يعرض المقال النقدي الحالي بعض المعطيات حول ''حركة 20 فبراير'' التي لم يكن يعرفها كثير من الباحثين، والصحفيين، الذين سبق لهم أن كتبوا مقالات أو أبحاثا عن ''حركة 20 فبراير''. فقد نُشرت العديد من الدراسات حول نواقص ''حركة 20 فبراير'' (مثلا غياب عناصر حاسمة مثل: هدف مركزي موحد، تنظيم منضبط، قيادة معترف بها، تنسيق وطني، تفاعل معقلن ومضبوط فيما بين القوى المساهمة، إلى آخره). لكنها لم تهتم بما في الكفاية بظاهرة وجود عناصر داخل ''حركة 20 قبراير'' كانت ممارستها تؤدّي إلى تقسيم هذه الحركة، أو نسفها من الدّاخل. هل النّقد العلني مشروع؟ إن مناصرة العدل تحثّ على الجهر بالحق. وقول ''الحقيقة'' هو مبدأ ثوري، بنّاء، وأساسي. وعكس قول ''الحقيقة'' هو المحاباة، أو التّساهل، أو التحيّز، أو النفاق، أو الكذب، أو الخداع. والنضال السياسي يتطلّب الصّدق، والوضوح، والصّراحة. بينما الانتهازية تحتاج إلى الكتمان، أو السّرية، أو المجاملة، أو المناورة.فإذا اعتبرنا أن فاعلاً سياسيا محدّدًا يتمادى في الاساءة إلى النضال الجماهيري المشترك، أو إذا توفّرت لدينا انتقادات سياسية دقيقة تُجاه فاعل سياسي محدّد، يصبح من واجبنا أن لا نكتفي بنقده عبر نميمة مستترة، أو عبر وشاية ملتوية. وإنما يلزمنا أن ننتقد هذا الفاعل السياسي بشكل مكتوب، علني، صريح، مسئول، وبنّاء.قد يفضي النقد إلى صّراع فكري، أو مجادلة. وقد يساعد الصراع على تبيان الحقيقة، أو الاقتراب منها. ويمكن لتوضيح الحقيقة أن يساعد الشخص المُنتَقَدَ على تقويم سلوكه، بهدف تحقيق طموحاته. وفي ما يخصّ ''حركة 20 فبراير''، إذا لاحظنا مثلا أن تصرّفات فرد، أو جماعة، تتمادى في محاولة تشتيت هذه الحركة (ح20ف)، أو نسفها من الدّاخل، علينا أن لا نَكْتُم هذا السّلوك المنحرف، وذلك مثلا بدعوى ستر مشاكل ''حركة 20 فبراير''، أو بدعوى صيانة صورتها المثالية لدى وسائل الاعلام، أو لدى الرّأي العام. على عكس ذلك، يجب علينا أن نفضح، وأن ننتقد، علنيةً، هذا الفرد أو الجماعة. لأن مصلحة النضال الجماهيري المشترك تتطلّب تبادل النقد السّلمي، المكتوب، الواضح، والمسئول. وتتطلّب كشف الحقيقة، في الساحة العمومية، وإدانة كل من يتمادى في أعمال مشبوهة، أو تخريبية، أو جنائية، أو انتهازية، أو عدوانية.وفي حالة ما إذا أخطئنا في انتقاداتنا هته، فما على الفاعل المُنتقَد سوى أن يردّ علينا بنقد مماثل، يوضح فيه خطأ نقدنا. وإذا لم نخطء في انتقاداتنا، فعلى الفاعل المُنتقَد أن يعتذر عن تصرّفه الخاطئ، وأن يقدّم نقدا ذاتيا صريحا، وأن يشرع فورًا في تصحيح أخطاءه، وذلك للتعبير عن حسن نواياه، ولِتِبْيَان عزمه على الرفع من مستوى سلوكه، لكي يحظى من جديد بتقديرنا، أو لكي يصبح جذيرا بتعاوننا، أو تضامننا. ظهور جماعة غريبة داخل ''حركة 20 فبراير'' منذ سنة 2013، وخلال الجموعات العامّة ل ''حركة 20 فبراير'' (ح20ف) بمدينة الدارالبيضاء، وخلال مسيراتها، لاحظنا تكوّن مجموعة من الأشخاص تتميّز بتحرّكها كجماعة متماسكة، ومتعصّبة، ومتشدّدة. وكانت هذه المجموعة تسمّي نفسها بعبارات «شباب حي اسْبَاتَا»، أو «أولاد حي البرنوصي»، أو «أحرار حركة 20 فبراير». وكان أفراد هذه المجموعة يأتون إلى الجمع العام (لحركة 20 فبراير) بعدد من الأشخاص يتراوح بين 10 و 20 شخصا تقريبا. ويحملون مواقف موحّدة قبليّا. ويتحرّكون كمجموعة متماسكة، ومتعصّبة. ويدافعون عن مواقفهم بحماس مفرط. ويعبّرون أحيانا عن أحاسيس عدوانية تجاه من يخالفهم في الآراء. ويحاولون الضّغط على الجمع العام لكي يتبنّى مواقفهم، أو اقتراحاتهم، ولو عبر استعمال أساليب عنيفة، أو غير ديمقراطية. وتلجأ مجموعة «أحرار حركة 20 فبراير» أحيانًا إلى استعمال ''الإنزال''، أو التشويش على منظّم النقاش (في الجمع العام)، أو إثارة الضوضاء، أو خلق الفوضى في القاعة، أو سبّ أو تهديد من يعارض آرائهم، أو تفجير مشاجرات بالأيدي. وكانت هذه البلبلة، أو المشاحنة، داخل الجمع العام، تقلق باقي المناضلين الآخرين. بل كانت هذه الضوضاء تزعج الحاضرين، أو تحثّهم على مغادرة