لم يفوت الدكتور أحمد الريسوني، نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الفرصة ليدلي بدلوه في السجال الدائر حاليا بالمغرب بخصوص موضوع الإجهاض، والدعوات المتنامية إلى تقنينه، ما دفع عددا من الأصوات الإسلامية إلى رفض هذا الأمر خشية التوسع فيه وإباحته. وأفاد الريسوني، ضمن مقال نشره على موقعه الإلكتروني، بأنه يرى أن الإجهاض يكون واجبا في حالات، ويكون جريمة في حالات، وله حالات أخرى تحتمل وتحتمل"، مبرزا أن هذه المعركة الجارية يخوضها فريقان رئيسيان هما: فريق الإسلاميين، وفريق الإجهاضيين" وفق تعبيره. معركة الإسلاميين والإجهاضيين: ملاحظات على هامش المعركة من المعارك الدائرة رحاها خلال هذه الحقبة: معركة الإجهاض. وقد أحسنَتْ بعض الوزارات حين بادرت مؤخرا إلى تنظيم جلسات حوارية في الموضوع. ورغم هذا الدخول — أو التدخل — الرسمي في قضية الإجهاض، فإن ذلك لم يغير شيئا من طبيعة المعركة الدائرة ولا من المواقف المتضاربة فيها، بل زاد من سخونتها واشتباك أطرافها. وقد بات من الواضح أن هذه المعركة يخوضها فريقان رئيسيان هما: فريق الإسلاميين، وفريق الإجهاضيين. لا أريد الآن في هذا المقال أن أخوض في جوهر الموضوع، فقهيا وقانونيا، وإنما أريد فقط تسجيل ملاحظات على هامش المعركة، وعلى هامش الجوهر فيها. 1. 1– على العموم أنا مع المراجعة القانونية — العلمية العقلانية — لأحكام الإجهاض في القانون الجنائي المغربي. وعلى العموم أيضا: أرى أن الإجهاض يكون واجبا في حالات، ويكون جريمة في حالات، وله حالات أخرى تحتمل وتحتمل، أترك النظر فيها للاجتهاد الفقهي والقانوني، أيا كان ترجيحه واختياره فيها، بناء على القاعدة الأصولية: (لا إنكار في مسائل الاجتهاد). وكل شيء أسند إلى أهله من العلماء والخبراء والمختصين، فسيكون حتما متوازنا وفي حدود معقولة ومقبولة. المهم هو أن نخرج من حالة تسلط الأقلية وتحكمها الذي نرزح تحته منذ عدة أجيال. 1. 2– في خضم هذه المعركة نجد مَن يتحدثون عن تقنين الإجهاض ويطالبون به، ومن يتحدثون عن تقنين الإجهاض ويرفضونه، والحال أن الإجهاض مقنن فعلا، وقد خصص له القانون الجنائي المغربي عشرة من فصوله (من ف449 إلى ف458)، إضافة إلى تعديلات لاحقة في الموضوع. فتقنين شيء ما معناه إدخاله في القانون وإخضاعه لأحكامه، وهذا حاصل في موضوع الإجهاض. فالإجهاض مقنن، ولا معنى للمطالبة بتقنينه ولا لمعارضة تقنينه. ولكن التلبيس يأتي من الإجهاضيين الذين يطالبون بتقنيين الإجهاض، وهم في الحقيقة يقصدون شرعنة الإجهاض ورفع القيود عن ممارسته. 1. 3– ومن تلبيسات الإجهاضيين أيضا: أنهم يدَّعُون “محاربة الإجهاض السري”، بينما الذي يريدونه هو استباحة الإجهاض الممنوع قانونا. ولو كانوا فعلا يحاربون الإجهاض السري، لحاربوا القائمين به والمتورطين فيه، من النساء الحوامل، ومن الأطباء المرتزقة الإجهاضيين، ومن أعوانهم الممرضين … ولَطالبوا بتطبيق القانون بدلا من التحريض على انتهاكه وتقديم المساعدة في ذلك. وعلى كل حال تبقى المطالبة بمراجعة القانون وتعديلِه وتتميم نقائصه حقا مشروعا، لكن بدون التواء أو تدليس. 1. 4– الإجهاضيون يركزون في مطالبهم وفلسفتهم على حرية استعمال الجسد، وعلى الحق في ممارسة النشاط الجنسي الحر. وبما أن الحمل يشكل عائقا ومشكلة ضاغطة على تلك الحرية المنشودة، فيجب — في نظرهم — إزاحة هذا العائق وإراحةُ الناس منه، وذلك بشرعنة الإجهاض وفتح أبوابه وتسهيله والمساعدة عليه. فمعركتهم على هذا الأساس معركة شهوانية. أما الإسلاميون فمعركتهم إنسانية، لأنهم يدافعون عن حق الإنسان في الحياة، بل عن حق الأجيال في البقاء، ويتمسكون بتجريم قتل الأجنة البريئة، إلا لعذر قاهر. بعبارة أخرى: الإجهاضيون يسعون إلى تحرير الفروج وتعطيل الأرحام، والإسلاميون يسعون إلى تحصين الفروج وتشغيل الأرحام.