أصدرت وزارة الداخلية قبل أيام مرسوما يقضي بالزيادة في أجور رجال السلطة بمختلف رتبهم، زيادة هي أسترنومية في قيمتها فجائية في توقيتها حسب ما أفاد به مهتمون بالشأن الإقتصادي في بلدنا. فقد تراوحت بين أزيد من 6 آلاف درهم و30 ألف درهم شهريا. لا حديث بعد الآن عن التقشف أيها العاملون بوزارة الداخلية. لقد أجزل لكم العطاء . فهنيئا لكم بحاتمية الحكومة المتقشفة. هذا جزاؤكم على التزامكم بواجب التحفظ الذي تنصحكم الجهات العليا بضرورة مراعاته. وكأن في الجانب الآخر موظفون غوغائيون ينتمون لقطاعات مختلفة ومنضوون تحت لواء منظمات نقابية تدعي الدفاع عن حقوقها،لكن كل ما يجمعهم هو الشكوى، وبحق ،من سوء الحال وهم عمليا لا يملكون إلا حناجرهم لتمرير تذمرهم أو إقدامهم من حين لآخر على وضع عصا في عجلة المرافق التي يشتغلون فيها ،لكن سرعان ما يفطن أولو الأمر إلى إبطال مفعول هذا العصا التي قد يكون أصابها النخر من فرط الإستعمال المتكرر. هل يمكن أن نثق بعد الآن بجدوى النضال الذي ينتهي بصاحبه إلى الخذلان، حين يرى ما تحقق عند البعض بكل سلاسة أي ب "لا عين رأت ولا أذن سمعت". في حين يضطر هو مكرها إلى التردد على جولات حوار لا يفضي إلا إلى خلق حوار جانبي ينسي في سابقه ؟ هل نسلم بوجود نقابات تنتصر للمطالب المشروعة للموظفين والمستخدمين، دون أن نسائل أنفسنا عن فعاليتها وتمثيليتها الحقيقية؟ هاهي وزارة الداخلية تشذ عن القاعدة وتخلق الحدث، بتمكين المنتسبين لها من تعويضات سخية لا مثيل لها في تاريخ الزيادات التي قررتها الحكومات المتعاقبة ، رغم أن المستفيدين منها هم أصلا يرفلون في نعم وفي امتيازات لا حصر لها : سكن متميز، تسهيلات مضمونة ،خدمات أغلبها مجاني يؤديها المرتفقون طوعا للتقرب من السلطة، أو كرها طلبا لقضاء مأرب أو فتح مسطرة تعذرسلوكها. لا يمكن أن يقنعنا أحد بأن طبيعة المهام التي يتقلدها هؤلاء المحظوظون من موظفي الدولة، تقضي بعدم جواز انخراطها في أية نقابة. هذا كلام غير صحيح، والواقع يكذبه،ولا يبرره إلا الإصرار على تكريس هيمنة أجهزة بعينها على غيرها من أجهزة الدولة، كما يظهر جليا في هيمنة السلطة العسكرية وشبه العسكرية على سائر الوظائف المدنية والخدماتية . هذا واقع لا يتجسد، للأسف إلا في الدول المتخلفة، التي تنظر إلى الكائن المدني بوصفه كائنا معوجا يجب الإمعان في مراقبته والإحتراس من ردة فعله، ومن ثم وجب تصويبه. أما الدول المتشبعة بقيم الحرية والديمقراطية والعدالة فإنها تثق في شعوبها وتتيح للأجهزة التنفيذية فيها حق الإنتماء النقابي والجمعوي، لما لهذه الإتاحة من أثر إيجابي على أداء الموظفين بجميع أصنافهم ، ومن إشاعة لروح المساواة في تحمل الأعباء وفي الإستفادة من المكاسب التي تترتب عنها. ماذا على معشر الموظفين المدنيين ،الغير معنيين بهذه الزيادة المستفزة، فعله ؟ إنها زيادة، وياللمفارقة، جاءت في وقت حرج بحت فيه حناجر النقابات والتنسيقيات المتفرعة عنها، أملا في زيادة يتيمة مؤجلة عن اجتماعات ماراطونية سالفة. من يصدق القول بأن التعليم يأتي في المرتبة الثانية من الإهتمام بعد الوحدة الترابية؟ هذا أصبح شعارا للإستهلاك، فعمليا وزارة الداخلية هي من تحظى وحظيت على الدوام بالإهتمام بعودتها إلى سابق عهدها كأم للوزارات، رغم أنف الإنفتاح والديمقراطية التي بشر بها العهد الجديد. فإذا ما حصل وأن وضع السيد رئيس الحكومة طابعه على مرسوم هذه الزيادة، وهو أمر بات في شبه المؤكد مع أول اجتماع حكومي قادم، فإنه سيقضي على النزر اليسير من المصداقية التي لا زال يحتفظ بملامحها، حينما يدعي الخصاص ويستكثر على فئات من موظفي الدولة ما يصرفه بسخاء على أجهزة أخرى محظوظة انتزعت بالسكوت والإنتظار، ما لم ينتزعه غيرها بالإلحاح والصراخ. فيا أيها الموظفون والمستخدمون المدنيون : مزقوا بطائق انتمائكم النقابي أو احرقوها. لم تعد تصلح لشيء. ولا شك أنكم أدركتم قوانين اللعبة ولو بعد توالي تجارب الإحباط. فانسوا شيئا اسمه النقابة، إنها فقدت قوة الدفع فيها وأصبحت آلة لتفريخ الوعود التي يتفنن أقطاب التدبير الحكومي في تحويرها أو تبرير استحالة تحققها.