الجمع العام، أو على افتقاد الرغبة في العودة إليه مستقبلا. وكانت هذه الخصومات تُؤدّي أحيانا إلى نسف الجمع العام، أو التّشويش على مقرّراته. فغدى عدد المشاركين في الجموعات العامة ل ''حركة 20 فبراير'' (بالدارالبيضاء) يتضائل. وساهمت كذلك تلك الأساليب المقلقة في تناقص متزايد في عدد المشاركين في مسيرات ''حركة 20 فبراير''، أو في وقفاتها. ومجمل المشاكل التي عشناها مع مجموعة «أحرار حركة 20 فبراير» بالدارالبيضاء، منذ سنة 2012 إلى حدّ الآن في سنة 2015، سواء داخل الجُموعات العامة، أم داخل اللجان التقنية، أم داخل الوقفات في الشارع، كانت توضّح أن هذه المجموعة تعمل بإصرار من أجل خلق حركة موازية لِ ''حركة 20 فبراير''. وهي تريد تقسيم ''حركة 20 فبراير'' إلى حركتين متناحرتين، وذلك ربّما لكي يسهل عليها فيما بعد ضرب «حركة» ب «حركة» أخرى معادية لها !وتستعمل مجموعة «أحرار حركة 20 فبراير» التشويش، والبلبلة، والمشاحنة، والفوضى. وكانت دائما تُصرّ على أن تتكلّم هي وحدها باسم ''حركة 20 فبراير''، سواء على صفحات ''الفيسبوك'' على الأنترنيت، أم في الشارع. ولو أن الجمع العام لم يمنح لها هذا الامتياز.وكان بعض زعماء مجموعة «أحرار حركة 20 فبراير» يسافورن إلى بعض المدن الأخرى في المغرب، ويتّصلون بالتّنسيقيات المحلية فيها، ويتحدّثون باسم ''حركة 20 فبراير'' بالدارالبيضاء، وينسجون علاقات على الصعيد الوطني، وذلك دون علم الجمع العام، ودون الحصول على موافقته. وقد يكون هدف هذه الاتصالات هو استقطاب بعض تنسيقيات المدن الأخرى، أو التهيء لتنفيذ تكتيكات أخرى لا نعرفها بعد صِنفها. فكانت تصرّفات مجموعة «أحرار حركة 20 فبراير» تحثّ عددا من المناضلين على التساءل التالي: هل تهدف مجموعة «أحرار حركة 20 فبراير» إلى تحريف ''حركة 20 فبراير'' عن مسارها النضالي الأصلي؟ هل تهدف إلى خلق «فصائل» داخل ''حركة 20 فبراير''، لكي يمكنها فيما بعد ضرب «فصيل» بآخر (مثلما يحدث في الحركة الطّلابية داخل الجامعات)؟ هل غايتها هي محاولة تفجير ''حركة 20 فبراير'' من الداخل؟ ما هي أحظاء مجموعة «أحرار حركة 20 فبراير» ؟ الخطأ الأول لدى مجموعة «أحرار حركة 20 فبراير» هو أن أفرادها يعملون من داخل ''حركة 20 فبراير''، ويستعملون شعاراتها، وأساليبها النضالية، لكن تصرّفاتهم تؤدّي عمليا إلى نسف ''حركة 20 فبراير'' من الداخل. وفي الجُموعات العامّة، كان أفراد مجموعة «أحرار حركة 20 قبراير» يعارضون ويُفشِلون كل محاولة تهدف إلى تنظيم ''حركة 20 قبراير''، أو ترمي إلى خلق، أو تقوية، إطارات تنظيمية لهذه الحركة. وكانوا يعادون أو يخرّبون كل محاولة رسمية ترمي إلى خلق أو تنظيم تنسيق فيما بين فروع الحركة المتواجدة في مختلف مدن المغرب. وكانوا، ولا زالوا، يزعمون أن «تنظيم حركة 20 قبراير سيؤدي إلى قتلها»! فيقلبون هكذا المنطق على رأسه: كأن الفوضوية هي التي تقوّي الحركة النضالية، وكأن تنظيم هذه الحركة النضالية هو الذي يقتلها! والغريب هو أنه، في نفس الوقت، تعمل مجموعة «أحرار حركة 20 فبراير» من أجل توسيع، وتنظيم، وتقوية مجموعتها الخاصة! بمعنى أنهم يُجيزون لأنفسهم الهيكلة والتنظيم، وفي نفس الوقت يحرّمونهما على غيرهم! وتستقطب مجموعة «أحرار حركة 20 قبراير» بعض الشبّان الفقراء، أو المُعدمين، القاطنين في أحياء ضواحي مدينة الدارالبيضاء. وتستقطب هذه المجموعة على الخصوص الشبانَ الذين لا يتوفّرون على تجربة سياسية، ولا على تكوين ثقافي، ولا على وضوح سياسي. ويستغلون ضعف تكوين هؤلاء الشبان بهدف إدراجهم في أعمال مغامرة، لا يدركون لا منطلقاتها، ولا غاياتها. ويغالطون هؤﻻء الشبّان، حيث يقولون لهم أنهم يريدون «تحقيق الديمقراطية في البلاد» وفي نفس الوقت، يجنّدون هؤلاء الشبّان ضد مجمل الأحزاب التقدمية، وضد المناضلين الثوريين، وضدّ كلّ اللذين يدافعون عن الحرية، والكرامة، والديمقراطية. الخطأ الثاني لمجموعة «أحرار حركة 20 فبراير» هو أن أفرادها يُعادون أحزاب اليسار بالمغرب، ويكرهون مناضلي هذه الأحزاب، ويكنّون عداءً غريبًا وقويّا ضدهم. (والمقصود