ليس الخطاب موجها لمن عكف على الكتب الصفراء يعيش بجسده في الحاضر وقلبه وعقله في الغابر، ولا للذي يعيش بجسده في الحانوت وقلبه في الملكوت ! كيف تعامل بعض الفقهاء مع نقد الدين ؟ ... ليس لدينا إكليروس في الإسلام ومن حق الجميع أن يتساءل عن دينه وينتقده... عبد الباري الزمزمي ومصطفى بن حمزة والمقاربة الزجرية وفقدان المقاربة الفكرية... ( حفيظ المسكاوي / حركة مالي وغياب المقاربة التربوية/هسبريس) بعيدا عن الإستعراض الحزبي أو الحركي الذي لا تحتل فيه فاعلية التدين سوى موضع التدافع و"نحن هنا" تنطرح أسئلة حقيقية على المسلمين أو على الكيان الجمعي ل "الأمة المسلمة " ، إنها أسئلة تتعلق بالأخلاق والجمالية في علاقتها بالتدين ، إن شيخا استجمع المحفوظات الفقهية وتفنن في خطابه وخطبه وأسبل على نفسه الثوب القشيب المنضوخ بالطيب ، وهذب من لحيته أو تركها بما تعلم أنه سنة ثم بعد ذلك يدعو على الناس ويسبهم بما لم يكن منهجا لرسول الله وصحبه حتى مع الكفار والمشركين ، وخير البرية يعلمنا : " ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش والبذيء" ، فإن هذا الشيخ لم يفقه ، أجل لم يفقه لأن الفقه أصالة ما كان يطلق على الأحكام الظاهرة المخصوصة بالجوارح بل أيضا كان يطلق على الأحكام الأخلاقية السرادقات بالقلوب ! لافائدة من دعاة وفقهاء لا يقيمون للأخلاق وزانا ، وإقامة وزنها بالتحلي بها وتزيين القلوب بها ، فلك أن تستغرب مع هذه الثلل الزمارة بالوعظ ، بالقول ! كثرة الوعظ لا تعني أن الدين والتدين بخير، فالوعظ بلا بناء نقش على الماء- وللأسف فإن كثرة الوعظ دالة على خراب الدين وانسطاح التدين وتأزم القلوب ، لقد جاءتنا عادة القول من حضارة الغرب حضارة القول - وليس هذا البناء غير التخلق ، وأدنى حد أن يمسك المرء لسانه عن الناس إذ "المسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه" ، فما لنا نرى هذا الفقيه أوذاك الداعية يكل لسانه بالسباب وسوء اللفظ ويعيي قلبه بالمحاقد والمباغض لغيره من المسلمين بله الكفار والمشركين ! طبعا لا نغفل أن هناك من المتسلفة والمتمصوفة والمتمشيعة من انخرط في الحقارة ، هي الخيانة لهذه الأمة ودينها وتاريخها وهي التجلي لمفهوم "التولي يوم الزحف" في أيامنا هذه ، نعم بدل التصدي لزحف أعداء الإنسانية قبل الإلاهية هاهم يعبدون له الطريق ويفرشونها له ب "النايلون" ! لقد أبان المتسلفة عن خيانتهم في السعودية ومصر وغيرها حين يلهون الناس عن مشاكلهم الحقيقة ويثيرون النعرات والفتن بين فرق المسلمين بخطابهم السامج كمثل الخوارج في صدعهم بحق أريد به باطل، مبدأ "الحق الذي أريد به الباطل" مبدأ معرفي وسياسي لعلي بن أبي طالب تحفه ملابسات سياسية ، بالضبط كما تحف دعوة المتوهبين المتسلفين ! إن هذا العصر أيضا تكريس للمثال المغربي القائل :" حرفة بوك لايغلبوك" والمعنى أنه لابد من وجود فقهاء ودعاة سلوليين – نسبة لكبير النافقين عبد الله بن أبي سلول - مندرجين في إطار المفهوم العالِمي التاريخي وهو "عالم السوء " أو "عالم الدنيا" هذا الصنف من العلماء يكرس مقولة معلم المفكرين الإقتصاديين الفقيه تقي الدين المقريزي :" من كان مع السلطان مضللا للناس" ! إن المسلمين اليوم رغم هذه الأعداد الهائلة من الفقهاء والدعاة وما شئت من المسميات مابرحوا تخلفهم ، لا تخلفهم الحضاري وانسحاقهم عن النهضة ، لكن أيضا تخلفهم عن الإسلام نفسه وهم الذين كلفوا بنشر رسالته في البشرية ، كيف ينشرونها والحالة هذه ، لا بل كيف ينشرونها وفهمهم للدين ومنهجية دراسته وتدريسه قد تسولوها من الغرب ، الغرب ؟ عدو الرسائل الإنسانية والحضارية ، إلا من رحم ربي ! كيف يستقيم أمر المسلمين حين ينبري بعض فقهاءهم سعيا للتقريب ، بينما زمرة مندسة بينهم من دعاة التخريب ! ليس الخطاب موجها لمن عكف على الكتب الصفراء يعيش بجسده في الحاضر وقلبه وعقله في الغابر، ولا للذي يعيش بجسده في الحانوت وقلبه في الملكوت ! هؤلاء أبعد الناس عن فهم ما يجري لأن المعادلة البسيطة تقول أن الأعمى يستوي عنده ضوء الشمس في رابعة النهار مع ظلمة الليل ، والكتب الصفراء مع الضوء الخافت للشموع في زمن المصابيح عين العتمة.. لقد حرفت كلمة "فقيه" عن معناها الأصيل فصارت تطلق حتى على صاحب الثقافة التافهة المسطحة من "طلبة" المساجد والمتسولين بالقرآن وقصائد البوصيري ، لكن للأسف لا نجد من الفقهاء من يعود بنا إلى ذلكم المعنى المؤثل للفقه الذي عبر عنه الإمام أبو حنيفة "الفقه معرفة النفس ما لها وما عليها" ! بل نجد منهم من ينعت موضعا يحسب على الدين ليرمق منه العدو كما يمرق السهم من الرمية ، كم هائل من الفتاوى لا تقدم شيئا للأوضاع البئيسة التي يرزح تحتها المسلمون ومن شاركوهم الأرض والتاريخ وقاسموهم الحضارة ! كلها فتاوى سياسية تحرم معارضة السلاطين وتبارك طاعتهم ، مع أننا نعلم أن بعض هؤلاء السلاطين لجأوا في يوم ما لخلق المعارضة ، معارضة الواجهة ! وبالذات في قضية طاعة ولي الأمر وقع استجهال لكثير من الأغرار للتسطيح الذي يمارسه فقهاء الدولة الموظفون ! لم نسمع فتوى واحدة تندد في السعودية مثلا بالفقر المدقع الذي يخرم أسرا كثيرة مع مقدرات البلاد الوافرة وعائداته الخرافية التي تصرفها أيادي السوء هناك إسرافا وبذارا على أسلحة الفتنة التي خبرها العدو الحقيقي ! لم نسمع فقهاء السعودية متسلفين ومنفتحين -على كنوز السلطان طبعا - يفتون بأن تطبيق الحدود الشرعية رهين أولا بتأدية الآمانات والحقوق لذويها " إن الله يأمركم أن تؤدوا الآمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل"..بل هاهو العلامة الحركي يوسف القرضاوي دعا الله أن ينصر قطر على أمريكا فاستجاب ! ياله من نصر يندى له الجبين ، ولقد هالني ما سمعت من الدكتور وبلغ مني الأسف العظيم ، بل لق اتصلت بالشيخ وجدي غنيم فما كان إلا أن سجل تعليقه على "الهبل" وهو مضمن في مدونتي لمن أراد سماعه . لعل الشيخ القرضاوي لم يشاهد دعاية قطر حيث الدعوة للتطبيع البين مع المجرمين القتلة ! مجئ سينيكيي العالم لقطر مع الصهاينة كان هو النصر العظيم على أمريكا..حقا هذا منعطف خطير خطير .. إن الذين يضرون الدين هم المسلمون أنفسهم قبل خصومهم بما يجمدون عليه من خواء فكري ومظاهر تعبدية بلا روح و"فتاوى" تندى لها أجبُن الحشاشين، فضلا عن استغلال السياسة للدين وتدخلها في شأنه بما يضر به ويجلب التهم له حتى قيل إن الدين وسيلة لتبرير الإستبداد وتخدير الشعب وصرف كما يحفظ أهل مقولة "الدين أفيون الشعوب" عن جدهم المقدس، والأمر كذلك فعلا لو نظرنا من جهة ممارسة الفقهاء الإختزالية التسطيحية ، لكن هؤلاء لا يميزون بين الدين في نفسه والإستغلال الذي وقع عليه، فضلا عن الظروف الإجتماعية التي تفرزها السياسة وتحجبها النخبة التي تجعل بعض الشباب يلعن الدين والثقافة واللغة ظانا منه أنها سبب ضيق معيشته ، ولا ننسى أن الثورية أيضا تم إخمادها بتدجين بعض فلول اليساريين ، والمقولة الماركسية تعود عليهم أيضا ، "الماركسية أفيون الشعوب" ذلك أن المستكين للظلم المكتفي بالخطاب المختفي ليس بمنأى عما يتهم الناس به أي أن بعض اليساريين تشبهوا بأولئك الفقهاء! إن ما