رسميا، ومن خلال بلاغات الخارجية المغربية ،فإن قرار انضمام المغرب إلى" التحالف من أجل دعم الشرعية في اليمن "،يتأسس على ثلاثة حجج رئيسية : الأولى أنه جاء "استجابة لطلب السيد عبد ربه منصور هادي بوصفه "الرئيس الشرعي للجمهورية اليمنية"، والثانية هي "دعم الشرعية في اليمن والتضامن مع مناصريها"، أما الثالثة، فتتعلق ب"الالتزام الموصول بالدفاع عن أمن الشقيقة المملكة العربية السعودية والحرم الشريف، وبقية دول مجلس التعاون الخليجي، الذي تجمعه بالمملكة المغربية شراكة إستراتيجية متعددة". المُشاركة المغربية -على رمزيتها- لم تكن لتمر بدون جدلٍ .إحدى أول ردود الفعل ، جاءت من داخل المجتمع المدني وأساسا تنظيماته الحقوقية ؛حيث اعتبرت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، انها ترفض رفضا قاطعا أي "تدخل عسكري في المنطقة وأي استغلال للوضع في اليمن سواء من طرف القوى الديكتاتورية المستبدة المتورطة في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان في بلدانها أو من طرف الامبرياليات المدعمة لها والتي كان لها دور كبير في إجهاض حراك شعوب المنطقة العربية والمغاربية وثوراتهم". من جهته ،وخارج الصمت الحزبي السائد،عبر الحزب الاشتراكي الموحد؛ أحد التنظيمات السياسية اليسارية ،عن إدانته للدعم المغربي لهذه الحرب التي وصف قيادتها بالتحالف "الرجعي الإمبريالي " . الجزء الكبير من كتاب الرأي والافتتاحيات داخل الصحافة المكتوبة ،سجل موقفاً حاسماً ضد المشاركة المغربية في حرب وصفت بانها" قادمة من أيام الجاهلية"،وأنها "ليست حربا بين الشعوب. حرب أطماع وليست حرب مبادئ. حرب أنظمة غير ديمقراطية لا تعرف كيف تتحاور وتتفاوض وتتنازل لبعضها البعض لإنقاذ حياة البشر"،وبأن من شأنها بالنسبة لكُتابٍ آخرين حرب أن تأجج التعصب الطائفي والمذهبي،وهي قبل ذلك حرب "بليدة وظالمة". من جهته عبّر حزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة ،ما يفيد تفهمه للمشاركة المغربية في هذه الحرب ،وبدا ذلك كما لو كان ذلك إستكمالاً من الحزب ذي المرجعية الإسلامية لمرحلة "التّمرُنِ على الدولة "،والتي تجلت قبل أيام في بحثه عما يكفي من مبررات -وهو الذي ظل يعتبر ما وقع في مصر انقلاباً واضحاً على الشرعية - لتسويغ إستقبال "السيسي" لأمينه العام ورئيس الحكومة الاستاذ عبد الإله بنكيران ،على هامش تمثيله للدولة المغربية في قمة "شرم الشيخ"الأخيرة. جزء آخر من هذا الجدل حول حرب اليمن اتخذ شكل تناظرٍ دستوري وقانوني ،حول تكييف المشاركة المغربية وحول شكليات "إعلان الحرب". بعض الفقه الدستوري ، اعتبر أن قرار مشاركة المغرب في الحرب على جماعة الحوثيين في اليمن يُعد "إشهارا للحرب"، الذي تُنظمه مقتضيات دستور 2011. وهو مايعني أن الدولة المغربية لم تلتزم بمنطوق الدستور في هذا الموضوع. بالرجوع إلى الدستور المغربي ،نجد ان الفصل 49 منه، يدرج "إشهار الحرب"ضمن اختصاصات المجلس الوزاري الذي يترأسه الملك . أما الفصل 99، فيؤكد أن اتخاذ قرار "إشهار الحرب"الذي يتم داخل المجلس الوزاري يتم "بعد إحاطة البرلمان علما بذلك من لدن الملك". في المقابل اعتبر باحثون آخرون إلى أن الواقعة "لا تتعلق بإشهار حرب"،الذي "له شكليات دستورية محددة"،موضحين أن المغرب في حالة اليمن "مشارك ومساند لتحالف إقليمي"،بعد ان قرّر "الاستجابة لطلب من الرئيس اليمني، عبد ربه منصور"، بوصفه" الرئيس الشرعي لليمن"و أن ذلك تم بناء على التزامات المغرب الدولية والإقليمية ب"الإسهام في تفعيل مبادئ التضامن والدفاع المشترك"، و"مواصلة العمل على المحافظة على السلام والأمن في العالم"، كما هو منصوص عليه في ديباجة الدستور لسنة 2011. وعليه-بالنسبة لهذا التحليل-فان مشاركة المغرب إلى جانب التحالف ضد جماعة الحوثي في اليمن، لا يمكن أن تكيف كتدخل عسكري مباشر، وإنما هي مجرد"دعم ومساندة لحلفائه في دول الخليج"، وهو ما يحيل على نفس الطريقة تصرف بها عندما تعلق الأمر بالتحالف الدولي ضد داعش في العراق، قبل أشهر، حين قرّرت المملكة تقديم دعم إنساني ولوجيستيكي فقط، أما مشاركة قوات جوية مغربية في تلك الحرب فقد تمت باسم الإمارات العربية المتحدة، وفي إطار اتفاقية التعاون والدفاع المشترك بينهما. الرأي الذي يقول بعدم دستورية هذه الخطوة ،رداً على هذا اللبس في التكييف ، اعتبر أن احترام الشكليات الواردة في الدستور يبقى أساسيا ،مهما كان مفهوم إشهار الحرب غامضا وضبابيا. إعادة بناء مفردات النقاش العام داخل الساحة المغربية ،حول المساهمة المغربية في عاصفة الحزم،تسمح في نفس الوقت بإعادة اكتشاف حدود الحوار العمومي الوطني حول قضايا السياسة الخارجية ،فالاحزاب السياسية على العموم لم تهتم أصلا بالموضوع مُفضلة انشغالها الأساسي المعتبر:التراشق الإعلامي الهابط والمشخصن ،و النزول بالنقاش السياسي إلى قعر الرداءة ،خاصة وهي تكتشف موضوعا جديدا لحربها الكلامية التافهة؛ألا وهو النبش في الحياة الخاصة للوزراء! كما أن التداول في هذا الموضوع لم يصل إلى عتبة المؤسسة البرلمانية،إذ لم يُخصص للمشاركة المغربية في "عاصفة الحزم"ولو مجرد إجتماعٍ "شكليٍ للإخبار"لأحدى لجنتي الخارجية بمجلسي البرلمان . الواقع أن استبطان النخب السياسية المغربية لاندراج القضايا الخارجية ضمن المجال المحجوز للملك ،يجعلها تفضل على العموم الصيام على الكلام في شأن مخرجات وقرارات الدولة المتعلقة بالعلاقات الدولية للمملكة،لكن في المقابل فإن يقظة المجتمع المدني وحيوية الشباب النشيط في شبكات التواصل الاجتماعي؛ جعلت من موضوع التعليق على المساهمة المغربية في "عاصفة الحزم" ،موضوعا اثيراً للجدل والنقاش والنقد. مرة أخرى ،إذن ،يعيد المتتبعون للحياة السياسية المغربية إكتشاف إنزياح الفضاء العمومي التداولي،من حلبة المؤسسات الرسمية والدوائر الحزبية ،الى مجالات الفعل المدني والصحافة المستقلة ووسائط الاتصال الحديثة.