بعبارة أحزاب اليسار بالمغرب هم خصوصا: ''الحزب الاشتراكي الموحد''، و''حزب الطليعة الاشتراكي''، و''حزب النهج الديمقراطي''، و''حزب المؤتمر الاتحادي''). وتعمل مجموعة «أحرار حركة 20 فبراير» من أجل شحن الكراهية أو العداء في نفوس أعضائها، ولدى أنصارها. وذلك إلى درجة أن عدوهم الرئيسي لم يعد هو نظام الاستبداد والفساد، وإنما أصبح عدوهم هو أحزاب اليسار! ويلجأ أفراد مجموعة «أحرار حركة 20 قبراير» إلى وضع تطابق بين «الأحزاب اليمينية الملكية»، و«الأحزاب اليسارية». ويزعمون أن أحزاب اليسار هي عميلة للدولة، لأن الدولة هي التي خلقتها. ويعادون الأحزاب اليسارية أكثر من غيرها. وغاية هذا الخلط هي محاربة أحزاب اليسار تحت يافطة «نقد كل الأحزاب»! ويقدّمون أنفسهم كبديل عن أحزاب اليسار، بينما هم لا يقدرون على إنجاز أية مقوّمة من مقوّمات أي حزب يساري. وحدث مرارًا وتكرارًا أن وصف علنيا أفراد مجموعة «أحرار حركة 20 فبراير» الأعضاء المنخرطين في أحزاب اليسار بأنهم «خونة». ولا نعلم عن أية «خيانة» يتكلّمون، ولا في أي مجال، ولا في أي زمان، ولا ما هي حججهم على وجود هذه «الخيانة». فَلا ندري من أين أتاهم هذا العداء المطلق ضدّ أحزاب اليسار، ولا ما هي مبرّراته. خاصّة وأنه لم يسبق لهم أن عبّروا عن أي نقد سياسي ملموس، مكتوب، واضح، أو دقيق، تجاه أحزاب اليسار. وإذا كانوا حقيقةً مقتنعين بأن أحزاب اليسار بالمغرب هم «جماعات من الخونة»، فإن الواجب يفرض عليهم أن يفيدوا الشعب عبر فضح هذه «الخيانة» كتابيا، وبحجج موضوعية، ويلزمهم أن ينشروا هذه الحجج التي تثبت تلك «الخيانة»! لكنهم يرفضون القيام بذلك! ربّما لأنهم يحسّون أنهم إذا حاولوا القيام بذلك الفضح المزعوم، فإن زيفه سينقلب ضدهم! ومهما كان شخص ما حاملا للعداء ضد أحزاب اليسار، يمكن للملاحظ أن يتساءل: من المستفيد من معاداة أحزاب اليسار، أو من محاربتها؟ وقد يكون الجواب سريعا وواضحا، وهو: أن المستفيد الوحيد الممكن من محاربة أحزاب اليسار هو النظام السياسي الاستبدادي الفاسد! لأن أهم فاعل سياسي، جماعي، منظَّم، ثابت، ومسئول، يحاول مقاومة الاستبداد والفساد في البلاد، هو أحزاب اليسار (بالاضفاة إلى باقي القوى والتيارات والمواطنين المدافعين عن قِيم اليسار). ولهذه الاسباب، يبرز في ذهن بعض المناضلين تساؤل ثان مرتبط بالتساءل السابق: هل يُحتمل أن يكون بعض أفراد مجموعة «أحرار حركة 20 فبراير» موجّهين، أو مُحرّكين، أو مؤطّرين، من طرف أجهزة الدولة القمعية، وذلك سواءً بوعي أم بدون وعي أعضاء هذه المجموعة، وسواءً بشكل مباشر أم بشكل غير مباشر؟ قد يقول قائل بأن مثل هذا الاتهام مبالغ فيه. لكن لنتساءل: ألا يحقّ لكل ملاحظ أن يشكّ في من يرفع شعارات ''حركة 20 فبراير'' بهدف تقسيمها وشلّها؟ ألا يحقّ لكل ملاحظ أن يشكّ في من يستغلّ ''حركة 20 فبراير'' من أجل محاربة أحزاب اليسار؟ ألا يمكن لفرد، أو جماعة، أن يسقطا في خدمة نظام استبدادي أو فاسد، ولو أن هذا الفرد، أو هذه الجماعة، لا يعيان سقوطهما في خدمة ذلك النظام؟ وتاريخ الحركات والأحزاب الثورية في المغرب، (مثل ''المقاومة''، و''جيش التحرير''، إبّان بداية استقلال المغرب في سنة 1956، ثم "حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية"، و"الحزب الشيوعي المغربي"، في سنوات 1960)، يشهد على أن البوليس السياسي كان (ولا يزال) يستعمل تسريب عناصر مُخْبرة، أو مخرّبة، داخل هذه الحركات أو الاحزاب الثورية. ومن يكره أحزاب اليسار، ويبغض قِيَمها الانسانية، سينتهي بالضرورة إلى كُره كل مواطن من الشعب يتبنى قيم أحزاب اليسار، أو يطمح، مثل أحزاب اليسار، إلى تغيير أوضاع المجتمع، بهدف تحقيق الحرية، والكرامة، وحقوق الانسان، والعدالة المُجتمعية. وفي نفس الوقت، أعترف أن مساهمات أحزاب اليسار بالمغرب لا ترقى إلى مستوى مُرض أو كاف. لكن منهجي يختلف عن منهج مجموعة «أحرار حركة 20 فبراير». فحتّى إذا كنتُ أنا أيضا أنتقد بعض النواقص الموجودة في ممارسة أحزاب اليسار، فإن نقدي هذا لا يسوقني إلى معاداة أحزاب