سيْراً على نهجِ الرّئيس التّركي، رجب طيّب أردُوغان، صاحب كتاب "رؤية للسّلام العالمي"، تعمّق نُعمان كورتولموش، نائب رئيس الوزراء التركي، في سبر أغوار الحضارة العالمية الجديدة المرجوة من النظرة التركية، ووضع تصوراته الخاصة حول مشروع نظام عالمي جديد يقوم على أساس السلّام والأمن والعيش المشترك، فيما انتقد بشدة بسط القوى الدولية الكبرى يدها على العالم باستمرار، "من منطق القوة وليس الحق والصلاح". نعمان كورتولموش، الذي كان يتحدث أمس الثلاثاء خلال محاضرةِ "تصور الحضارة" بالرباط وحضرها جمع من الطلبة والأكادميين والمسؤولين المغاربة والأتراك في إطار الأيام الثقافية التركية بالمغرب، قال إن تركيا والمغرب يتقاسمان صفة "بوابة الإسلام" على مستوى الشرق والغرب، مشيرا إلى أن الفتح الإسلامي الذي قام به القائد العسكري المسلم، طارق بن زياد، لشبه الجزيرة الإيبيرية، ليفسح المجال أمام نشوء حضارة "الأندلس" الإسلامية، مكّن من وصول تلك الحضارة إلى القارة الأوروبية، وهو الأمر ذاته الذي نجحت في تحقيقه الإمبراطورية العثمانية، في توسعها الإسلامي في الغرب الأوروبي. البروفيسور في جامعة اسطنبول، الذي يوصف كأبرز صانعي النهضة الاقتصادية في تركيا، أورد أن نشوء تلك الحضارة الكبيرة، أدى إلى نهضة إسلامية على مستوى العلوم والآداب والفنون، ومعها إلى نهضة أوروبية "يعترف بها كل شريف"، مشيرا إلى أن تمدد الإمبراطورية العثمانية لقرون جعل حضارتها تلتقي مع الحضارة الإسلامية التي دشنها الأمويون في عصر الأندلس، على أن هذا التلاقي "دفع أوربا إلى القبول بالإسلام والمسلمين دون أي صراع". في مقابل ذلك، نبه كورتولموش إلى التعمد الحاصل في نشر صور مشوَّهة عن الإسلام، خاصة مع استغلال المقاربات التي تدعي صلة الإسلام بالإرهاب وأنه دين قتل وذبح واحتجاز الأبرياء من جهة، وعلى أن هذا الدين غير مرغوب فيه من طرف الغرب من جهة ثانية، مضيفا أن الإسلام يبقى فوق كل ذلك "دين حب وسلام وعلم وثقافة.. يجب أن نكمل المسار الذي بناه الإسلام بالحب.. والمغرب وتركيا يتحملان المسؤولية الكبرى في ذلك". السلام العالمي "في 2015، هل يمكننا أن نرى سلاما في العالم؟".. يتسائل القيادي البارز في حزب العدالة والتنمية التركي، الذي أجاب ب"نعم ممكن"، ليَلِج إلى مقاربته المرتبطة بهذا الجواب، مثيراً ثلاثة أمثلة عاشتها الأمة الإسلامية في القرون السابقة، أولاها "امتداد الإمبراطورية العثمانية لخمسة قرون متتالية بتعايش كامل مع المسلمين والمسيحيين"، مضيفا أن هذا التعايش لم يعرف إثارة أي صراع ديني أو عرقي أو إثني، ليخلص أن فتح الأبواب للآخرين مدخل لتحقيق السلام العالمي. المثال الثاني حسب كورتولموش، يتعلق بوضعية القدس في ظل الحكم العثماني، مشيرا إلى أنها ظلت منطقة ممتدة جغرافيا وتجمع على ترابها المسلمين والمسيحيين واليهود لحوالي 400 سنة "لم يكن هناك أي صراع.. بل كان القرآن حاضرا إلى جانب التوراة والإنجيل"، ليخلص إلى أن إعطاء الناس حقوقهم "في حرية الاعتقاد، ونشر ما يؤمنون به، وحرية التجمع، والجولان الحر، والتجارة الحرة" سيمكن أيضا من العيش في سلام عالمي وفق نظام منفتح ويعترف بالجميع. أما ثالث الأمثلة التي ضربها المسؤول التركي، فوصلها بالأندلس، حيث أوضح أن المسلمين وقتها لم يحققوا فقط نهضة على مستويات العلوم والآداب والهندسة وغيرها من المجالات، "بل منحوا غير المسلمين حقوقهم الكاملة.. لم يبدلوا ديانات الآخرين ولم يقتحموا خصوصيات الناس في أوروبا"، مضيفا أن عبارة بقيت منقوشة على قصر غرناطة تقول "لا غالب إلا الله"، معلقا عليها بقوله إن المسلمين كانوا يُشيعون ثقافة "أن ليس هناك أي قوي بيننا إلا الله". نظام عالمي جديد وجعل نائب رئيس الوزراء التركي خاتمةَ عرضه حول أهم المطالب الأساسية لتأسيس لبنات السلام العالمي، تتعلق أولاها بتحقيق المساواة بين بني البشر منذ ولادتهم، وحرية اختيار الناس لمسارهم وحياتهم والابتعاد عن إكراههم على أيّ فكر أو نظام معين، إلى جانب "الحق قابل القوة"، حيث توقف كورتولموش عند النظام العالمي الذي أفرزته تداعيات الحرب العالمية الثانية، موردا أن هذا النظام يحوم حول الدول القوية والعظمى "فقط 5 دول لهم الحق في الفيتو وكل ما يردونه يتحقق في العالم ولا يستطيع أحد منعه". وأعطى نعمان كورتولموش، الذي يعد من أبرز من ساهموا في "رؤية 2013" التي تروم وضع تركيا ضمن أقوى 10 دول في العالم، مثالا على هذا النظام، الذي يدعو إلى بديل عنه، بمئات القرارات الدولية الصادرة ضد إسرائيل "التي لم يتم تفعيلها"، إلى جانب ما يحصل في سوريا من قتل وتهجير وجرائم ضد الإنسانية "العالم لم يتحرك لأن روسيا صاحبة الفيتو وترفض ذلك". ودعا نعمان كورتولموش، في نهاية المطاف، إلى نظام عالمي جديد ترتكز فيه موازين القوي على "من هو على حق وصواب وليس على من هو قوي اقتصاديا وسياسيّاً"، مضيفا أن القوي في العالم يجب أن ينظر للدول الأخرى على أنها شريك في القرار والحقوق والواجبات، مشددا على أن هذا النظام يجب أن يستند على منطق أن العالم كله تحت سيادة الإنسانية".