مناهج متعددة لدراسة الدين والمجتمع سيلتئم في لبنان في نهاية الشهر الحالي(25-26 أبريل 2015)، مؤتمر دوليا، سيخصص للنقاش والتناظر والتباحث حول المناهج والمقاربات والنماذج المعرفية المستعملة في مقاربة الظواهر الدينية. وقد عملت العديد من الهيئات الدولية ومراكز البحث العالمية، للمساهمة في دعم هذه المبادرة، وهي الجامعة الأميركية في بيروت، قسم الدراسات المالوية (جامعة سنغافورة الوطنية)،معهد العلوم الإنسانية والدراسات الثقافية (إيران)، الجمعية الإيرانية لعلم الاجتماع، مجلس جمعية الدراسات العلمية )تركيا(، منتدى التنمية والثقافة والحوار )لبنان). و يأتي هذا المؤتمر كاستجابة لما يعرفه الحقل المعرفي الديني من تحديات ومن تعقيدات ومن تخبطات منهجية وفكرية ومعرفية بالاساس. وكمحاولة للتفكير في أطر ومناهج ومقتربات أكثير تفسيرية لمختلف الظواهر الدينية التي تعج بها مجتمعاتنا العربية والاسلامية. وإذا كان التقليد السوسيولوجي وتحديدا السوسيولوجيا الدينية –كما تبلور في الغرب- قد راكم العديد من المناهج والدراسات والمفاهيم والبراديغمات، والذي ساعد العديد من الباحثين ومراكز الفكر – المنتمين للقارات الخمس- في دراسة الظواهر الدينية، فإن الحاجة ماسة اليوم لمناقشة هذه الرؤية المعرفية والمنهجية وتمحيص مدى إمكانية التماهي معها مطلقا في دراسة مختلف الظواهر الدينية. ولهذا الغرض فإن المؤتمر الرابع هو استكمال للنقاش السابق (المؤتمرات الثلاثة الأولى)، لكنه سيخطو خطوة أكبر تميزه، بما يتجاوز فقط التمحيص النقدي للأفكار وذلك بالدخول الى طرح البدائل والتطبيق مع التركيز على المنهجية المستخدمة في دراسة الأديان و الوسط المجتمعي المحيط بها. وتقترح الورقة الخلفية للمؤتمر أن يتم تعميق النقاش –ليس في القضايا النظرية والفكرية والبراديغمات المعرفية- ولكن أساسا في الاقتراب من القضايا ذات الطابع الإمبيريقي والتجريبي والمحلي، وذلك في أفق بلورة نظريات أو منهجيات بديلة لدراسة الظواهر الدينية. لكن أهم ما يميز محاور المؤتمر الرابع، هو التركيز على مجموعة من الإشكاليات ذات الطابع النقدي والجدلي، فعلى سبيل المثال ستعالج إحدى جلسات هذه الفعالية العلمية، محور الأشكال التقليدية للدراسات الاسلامية )شريعة، حديث، تفسير، فقه وغيرها ...( مع العلوم الاجتماعية و الانسانية. وذلك وعيا من المنظمين، أن المعارف الدينية باعتبارها حقلا، بالمعنى الذي يعطيه له بيير بورديو، تستمتع بالاستقلالية عن العلوم الاجتماعية، ولكن يبدو أن هناك قطيعة حاسمة بينهما والتي نتجت عن الاقصاء المتبادل بين الطرفين: علماء الاجتماع ورجال الدين. ولعل هذه الاشكالية، تبقى مطروحة على جميع الباحثين والمهتمين بالسوسيولوجيا الدينية، على اعتبار أن هناك مفارقة حقيقية في هذا المجال، ففي الوقت الذي يعمل الباحث السوسيولوجي على دراسة بعض الظواهر الدينية، فإنه يفتقر في الوقت نفسه لمجموعة من الآليات والمفاهيم والمنطلقات ذات البعد المعرفي المتعلق بفهم النصوص الدينية وبمختلف التفسيرات والتأويلات التي تعطى لهذه النصوص والمتون والكتب الدينية. وفي الاتجاه المقابل، نلاحظ تغييبا غير مفهوم للباحث في العلوم الشرعية للسوسيولوجيا، مما يفقده الفهم الواقعي لمختلف التموجات التي تتفاعل في التأثير في السلوكات والممارسات والاتجاهات والمواقف الدينية، سواء لدى الأفراد أو الجماعات. ولابراز أهمية هذا المحور يمكن الاشارة إلى العديد من القضايا التي تتطلب اليوم تفكيرا وبحثا سوسيولوجيا، من مثل: مكانة ودور خطب الجمعة، شخصية الخطيب، خلفياته، ومحتوى خطب الجمعة، ومدى التأثير الذي تمارسه في نفوس وعقول المستمعين، وما هي مختلف الأدوار التي تقوم بها خطبة الجمعة، في ظل التحولات المجتمعية التي تشهدها المنطقة العربية الاسلامية. هذا بالموازاة مع قضايا أخرى، سيتوقف عندها المؤتمر، وهي "سوسيولوجيا الفتوى"، و"سوسيولوجيا الإعلام الديني"، و"سوسيولوجيا الدعاة الجدد"، وكذا استمرارية مذهب فقهي معين في سياقات زمنية مختلفة، وغيرها من المواضيع التي يمكنها أن تشكل مداخل لتعميق النظر في الظاهرة الدينية المعاصرة، والتي لا يدعي المنظمون أنهم سيحيطون بها، بقدر ما يطمحون للنبش فيها، علها تستثير الباحثين والمهتمين، ويبقى الأمر مطروحا على الجماعة العلمية، وخصوصا السوسيولوجيا لكي تطوره في المستقبل. ومن بين المحاور الأخرى، التي ستركز عليها أشغال المؤتمر، هي قضية الدراسات المناطقية Area studies". و ذلك بالنظر لما حققته المنطقة العربية والاسلامية، من تراكم وتجربة وخبرة، تؤهلها لقيادة بحوث "عبر مناطقية"، وهذا ما من شأنه أن يعمق أكثر من التجربة المحصلة، وأن يستفيد مما تقدمه النتائج المقارنة عبر الدول العربية والاسلامية، في تطوير مجموعة من الفرضيات، ولما لا الوصول إلى نظرية سوسيولوجية في مجال التدين. يشار إلى أن برنامج المؤتمر يتضمن 30 مشاركا، يمثلون مختلف الجامعات العالمية، من القرات الخمس، الذين سيقدمون دراساتهم بالعربية، الانكليزية أو الفرنسية. وسيتم توفير الترجمة الفورية من الانكليزية والفرنسية الى العربية، ومن العربية الى الانكليزية والفرنسية. وستحتضن الجامعة الأمريكيةببيروت أشغال هذا المؤتمر. وكاتب هذه السطور، سيكون من ضمن الباحثين (ممثلا لجامعة مولاي إسماعيل بمكناس، كلية الآداب والعلوم الانسانية)، الذين سيقدمون ورقة حول "مقترب منهجي لدراسة الظاهرة الدينية بالمغرب: الشباب نموذجا". وسيتمخض عن ذلك، إصدار كتاب يتضمن كل المداخلات والمساهمات، وذلك بغرض نشر المعرفة السوسيولوجية والمساهمة في تطوير الأعراف الأكاديمية الجاري بها العمل في مثل هذه الملتقيات العالمية. متمنياتي للمؤتمر وللمؤتمرين بالنجاج، ومزيدا من البحث في أفق بلورة مدرسة سوسيولوجية قائمة الذات بالمنطقة العربية والاسلامية، تكون خلفية داعمة للبحوث عبر المناطق.