نشرة إنذارية.. تساقطات ثلجية على المرتفعات التي تتجاوز 1500م من السبت إلى الإثنين المقبلين    "روح الأسرة" بعيدا عن "سلطوية العام" و"شكلانية القانون" و"مصلحية الاقتصاد"    مديرية الضرائب تفتح شبابيكها يومي السبت والأحد للمهتمين بتسوية وضعيتهم الجبائية من الأشخاص الذاتيين    الحكم موقوف التنفيذ لمناهضين ضد التطبيع    إياب ساخن في البطولة تبدأ أطواره وسط صراع محتدم على اللقب وتجنب الهبوط    كافي: يجب مناقشة التعديلات المقترحة على قانون مدونة الأسرة بعيدا عن التعصب لرأي فقهي    هذا نصيب إقليم الناظور من البرنامج الاستعجالي لتعزيز البنيات التحتية بجهة الشرق    المنتخب المغربي يشارك في البطولة العربية للكراطي بالأردن    الدحمي خطاري – القلب النابض لفريق مستقبل المرسى    مديرية الضرائب تفتح شبابيكها نهاية الأسبوع لتمكين الأشخاص الذاتيين المعنيين من التسوية الطوعية لوضعيتهم الجبائية    رأس السنة الجديدة.. أبناك المغرب تفتح أبوابها استثنائيًا في عطلة نهاية الأسبوع    غياب الطبيب النفسي المختص بمستشفى الجديدة يصل إلى قبة البرلمان    بيت الشعر ينعى الشاعر محمد عنيبة الحمري    العام الثقافي قطر – المغرب 2024 : عام استثنائي من التبادل الثقافي والشراكات الاستراتيجية    استخدام السلاح الوظيفي لردع شقيقين بأصيلة    إسرائيل تغتال 5 صحفيين فلسطينيين بالنصيرات    اكتشاف جثة امرأة بأحد ملاعب كأس العالم 2030 يثير الجدل    توقعات أحوال الطقس ليوم الخميس    تعاونيات جمع وتسويق الحليب بدكالة تدق ناقوس الخطر.. أزيد من 80 ألف لتر من الحليب في اليوم معرضة للإتلاف    الكونفدرالية الديمقراطية للشغل تصعد رفضها لمشروع قانون الإضراب    حلقة هذا الأسبوع من برنامج "ديرها غا زوينة.." تبث غدا الجمعة على الساعة العاشرة    أسعار الذهب ترتفع وسط ضعف الدولار    صناعة الطيران: حوار مع مديرة صناعات الطيران والسكك الحديدية والسفن والطاقات المتجددة    أسعار النفط ترتفع بدعم من تعهد الصين بتكثيف الإنفاق المالي العام المقبل    بلعمري يكشف ما يقع داخل الرجاء: "ما يمكنش تزرع الشوك في الأرض وتسنا العسل"    "ال‬حسنية" تتجنب الانتقالات الشتوية    طنجة تتحضر للتظاهرات الكبرى تحت إشراف الوالي التازي: تصميم هندسي مبتكر لمدخل المدينة لتعزيز الإنسيابية والسلامة المرورية    الارتفاع يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    "التجديد الطلابي" تطالب برفع قيمة المنحة وتعميمها    "الاتحاد المغربي للشغل": الخفض من عدد الإضرابات يتطلب معالجة أسباب اندلاعها وليس سن قانون تكبيلي    وكالة بيت مال القدس واصلت عملها الميداني وأنجزت البرامج والمشاريع الملتزم بها رغم الصعوبات الأمنية    تدابير للإقلاع عن التدخين .. فهم السلوك وبدائل النيكوتين    مقتل 14 شرطيا في كمين بسوريا نصبته قوات موالية للنظام السابق    كندا ستصبح ولايتنا ال51.. ترامب يوجه رسالة تهنئة غريبة بمناسبة عيد الميلاد    سنة 2024 .. مبادرات متجددة للنهوض بالشأن الثقافي وتكريس الإشعاع الدولي للمملكة    الممثل هيو جرانت يصاب بنوبات هلع أثناء تصوير الأفلام    الثورة السورية والحكم العطائية..    