتبر نوعا من ترجيح المصلحة الوطنية لدى عدد كبير من المشاركين في استطلاع الرأي، إسوة لما يتردد في الإعلام الرسمي الوطني، من ذكر الحكم الذاتي في برامجه ونشراته الإخبارية. عبد الفتاح الفاتحي، باحث متخصص في قضايا الصحراء والشؤون المغاربية، قال إن جزء من هذه القناعات تشكل بناء على عدد من النقاشات الفكرية والإعلامية، تعكس وجهة نظر باحثين ومهتمين يعتبرون مبادرة الحكم الذاتي مقاربة مثالية، أو على الأقل حلا أفضل أمام التحديات التي تتهدد ملف الوطنية. ولفت الفاتحي إلى أن بعض المصوتين ينطلقون من خلفية الانتصار للقضية الوطنية، سيما أنهم يتمثلون الحكم الذاتي كالجهوية، وهناك من يعتبره نسخة من نظام الجهوية الموسعة التي يحاول المغرب تطوير مضامينها، تجاوبا مع التحولات التي يعرفها المجتمع المغربي". وزاد المحلل ذاته بأن "مصوتين آخرين يعتمدون في تكوين قناعاتهم حول الحكم الذاتي، من خلال طرح يتمثل في أن هناك من هو أهل لأن يقترح مبادرة الحكم الذاتي، في إطار هامش الحرية التي يتمتع بها، لإدارة لعبة الصراع السياسي ضد خصوم الوحدة الترابية". ويتفق الخبيران المستجوبان على أن جزء مهما من قناعات المصوتين إيجابا لصالح مقترح الحكم الذاتي، يأتي من مدخل تنازل المصوتين برأيهم لصالح مرؤوسيهم بمقتضى العملية السياسية المدنية. ويبقى الحكم الذاتي بالنسبة لعدد من موجهي الرأي العام، مقاربة موضوعية لحل المعضلات السياسية والاجتماعية والتدبيرية، وفيما يخص القضايا الحقوقية، هناك من يعتبر أن مقاربة الحكم الذاتي تمرين جيد على أسلوب الحكامة الجديدة، ومعنى متطور لمفهوم السلطة الجديد. مصوتون لا يثقون بالحكم الذاتي وأوردت نتائج استطلاع الرأي ذاته أن 32 في المائة من المصوتين أعلنوا أنهم لا يثقون في مشروع الحكم الذاتي، وهي قناعة نسبها الحو إلى المؤطرين بإيديولوجية البوليساريو في مخيمات تندوف، وباقي المدن الجزائرية، خاصة أن موقع هسبريس يتابعه جزء كبير من هؤلاء المرتادين. وتابع الخبير بأنه يمكن أن نضيف إلى المصوتين بلا، أولئك الذين يعتبرون أن الحكم الذاتي تنازل يمس بقدسية الوحدة الترابية، حيث إن عددا من التعاليق أشارت إلى أنه لا مبرر لمنح الأقاليم الجنوبية حكما ذاتيا، لأن ذلك وضع تمييز غير طبيعي فيما بين أبناء البلد الواحد". الفاتيحي أرجع أهمية نسبة المصوتين بالسلب في الاستطلاع إلى شح المعطيات حول مقترح الحكم الذاتي، حتى إن العديدين تشكلت قناعتهم عبر باحثين ومحللين ودارسين، مشددا على ضرورة القيام بمجهودات كبيرة لإعادة الترويج لمبادرة الحكم الذاتي داخليا ودوليا. خلاصة ويبدو أن مقترح الحكم الذاتي قد تراجع أخيرا في خطابات الفاعلين السياسيين، ما يعطي الانطباع بأنه لم يعد خيارا جيدا لحل نزاع الصحراء، ويمكن القول إن الرأي العام الجماهيري، وعلى قدر جهله بالمقترح الذي قدمت مضامينه بشكل جد فضفاض، فإنه يكون قناعته بالتماهي مع خطاب الانتصار للمصالح العليا للوطن. وهذا المعطى لا ينفي أن مشروع الحكم الذاتي لدى العديدين من المغاربة يبقى آلية لإنهاء حالة النزاع في الصحراء، وأنه جسر نحو تطور أفضل للبلاد، سيما أن هناك من يربط تأخر مسلسل التنمية باستمرار مشكل الصحراء، وأن إيجاد حل لها سيسرع حتما بالتنمية المستدامة.