عاد النقاب إلى واجهة النقاشات الساخنة التي يتداولها المغاربة، هذه الأيام، بعد انتشار أخبار تشير إلى اعتداء سيدة ترتدي النقاب على الفتيات في شوارع مدينة سلا، باستخدام آلة حادة، إذ تحدثت هذه الأخبار عن أن المعتدية تترّبص بالفتيات وتسألهن بداية عن مكان ما، قبل أن تخدشهنّ على مستوى الوجه محدثة جرحًا غائرًا. ويتداول السلاويون هذه الأخبار بشكل كبير لدرجة أن هناك من تحدث لهسبريس عن مشاهدته للمنقبة المذكورة في بعض الشوارع، إلّا أن ولاية أمن الرباطوسلا نفت بشكل مطلق هذه الأخبار، فقد أبرزت أن الأمر لا يعدو أن يكون مجرّد إشاعة تمسّ بحق من حقوق الإنسان هو الحق في الأمن، وتستهدف الشعور العام بالأمن، متحدثة عن أن الواقعة المسجلة باستخدام السلاح الأبيض ضد الفتيات، تعود لسيدة اعتقلتها قوات الأمن شهر فبراير الماضي. وبعيدًا عن صحة الخبر من عدمها، فقد تفجّر في الشبكات الاجتماعية نقاش حول النقاب وعلاقته بالحرية الشخصية، بين من ينظر إلى هذا اللباس الإسلامي كاختيار في الحياة وجب احترامه ما دامت تلك التي ترتديه قد اقتنعت به، فهو في هذا السياق حرية شخصية في بلد مسلم لا يُقبَلُ التدخل فيها، في وقت يربط فيه آخرون بين النقاب وبين الاعتداء على مبدأ الأمن العام، بما أن النقاب لا يمكّن من الكشف عن هوية حاملته، ممّا قد يجعله وسيلة لمباشرة بعض الجرائم. وعلاقة بالرأي الثاني، يقول عبد الكريم القمش، ناشط علماني، إن النقاب من حيث المبدأ يعتبر حرية فردية شأنه شأن التعري، إلّا أنه "حرية فاقدة للمشروعية المجتمعية وتمسّ بالأخرين ولهذا تصبح غير مسؤولة وبالتالي مرفوضة"، مضيفًا:" كما أن العري ممنوع قانوناً في كل بلدان العالم، اللهم في الشواطئ الخاصة المغلقة على العراة بعضهم لبعض، فإن النقاب يجب أن يكون ممنوعا لأنه يخلّ بأهم مبدأ من مبادئ العقد الاجتماعي، هو معرفة هويّة من يسير بيننا في الشارع، فإن كان العري يخلّ بالذوق العام، فالنقاب يخلّ بالأمن العام". ويستطرد القمش في تصريحات لجريدة هسبريس: "من حق كل شخص أن يعرف هوية من يشاركه الفضاء العام ومن يخاطبه ويشاركه وسائل النقل ويدخل معه إلى السوق وغيرها من المرافق حتى يكون آمناً، فالنقاب وسيلة جيدة للهروب من العدالة وممارسة كافة أنواع الفسق تحت ستار تغطية الوجه"، متحدثًا عن أن النقاب لا يملك أساسًا دينيًا بقوله إنه يبقى "تأويلًا وهابيًا خالصًا لبعض الأحاديث الضعيفة جدًا"، مشيرًا إلى أن المغاربة لم يعرفوا النقاب بهذه الطريقة، بل كانت المغربيات يلبسن الجلابيب ويغطين وجوههن وفق طريقة مغربية لا تخفي معالم صاحبتها كما هو الحال مع "السواد الذي يحيط بالمنقبة". وعن أسباب انتشار النقاب الأسود في المجتمع المغربي خلال السنوات الأخيرة، قال القمش إن حرب الدولة سابقًا ضد التنظيمات اليسارية جعلت النظام يعزّز من تواجد التيارات الدينية في المغرب، وهو ما سمح بدخول الفكر الوهابي المشرقي ناهيك عن الغزو الأخير للفضائيات المشرقية وأخذ بعض المغاربة لدينهم من لسان مشايخها، خاصة مع ضعف دور الفقهاء في المغرب. قبل أن ينهي القمش تصريحاته بالحديث عن تحفظه لقبول المغاربة للنقاب:" معظم الناس في وسائل النقل العمومية التي أركبها على الدوام يقفون ضد النقاب". وفيما يخصّ الرأي الأول، القاضي باحترام رغبة المرأة في ارتداء النقاب، فقد عبّر الشيخ محمد الفزازي عن استغرابه لوجود دعوات تطالب بمنع النقاب، معتبرًا أن المغاربة يعيشون في مجتمع مسلم قائم على الحرية وعلى العبادة، وأن النقاب لم يُمنع حتى في البلدان التي تشهد أوضاعًا أمنية هشّة، مضيفًا أن المجتمع المغربي عرف النقاب منذ زمن طويل ولم يخلق ذلك أي مشكل أمني، وذلك باستشهاده بزيّ المرأة المغربية القديم، عندما كانت ترتدي ما يخفي وجهها. واستطرد الفزازي في تصريحات لهسبريس:" رغم أن العري مخالف لشريعة الإسلام التي تفرض الحجاب، إلّا أنه مسموح به في المغرب، فلماذا إذن نمنع زيًّا يستر المرأة حتى ولو كان فيه نقاش شرعي؟" قبل أن يردف:" بالله عليكم كم من الجرائم تحدث في المغرب بسبب النقاب؟ حتى وإن وُجدت فهي قليلة ونادرة، أما الجرائم التي تحدث بسبب شرب الخمر، والتي تصل حد القتل والاغتصاب والاعتداء الجسدي، فهي لا تُعد ولا تحصى ومع ذلك لا ترتفع مثل هذه الأصوات للمطالبة بمنع الخمر رغم أنه يهدد كذلك أمن المغاربة". وفيما يتعلّق برأيه الفقهي في ارتداء النقاب، قال الفزازي إنه ليس ضد أن تكشف المرأة عن وجهها وليس ضدّ أن تغطيه، فالنقاب فيه خلاف ونقاش كبير بين الفقهاء وحتى بين الصحابة، وبالتالي لا يمكن إلزام النساء برأي فيه الكثير من الجدل ما دام الواضح والبيّن هو ارتداء الحجاب دون تغطية الوجه والكفين حسب قوله، مضيفًا أنه ضد تقليد الزيّ الإسلامي القادم من الشرق، بما في ذلك النقاب الأسود واللباس الرجالي الأفغاني، ما دام اللباس المغربي التقليدي قادر على ستر من يرتديه. قبل أن يستدرك: "إلّا أنه علينا احترام وتقبل رغبة من يرتدي هذا الزيّ الشرقي، ما دمنا نتقبل ونتسامح مع ارتداء الأزياء الغربية الدخيلة على المجتمع المغربي".