اليسار. بل على عكس ذلك، أنا أحسّ أنني جزء لا يتجزّء من أحزاب اليسار، وأشعر أنني حليف لأحزاب اليسار، وأنني أتحمّل جزءا من مسئولية هذه النواقص (الموجودة في أحزاب اليسار)، وأعبّر عن احترامي، وعن تقديري، لجهود وتضحيات مناضلي أحزاب اليسار. وأريد المساهمة في مساعدة أحزاب اليسار، سواءً من داخلها أم من خارجها، لكي تُصلح نواقصها، ولكي تصبح أكثر قوة، وفعالية، ونجاحا. أما من يتحدّى أحزاب اليسار، إن كان صادقا، فيلزمه أن يدخل الساحة السياسية، وأن يبني حزبه الخاص به، وأن ينجز أكثر ممّا تنجزه أحزاب اليسار، إن كان قادرا على ذلك. وأمّا من يعادي أحزاب اليسار، أو يحاربها، أو يريد هلاكها، فإنه يلتقي موضوعيا مع القوى الرجعية، سواءً قبل ذلك أم لم يقبله. والعقلانية تفرض بأن نعامله على هذا الأساس. والخطأ الثالث لدى مجموعة «أحرار حركة 20 فبراير» هو أن أفرادها هم مبتدئون في ميدان النضال السياسي، ولا يتمتّعون بتجربة نضالية هامّة، ولا يحملون أي فكر سياسي محدّد، ولا يؤمنون بأية عقيدة سياسية واضحة، أو معروفة، أو موحّدة، أو ثابتة. وليست لهم أرضات سياسية مكتوبة، ولا قانون داخلي يحكم مجموعتهم، ولا رؤية مستقبلية. ولا يتوفّرون على نظرية سياسية، ولا على برنامج سياسي، ولا على مشروع مجتمعي. ولا يكتسبون تجارب نضالية، أو حزبية، أو سياسية. كأنهم يريدون العمل بعواطف الحقد، والكراهية، والعنف، بدلا من العمل بالمباديء النضالية، وبالقيم الانسانية. والغريب هو أنهم يعادون المناضلين الذين سبقوهم إلى النضال وإلى التّضحية، منذ أربعة أو خمسة عقود، أي قبل أن يولد هؤلاء الأعضاء في مجموعة «أحرار حركة 20 فبراير»! وأنا كملاحظ، ورغم تتبّعي لتحرّكات مجموعة «أحرار حركة 20 فبراير»، فإنني لا أعرف بوضوح هدفها السياسي. وأفراد هذه المجموعة هم أيضا عاجزون عن الإفصاح عن مبتغاهم الأساسي. ولاحظتُ أنهم يخلطون بين إيديولوجيات متباينة ومتناقضة (مرورًا من الاسلام السياسي الأصولي، إلى الليبيرالية، إلى الاشتراكية، إلى العنف الثوري، إلى الفوضوية، إلى العدمية، إلى الملكية، إلى الجمهورية). بل إن ثقافتهم تبقى ضعيفة، إن لم نقل غائبة.ويكتفي أفراد مجموعة «أحرار حركة 20 قبراير» بترديد شعارات ''حركة 20 فبراير''، ويقلّدون مقولات وأفكار الأحزاب اليسارية، لكن بهدف المزايدة على هذه الأحزاب، ثم تحدّيها، ثم محاربتها. وﻻ تجمعهم مبادئ سياسية مشتركة، وإنما تجمعهم الرغبة في الإحساس بدفء الانتماء إلى مجموعة مكونة من أصدقاء الحي، أو الشعور بالعضوية في «قبيلة سياسية» متميزة ومتعصّبة. وفي مجال الفرضيات، ومن زاوية رؤية سيكولوجية، يمكن أن يتبادر في ذهن الملاحظ التساءل التالي: هل يمكن أحيانا لسبب السّلوك العدواني لأفراد مجموعة معيّنة أن يرجع إلى الإحساس إمّا بنوع من عقدة الدّونية، وإما بالفقر، وإما بالجهل، وإما بالهامشية، فتتولّد لديهم رغبة دفينة في الانتقام، أو التّحطيم، أو الميل إلى محاربة منافسيهم، أو سحقهم؟ وهل يمكن لهذا السلوك العدواني أن يكون هو العنصر الذي يُهدّء إحساسهم بالإنتماء إلى فئة مُجتمعية مُعْدَمة، أو مهمّشة، أو مسحوقة؟ والخطأ الرابع لمجموعة «أحرار حركة 20 فبراير» هو أن بعض أفرادها لا يتحكّمون في أعصابهم، ولا في غرائزهم. ويفضّلون منطق القوّة على قوّة المنطق. حيث استعملوا، مرارًا وتكرارا، الانفعال المُفرط، والضّغط، والسبّ، والعنف، والضّرب، ضدّ مناضلين من أحزاب اليسار، وذلك فقط لأن مناضلي أحزاب اليسار يعارضون أفعال مجموعة «أحرار حركة 20 فبراير»، أو أساليبها، أو مشاريعها. وقد سبق أن حدث وتكرّر ذلك الضرب داخل الجُموعات العامة، وداخل الوقفات في الشارع (وآخرها هو ما حدث خلال إحياء الذكرى الرابعة لِ ''حركة 20 فبراير'' في يوم الجمعة 20 فبراير من سنة 2015، في ساحة ''ماريشال''، وسط مدينة الدارالبيضاء). وهذا الشتم، أو العنف، أو الضرب، ما هو إلا تطبيق عملي لكُرههم الشّديد لأحزاب اليسار. وكانت دائما النتيجة العملية لهذا العنف هي نسف أنشطة ''حركة 20 فبراير'' من الداخل. ومن ميزات أفراد مجموعة «أحرار حركة 