ينبغي أن نشير إليه بإلحاح هو أن البنية الأخلاقية والدينية والثقافية للمجتمع المغربي بنية هشة ، لذا تجدها مخترقة ، فالجماعات القتالية اخترقتها لأن المغاربة للأسف يجهلون الدين بما أريد لهم من خلال "إسلام الحلاقي" الذي يروج له "العلماء" الموظفون المعزولون والذين تركوا الساحة لممارسات مفيوزية وأفكار وافدة ناشزة أو من خلال تقديم الإسلام ثقافة بسيطة تافهة من خلال الإعلام كما أراد له سدنة الفجور وشياطين الصورة -مع الأخذ بعين الإعتبار أن مصدر المعلومات عند الشباب اليوم ليس هو القراءة التمعنية للأسف بل الحشو الإعلامي والخطاب الشفهي - والشيعة والبهائيون اخترقوها، والطرقية المخرفة اخترقتها، والجماعات المثلية والسحاقية اخترقتها ولننتظر الجماعات الداعية لزنا المحارم ، والجماعات التي تأله مكوناتها الثقافية وتتعبد لها بكرة وأصيلا، وجماعات الملاحدة العبثيين السفسطائيين وأصحاب التفلسف الكاذب كما يسميه كانط الذين يثيرون المشكلات بلا حلول ويقطعون في المستحيلات العقلية وكأنها آراء قاطعة وهم الذين لا يستطيعون مواراة تخبطهم وانشغالهم فيما يزعمون الجزم والقطع فيه ! و أصحاب الإلحاد اللا أدري، وجماعات "عبدة الشياطين"..الأمر لا يتعلق بقضية الحرية بل إن الأمر يتعلق بما يمكن أن نضعه في إطار التخلف الفكري الذي يعاني منه المغاربة والذي يتجلى في مخرجات الجامعة المغربية بصفة عامة من ضعف التكوين وهشاشته وغياب الوعي بالذات وبالمحيط وفقدان المقدرة على التجاوز والإستلاب والإحباط والتي يغذيها وينميها المنهج العلماني الحداثي المستورد بخلفياته الفكرية والإسقاط العبثي له وتوظيفه الإستغلالي للمقومات الثقافية للمجتمع ، ما أفرز بنية مشوهة وهجينة إن على مستوى المشهد السياسي أو الإقتصادي أوالإجتماعي، وفي المحصلة إنسانا مغربيا تائها فقد القدرة على التجاوز والنقد المنضبط والذي بلغ به التخلف حد السخرية من الذات والدفاع عن أمور ليست بين يديه ، حقا إن هذا المنهج أفرز عقولا مستعمرة ! أو مايسميه المستشرق مراد هوفمان : خواء الذات والأدمغة المستعمرة ! إنه من العيب حقا في زمن الفضاء المفتوح أن نسمع شخصا يحسب على "العلماء" وهو مصطفى بن حمزة يقول : "ليس من حق الجاهل أن يخطئ العلماء أو ينتقدهم بل إنه يهينهم إن قال لهم أنت مصيبون" (فيديو على هسبريس) ! هذه والله مصيبة خرجت من فيه موظف عمومي في "المجلس العلمي" ، أليس من حق الإنسان أن يتساءل ويستفسر ؟ هل المطلوب هو إلغاء العقل كما يفعل المريدون مع شيوخهم ؟ ألم يقرأ بن حمزة في القرآن الكريم سؤال الملائكة لربها : "أتجعل في الأرض من يفسد فيها ويسفك الدماء " ألم يقرأ مواضع الإستفسار فيه : ويسألونك ويستفتونك ؟ أما زميله عبد الباري الزمزمي فهو خبير في تجهيل الناس والتنقيص منهم في كل مرة يخرج إليهم فيها بفتاواه التي تنم عن افتقاد الرجل ولو لذرة من ورع أو خوف من المولى ! ليس لدينا إكليروس في الإسلام ومن حق الجميع أن يتساءل عن دينه وينتقده لكن وفق ضوابط المعرفة والنقد وأصول الإستدلال..لقد دعا أعضاء "مالي" للحوار فلم يجبهم أحد إلا بالتجهيل ، بل إن الزمزمي وصفهم بالمرضى ، وهذا النهج سبب في كره الكثير من الشباب للتدين والدين ، وهذا إنما يدل على تطفل الزمزمي وعلى إفلاسه الفكري- مع احترامنا للجميع - والله تعالى يقول " قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين"[1].. [email protected] www.hadakalami.blogspot.com face book: hafid elmeskaouy 1- أنظر : حفيظ المسكاوي / حركة مالي وغياب المقاربة التربوية/هسبريس