كيوسك الخميس | مشاهير العالم يتدفقون على مراكش للاحتفال بالسنة الميلادية الجديدة    الإعلام الروسي: المغرب شريك استراتيجي ومرشح قوي للانضمام لمجموعة بريكس    مباراة ألمانيا وإسبانيا في أمم أوروبا الأكثر مشاهدة في عام 2024    الضرورات ‬القصوى ‬تقتضي ‬تحيين ‬الاستراتيجية ‬الوطنية ‬لتدبير ‬المخاطر    الصين: أعلى هيئة تشريعية بالبلاد تعقد دورتها السنوية في 5 مارس المقبل    "أرني ابتسامتك".. قصة مصورة لمواجهة التنمر بالوسط المدرسي    المسرحي والروائي "أنس العاقل" يحاور "العلم" عن آخر أعماله    اعتقال طالب آخر بتازة على خلفية احتجاجات "النقل الحضري"    جمعيات التراث الأثري وفرق برلمانية يواصلون جهودهم لتعزيز الحماية القانونية لمواقع الفنون الصخرية والمعالم الأثرية بالمغرب    مصطفى غيات في ذمة الله تعالى    جامعيون يناقشون مضامين كتاب "الحرية النسائية في تاريخ المغرب الراهن"    التوجه نحو ابتكار "الروبوتات البشرية".. عندما تتجاوز الآلة حدود التكنولوجيا    هل نحن أمام كوفيد 19 جديد ؟ .. مرض غامض يقتل 143 شخصاً في أقل من شهر    دراسة تكشف آلية جديدة لاختزان الذكريات في العقل البشري    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السياسة الغربية بخصوص النزعة الإسلامية .. *
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 07 - 03 - 2014

لم يكن السؤال مطروحا في الماضي، لكن منذ « الربيع العربي « الذي أوصل الإسلاميين إلى السلطة في العديد من البلدان العربية، والذي كشف بوجه الخصوص، في مجموع العالم العربي، أن الشعوب كانت تُؤيد بشكل واسع حكومة إسلامية، أصبح طرح السؤال مشروعا: هل تُمثل النزعة الإسلامية مشكلا بالنسبة للبلدان الإسلامية أم بالنسبة للغرب وحده؟
لقد تغيرت النظرة مع مرور الوقت.
لم تكن النزعة الإسلامية، خلال فترة طويلة، تمثل مشكلا لأي كان، ولا للإسلام نفسه من دون شك، اللهم بالنسبة لمثقفين مسلمين قلائل كانوا يتساءلون هنا وهناك حول مستقبل الإسلام. بعضهم يتساءل إذا ما كان الإسلام سيختفي في ظل سير العالم دائما باتجاه حداثة أكثر، مثلما تراجعت المسيحية في المجتمعات الغربية، والبعض الآخر يتساءل كيف يمكن بعث الإسلام، تحديثه، تعليمه للأجيال الصاعدة، بينما يعتقد آخرون أن الرجوع إلى إسلام الأصول هو الطريق الوحيد لإنقاذ الإسلام. لم يكن لمعظم هؤلاء أي انشغال سياسي، كانوا يسعون إلى الحفاظ على تراث ديني، ثقافي، لساني، شعري، معماري... إلى إنقاذه. في العالم كله، لم يكن هناك أحد على علم بهذا السؤال وبالكتابات التي أنتجها هؤلاء المثقفون.
بعد ذلك، وبوجه خاص بعد حملة الجنيرال بونابارت على مصر، التي انضافت إليها حملة علمية واسعة جدا، اكتشف الغرب لنفسه مصلحة مفاجئة ثم ولعا حقيقيا بمصر وبالعالم العربي. حتى حدود تلك الفترة، كان يُشار إلى العالم العربي ب « الشرق « الذي كان يُزهر إغرابية ومغامرة، كما كان يدفع إلى استحضار الملاذ الأصلي حيث وُلدت المسيحية ومن حيث انطلقت الحضارة اليهودية - المسيحية. بذلك وُلد الاستشراق، كطريقة متزهدة إلى حد ما في النظر إلى الشرق شبيهة ومختلفة بفعل الدين، اللغة، الثقافة. ثم وَلد الاستشراقُ التغريبَ. أقام العالمان بينهما مرآة مشوِّهة ستمارس عليهم الكثير من الحيل. بعد فوات فترة السحر، حلت فترة عدم الفهم.