20 فبراير» أنهم يكرهون كرهًا شديدا كل من يخالفهم في الرأي، ويحاولون إسكاته، أو تهميشه، ولو بواسطة الاتهامات المُشَخْصنة الزّائفة، أو الضّغط، أو الإكراه، أو القوة. وهذا السلوك يتناقض مع مباديء ''حركة 20 فبراير''، ومع قيم الديمقراطية، ومع حقوق الإنسان. بل يتعارض حتى مع المبادئ البِدائية لكل عمل مشترك، سواءًا كان عملاً مهنيا، أو مدنيا، أو ثقافيا، أو جَمعويا، أو سياسيا. فهل يعقل أن تكره مجموعة «أحرار حركة 20 فبراير» مناضلي أحزاب اليسار، وأن تشتمهم، وحتى أن تضربهم، وأن تكون في نفس الوقت مناضلة من أجل الديمقراطية، والحرية، والكرامة، والعدالة؟ لا، مثل هذا العداء لأحزاب اليسار لا يمكن أن يتعايش مع قيم الديمقراطية والحرية ! ويتناسى عمدا أفراد مجموعة «أحرار حركة 20 فبراير» أن "حركة 20 فبراير" هي حركة جماهيرية، مفتوحة، ديمقراطية، سلمية، واحدة، ومُوَحّدة. وتتكوّن ''حركة 20 فبراير'' من خليط غير متجانس من المواطنين. وذلك إلى درجة أن عناصر بوليسية مستترة، أو مخبرة، أو بلطجية، كانت تتواجد دائما داخل الجُموعات العامة، وحتى في بعض اللجان العملية. وهذا الخليط المتنافر من المواطنين يفرض على مناضلي ''حركة 20 فبراير'' أن يبذلوا جهودا كبيرة لكي يتعاملوا مع التناقضات الداخلية في ''حركة 20 فبراير'' بيقظة، ومرونة، ونضج، وحكمة. لا أن يتعاملوا معها بانفعال، أو بتهوّر، أو بالعنف. فحتى حينما كنّا نكتشف عنصرًا بوليسيا مشاغبا داخل الجمع العام، فإننا كنا نرفض شتمه، أو ضربه، وإنما كنا نكتفي بإخراجه من قاعة الجمع العام.ومن المعروف أن المناضل الحقيقي هو الذي لا يعادي مناضلا آخر، ولا يهينه، ولا يعتدي عليه، ولو اختلف معه في الآراء. بل المناضل الحقيقي يبدل كل ما في وسعه من جهد، من أجل خوض وإنجاح النضال الجماهيري المشترك، مع كل ما يتطلّبه ذلك النضال المشترك، من استماع للآخرين، واحترامهم، وذلك بتواضع، وتعاون، وتكامل. وسيكون من الخطأ الفادح الرد على عنف أفراد مجموعة «أحرار حركة 20 فبراير» بعنف مماثل أو مضاد. لأن اللجوء إلى هذا العنف المضاد، يعني الخروج من ميدان النضال، والدخول إلى ميدان جِنائي، مع ما يفترضه ذلك من متابعة جنائية أو قضائية. وقد يكون هذا هو ما تريده القوّة المستترة المؤطّرة لمجموعة «أحرار حركة 20 فبراير». والحل الأمثل، ليس هو الرّد على عنف بعنف مضاد، وإنما هو الحرص المتواصل على التصرّف بشكل عاقل، حذر، مَرِن، نقدي، نموذجي، صارم، رزين، مسئول، لكي يرى الشعب من هو المناضل، ومن هو المُتهوّر، ولكي يصبح سلوكنا المتّزن نموذجا يقتدي به المُبتدئ، والمُتعلّم، وخصوصا المُخطئ. لأن هدف النضال، ليس هو هزم الخصوم، أو تهميشهم المنافسين، أو سحق الأعداء، وإنما هدف النضال هو إصلاح البشر، وتثقيفهم، وتوحيدهم، وتثويرهم (أنظر في هذا المجال كتاب: ''Le Politique''، ثم كتاب ''L'Éthique politique''، للكاتب عبد الرحمان النوضة، على الموقع ''http://LivresChauds.Wordpress.Com''). والخطأ الخامس لأفراد مجموعة «أحرار حركة 20 فبراير» هي أنهم يأتون إلى الجُموعات العامة لِ ''حركة 20 فبراير''، وإلى الوقفات في الشارع، على شكل إنزال، أي على شكل جماعة متراصّة، متشدّدة، ومتعصّبة، وعدوانية. ويتحرّكون كجماعة ضد باقي مناضلي ''حركة 20 فبراير''. ويستغلّون تعدّدهم، أو انضباطهم الجماعي، أو عدوانيتهم، لكي يفرضوا مواقفهم، أو اختياراتهم، على باقي مناضلي ''حركة 20 فبراير''. ويمكن أن يتحوّل هذا التصرف إلى انحراف نحو نوع خاصّ من «الطائفية» السياسية! وقد سبق أن تصارعنا (داخل ''حركة 20 فبراير'') حول مشكل أساسي، منذ نهاية سنة 2011. وكان هذا المشكل هو: هل نعمل داخل ''حركة 20 فبراير'' كجماعات أم كأفراد؟ وانتهى مجمل مناضلي أحزاب اليسار، وكذلك الجماعات، والتيارات الأخرى الثورية، العاملة داخل ''حركة 20 فبراير''، إلى الاقتناع بضرورة احترام هذا المبدأ (أي العمل كأفراد، وليس كجماعات). ولمّا جاءت مجموعة «أحرار حركة 20 فبراير»، في نهاية سنة 2012، استفادت من هذا الوضع، وأخذت تتحرّك، هي وحدها، كجماعة متراصّة ومتماسكة! وفي الوقت الذي ظل فيه مناضلو أحزاب اليسار يعملون داخل ''حركة 20 فبراير'' كأفراد، بقي أفراد مجموعة «أحرار حركة 20 فبراير» هم الوحيدين الذين يتصرّفون كجماعة متراصّة. وكانوا هم وحدهم يصوّتون كجماعة موحّدة، تُقلّد تصويت زعيمها (ولا يصوّتون بآراء مختلفة كأفراد مستقلّين عن بعضهم بعضا). فظنّوا أنهم أصبحوا أقوى من أحزاب اليسار مجتمعة، وشعروا بغرور بِدائي. وأرادوا أن يفرضوا «زعامتهم»، أو «قيادتهم»، على ''حركة 20 فبراير''. وبدأوا يحلمون بقدرتهم على تملّك ''حركة 20 فبراير''، أو تسخيرها لأغراضهم المكتومة. وكان سلوك أفراد مجموعة «أحرار حركة 20 فبراير» يتناقض مع هذا المبدأ الأساسي في ''حركة 20 فبراير''. وهذا المبدأ يُلزم مناضلي كل الأحزاب، والنقابات، والمجموعات، والجمعيات، والتيارات، الراغبين في العمل داخل ''حركة 20 فبراير''، بأن يدوبوا داخل هذه الحركة، وبأن يعملوا داخلها بتواضع، كمناضلين أفراد، وليس كجماعات مُتماسكة. لماذا؟ لأن التجربة بيّنت، مرارًا وتكرارًا، أن عمل مناضلي الأحزاب أو التيارات كجماعات مُتماسكة داخل ''حركة 20 فبراير''، يؤدّي حتمًا إلى ظهور منافسات حزبية ضيّقة، وإلى تنامي عَصَبية سياسية مُخرّبة، وإلى تحالفات لا مبدئية، وإلى منافسات حلقية سلبية، وإلى محاصَصَة مُكَبِّلة، وإلى مشاجرات لا منتهية. كما أن العمل كجماعات يسهل مناورات العناصر البوليسية المندسّة داخل ''حركة 20 فبراير''. فتُصبح هذه الحركة مُعرقَلة، أو مخنوقة، أو مكبَّلة، أو مشلولة، أو عاجزة. لكن على ما يظهر، لا يفهم أفراد مجموعة «أحرار حركة 20 فبراير» هذه الإشكالية، أو لا يعبأون بعواقبها، أو ربّما أنهم يريدون عمدًا استثمارها بهدف إحباط ''حركة 20 فبراير'' من الدّاخل. وقد سبق أن بيّنّا، مرارًا وتكرارا، لأفراد مجموعة «أحرار حركة 20 فبراير»، داخل الجُموعات العامة، أنه يلزمنا جميعا أن نعمل داخل ''حركة 20 فبراير'' كأفراد، وليس كجماعات، أو كتيارات، أو كأحزاب، أو كنقابات، أو كجمعيات. وقلنا لهم أن ''حركة 20 فبراير'' تقبل عضوية المواطنين الأفراد، وترفض عضوية الهيئات (مهما كانت نوعية هذه الهيئات). وسبق أن أوضحنا لهم أن نضال ''حركة 20 فبراير'' هو نضال جماهيري سلمي مشترك، ديمقراطي، تقدمي، وحدوي، وموحّد، وثوري. وقلنا لمجمل المشاركين أن ''حركة 20 فبراير'' تقبل التنافس بين الأفكار، لكنها ترفض التنافس أو التصادم بين جماعات. وحذّرناهم من عُقْم المنطق الحزبي الضيّق (لأن مجموعة «أحرار حركة 20 فبراير» تتحرّك فعلاً كحزب خاص، ولو أنها، إلى حدّ الآن، لا تقول بأنها تشكّل حزبا). ولمّا رأينا بعض أفراد مجموعة «أحرار حركة 20 فبراير» تعمل من أجل غرس الفكر الاسلامي الأصولي داخل ''حركة 20 فبراير''، أكّدنا لهم أن ''حركة 20 فبراير'' تحتاج إلى الفصل بين الدين والسياسة. لأن الدين هو شأن شخصي، بينما السياسة هي حقّ مشترك لجميع المواطنين. ولأن هدف ''حركة 20 فبراير'' هو تغيير المجتمع، وليس هو تغيير الدّين، أو إصلاحه، أو فرضه على الجميع. ولأن غايتنا ليست هي تطبيق الدّين، وإنما هي تطبيق الديمقراطية. وهدفنا ليس هو الفصل بين «المواطن المتديّن» و«المواطن غير المتديّن»، وإنما غايتنا هي الفصل بين الفكر الدّيني والفكر السياسي في مجالات تدبير الدولة والمجتمع. ولأن الخلط بين الدّين والسياسة يمكن أن يؤدّي إلى حماقات، مثل انحرافات «طالبان»، أو «القاعدة»، أو «داعش»، أو «بُوكو حرام»، أو ما شابهها. وفكر الاسلام السياسي الأصولي هو بالضّبط الذي سهّل نشوب حرب أهلية مدمّرة في كل من سوريا، والعراق، واليمن، ومصر، وليبيا، والصومال، والسودان، والجزائر، وأفغانستان، وباكستان، ومالي، والنّيجر، وشمال نيجريا، إلى آخره. وفي المغرب أيضا، وعلى خلاف بعض الآراء، إذا لم نحتاط، يمكن لنفس الأسباب أن تنتج نفس النتائج، أي الحرب الأهلية في المغرب! سابقة مجموعة بوليسية تسمّي نفسها «المستقلّين»! خلال سنة 2012، عاشت ''حركة 20 فبراير'' بالدارالبيضاء تجربة مريرة مع مجموعة تحمل مُميّزات مشابهة لمميّزات مجموعة «أحرار حركة 20 فبراير». وكانت تلك المجموعة تسمّي نفسها آنذاك «مجموعة المستقلّين». وكانت هذه المجموعة تقوم باستمرار بأعمال تؤدي إلى خلق المشاحنات، وافتعال الصّدامات، وتفجير المشاجرات، وبثّ الفوضى، سواء داخل الجُمُعَات العامة، أم خلال المسيرات. وتكرّرت أعفالهم التخريبية إلى حدّ أن اقتنع مجمل باقي المناضلين بصفتهم البوليسية. وحاولنا إخراجهم من الجمع العام، فرفضوا بالقوة أن يغادروا قاعة الجمع العام. ولتفادي أية صدامات عنيفة لا طائل منها، اضطررنا إلى إلغاء الجمع. وقرر الجمع العام منعهم من الدخول مستقبلا إليه. كانت أحزاب «الأحرار» في المغرب دائما محرّكة من طرف السلطة السياسية في معظم الحالات، كانت المجموعات البشرية تلجأ إلى التعبير عن الهوية السياسية التي تفضّلها عبر الإسم الذي تمنحه لنفسها. وفي إسم مجموعة «أحرار حركة 20 فبراير»، تثير عبارة «الأحرار» أكثر من تساءل. هل المقصود هو أن أفراد مجموعة «أحرار حركة 20 فبراير» يريدون التميّز (داخل ''حركة 20 فبراير'') ب «تحرّرهم» من أحزاب اليسار؟ هل يعتبرون أن أحزاب اليسار هم الوباء المطلق الذي ينبغي التحرّر منه، أو التخلّص منه؟ وما هو مضمون «تحرّرهم» هذا؟ وما هو الدليل على أنهم «متحرّرين» حقيقةً من كل القوى السياسية الموجودة في البلاد (بما فيهم السلطة السياسية)؟ وهل معنى ذلك «التحرّر» هو أن المناضلين الآخرين، المنخرطين في أحزاب اليسار، ليسوا «أحرارًا»؟ وهل «الحرية» تكتسب فقط من خلال الانخراط داخل مجموعة متهوّرة مثل مجموعة «أحرار حركة 20 فبراير»؟ ألا تعلّمنا الفلسفة أنه لا يقدر أي شخص أو جماعة على أن يكون «حرّا» إلاّ إذا كان يكافح بتواضع من أجل حرّية الآخرين، كل الآخرين، وليس من أجل سحقهم؟ وعودةً للتاريخ، نلاحظ أن كلمة «أحرار» في تسمية مجموعة «أحرار حركة 20 فبراير» تذكّر كل ملاحظ بتكتيكات الملك المستبد الحسن الثاني (1929-1999). فحينما كان يريد الحسن الثاني محاربة أحزاب المعارِضة، أو المناضلة، سواء في عهد وزير الداخلية الجنرال محمد أفقير (1920-1972)، أم في عهد وزير الداخلية ادريس البصري (1938-2007)، كان يحثّ بعض أنصاره على التكتّل بالضّبط كَ «أحرار» مستقلّين عن الأحزاب المعارِضة. ويُوفّر لهم النظامُ دعم إدارات الدولة. وقد حدث هذا مثلا في سنة 1963، في تجربة «جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية»(FDIC)، بتأطير من صديق الملك ومستشاره أحمد رضا اكديرة (1922-1995). وكما كان متوقّعا، فازت فيما بعد هذه «الجبهة» بالأغلبية الساحقة في انتخابات البرلمان والجماعات المحلية. وتكرّرت هذه التجربة قي سنة 1977، عندما تكوّنت مجموعة البرلمانيين «اللاّ منتمين للأحزاب السياسية» (Sans Appartenance Politique)، أي «المتحرّرين» من الأحزاب المُعارضِة. وفي سنة 1978 تحولت هذه المجموعة إلى حزب سياسي يحمل إسم «التجمع الوطني للأحرار»، برئاسة أحمد عصمان (1930-...). وهو في نفس الوقت صهر الملك محمد الخامس. وكان هذا الحزب يحظى هو أيضا بدعم إدارات الدولة، ويحصد في الانتخابات اللاحقة نسبًا هامة من المقاعد في البرلمان، وفي الجماعات المحلية. وحظي بوزارات متعدّدة في حكومات متعاقبة، دون أن يأتي بأي جديد في تدابير الحكومة. وفي عهد الملك محمد السادس، وقبيل سنة 2007، تكرر نفس التكتيك، لكن بأساليب مختلفة نسبيا، ودون استعمال مصطلح «الأحرار». حيث أقدم صديق الملك، (وهو في نفس الوقت وزير منتدب سابق في وزارة الداخلية)، أقدم فؤاد عالي الهمة على جَمع برلمانيين، وأعيان، وبعض قدماء مناضلي اليسار، إضافة إلى انتهازيين كثيرين. ثم حوّل فؤاد عالي الهمة هذه المجموعة إلى تشكيلة سياسية سمّاها «حركة لكل الديمقراطيين». وفي شهر غشت 2009، حوّل هذه الحركة إلى «حزب الأصالة والمعاصرة». وجمع في هذا الحزب خمسة أحزاب أخرى صغيرة موالية للدولة. وكان هدف هذا التكتيك آنذاك هو: أولاً، إضعاف «الكتلة الوطنية» (التي كانت تتكون من ''حزب الاتحاد الاشتراكي''، و''حزب الاستقلال''، و''حزب التقدم والاشتراكية'')؛ وكان الهدف ثانيا (قبل حدوث تفاهم بين السلطة السياسية و''حزب العدالة والتنمية'') هو قطع الطريق على ''حزب العدالة والتنمية'' الإسلامي لكي لا يكتسح نسبة كبيرة من الكراسي في الانتخابات القادمة للبرلمان وللجماعات المحلية. وفي انتخابات سنة 2009، حصد فعلا «حزب الأصالة والمعاصرة» نسبة كبيرة من المقاعد.فقد ألفت الأجهزة القمعية للنظام ضرب حزب معارض بحزب مضاد، وضرب نقابة بنقابة مخالفة، وضرب جمعية بجمعية منافسة، وضرب شخصية ناقدة بأشخاص آخرين موالين. وليس غريبا أن يحاول النظام اليوم أيضا ضرب ''حركة 20 فبراير'' بحركة أخرى مشابهة، نابعة من داخل ''حركة 20 فبراير'' ومعادية لها! فقد بيّنت إذن التجربة التاريخية بالمغرب أن مجموعات «المستقلّين»، أو أحزاب «الأحرار»، كانت دائما تُكوّن بإيعاز من السلطة السياسية، وأن غايتها الوحيدة هي ضرب أحزاب اليسار المعارضة، وإضعافها، ومنعها من الحصول على تأييد الشعب أو دعمه. وتكتيك مجموعات وأحزاب «الأحرار» كان دائما هو إفساد المنافسة السياسية، وخلق البلبلة وسط الشعب، ومغالطته، وتفعيل الزبونية السياسية، وخنق نضالات الجماهير، والحيلولة دون حدوث تعاطف بين الجماهير الكادحة والأحزاب المعارضة أو اليسارية. لذا يتبادر في ذهن الملاحظ التساءل التالي: هل مجموعة «أحرار حركة 20 فبراير» هي تكرار لتجربة أحزاب «الأحرار» الماضية؟ واعتبارا لتجارب سياسية ماضية ومتعدّدة حدثت عبر العالم، أخشى أن تكون كل مجموعة بشرية تجتمع فيها عناصر محدّدة، مثل: العداء لأحزاب اليسار، وكره قيم اليسار، وضعف الثقافة، والميل نحو الفوضوية، وعدم التحكّم في العواطف أو النّزوات، والعنف، أخشى أن تنحرف مثل هذه المجموعة بسهولة نحو ميولات فاشية. خلاصة في الوضعية الراهنة بالمغرب: - هناك من يعمل من أجل خلق، أو تنشيط، أو دعم، حركات نضالية ضد الفساد، وضد الاستبداد، وهناك من يعمل من أجل عرقلة هذه النضالات، أو تشتيتها، أو فرملتها، أو توقيفها. - وهناك من يعمل من أجل تقريب شتّى أنواع المناضلين، أو تجميعهم، أو توحيدهم، وهناك من يعمل من أجل تفريقهم، أو تشتيتهم، أو بثّ العداوة فيما بينهم، أو ضرب بعضهم ببعض. - وهناك من يعمل من أجل تحليل قضايا النضال المعقّدة، أو توضيحها، أو تعميقها، أو نشرها، أو تسهيل الوعي بها، وهناك من يعمل من أجل خلق البلبلة في الأفكار، أو التعتيم، أو الإرتباك، أو الغموض في التصوّرات السياسية. وكل اللذين يسقطون في معاداة الأحزاب التقدمية، أو المعارضة، أو اليسارية، أو الثورية، إن لم يُصحّحوا خطأهم سريعًا، فإنهم سينفضحون حتمًا، وإن التاريخ سوف يسجلهم في خانة التّائهين، أو المنحرفين، إن لم يكن أسوأ من ذلك. وكلّ من يكره المناضلين، أو يُعاديهم، أو يعتدي عليهم، فهو عنصر رجعي، وقد يكون مرتزقا لدى النظام. وكل شخص ينتقد أحزاب اليسار بنية نزيهة، فإنه يلتزم باحترامها، ويساهم في تقويمها، سواء من داخلها، أم من خارجها. وكل من يكره فكر اليسار، أو يبغض أحزاب اليسار، أو يعاديها، أو يحاربها، فقد يكون إمّا ضالاّ، وإمّا عميلا لنظام الفساد والاستبداد. وكل شخص يعمل من أجل تقسيم ''حركة 20 فبراير'' إلى حركتين موازيتين ومتناحرتين، فالاحتمال الأكبر هو أنه إمّا شخص ضالّ، أو رجعي، وإمّا أنه بلطجي، أو مأجور لدى نظام الفساد والاستبداد، سواءً كان واعيا بذلك أم لا. ورغم خلافي مع أفراد مجموعة «أحرار حركة 20 فبراير»، فإنني لا أحقد عليهم. بل أتمنّى لكل فرد منهم أن يصحّح أخطاءه في أسرع وقت ممكن، وأن يلتزم بصدق بمباديء ''حركة 20 فبراير''، وأن يكون مناصرا للشعب، ولقواه التقدمية والثورية، وأن يقبل بالعمل كفرد مستقل، وليس كمجموعة متعصّبة، داخل ''حركة 20 فبراير''، مثله في ذلك مثل باقي المناضلين، سواء كانوا متحزّبين أم غير متحزّبين. وإن كنتُ أنا مخطئا، فأتمنى أن أعي أنا أيضا أخطائي، وأن أصحّحها. وكل من تُبيّن ممارسته أنه يجتهد لتصحيح أخطاءه، فإن ''حركة 20 فبراير'' ستحتضنه من جديد. أما من يتمادى في ضلاله، أو يرفض تصحيح أخطائه، فإن ''حركة 20 فبراير''، وكذلك القوى المناصرة للشعب، ستلفظه لا محالة.