بُنيت السياسة العربية بخصوص الشرق على سوء تفاهم.
بفضل علماء دين مسلمين بارزين، أمثال جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، اللذين زارا فرنسا واستُقبلا في الفضاءات الأكثر هيبة (الجامعات، الصالونات الأدبية، الأحزاب السياسية، المحافل الماسونية)، انطلقت مرحلة جديدة، حيث فهم الغربيون أن العالم الإسلامي شرع في إصلاح نفسه وأنه نصب الإسلام كأداة لذلك لتجديد. في ظل هذه الحيثيات، كان هناك ضمنيا إنكار ورفض للغرب الذي كان يتجه، منذ عصر الأنوار والثورة الفرنسية سنة 1789، نحو فصل الكنيسة عن الدولة.
نذكر هنا المحاضرة الشهيرة التي ألقاها الفيلسوف الفرنسي المعروف إرنست رينان بالسوربون سنة 1883، التي تمسك خلالها ببراعة وقوة الحجج لإثبات أن الإسلام في جوهره يعارض العلم وأن العرب بحكم الطبيعة لا يحبون لا العلوم ولا الفلسفة. كان يلتقي في ذلك مع أقوال ابن خلدون الذي كان يعرف وجهة نظره حول العرب. أثارت القضية ضجة وانتشرت في العالم الإسلامي. جاء رد جمال الدين الأفغاني قويا، وتلته معارضة عامة من كل المثقفين المسلمين في العالم. هبت الردود على الردود من كل الجهات. ونسجل بأسى أن ذلك النوع من النقاش، المُعَدّ والمُسالم، أصبح اليوم غير مُستساغ. في كتابه الشهير « الاستشراق. الشرق يخلق الغرب «، يُدين الفلسطيني - الأمريكي إدوار سعيد الخطاب الاستشراقي والاستعماري لرينان و، من خلاله، العنف الدفين الذي يُغذيه الغرب تجاه الشرق. ينبغي إعادة قراءة هذا الكتاب، في السياق الحالي، لأن لبعض خلاصاته بروز خاص. إننا ندرك بشكل أفضل ما يحسه المثقفون العرب وسلوكهم.
ملاحظة بسيطة: تظل الهوية الدينية للأفغاني غير مؤكدة. البعض يقول إنه فارسي، شيعي، جعفري الشعيرة (الإثنا عشرية) ، البعض الآخر يقول إنه أفغاني، سني، شيعي الشعيرة. هو نفسه كان يبدو مرتبطا بأفغانستان وبإيران وكانت له معارف جيدة بدقة الشعيرتين اللتين كان يتم إضفاؤهما عليه. ومما لا شك فيه أن لذلك ما يفسره: كان يعمل على تجديد الإسلام. وكان يرى أن ذلك يتطلب مسارا موحِّدا يتجاوز الانقسامات الدوغمائية بين التيارين الإسلاميين، الكبيرين، السني والشيعي.
بعد ذلك بوقت قصير، وفي إفريقيا الشمالية، سيظهر الجزائري ابن باديس ( 1889 - 1940)، المُخلص للأفكار الإصلاحية لجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، والشديد التأثر باللبناني شكيب أرسلان (أمير الدروز، الملقب « أمير الفصاحة « لتمكنه من اللغة العربية، المتحمس للجامعة الإسلامية والمدعم للإمبراطورية العثمانية - كان يوصي المسلمين والعرب بأن يدعموا الإمبراطورية العثمانية مهما كلف الثمن، لأنه كان
يتنبأ بأن انتهاءها سيؤدي إلى انفجار الأمة لفائدة القوى الغربية )، الذي اشتهر في العالم الإسلامي كله بفضل مجلته « الأمة العربية « التي كانت تثير الوحدة العربية واللغة العربية والتي كان لها قراؤها « من الرباط إلى يافا «، خلق حركة العلماء المسلمين الجزائريين التي حقق شعارها نجاحا كبيرا في جميع البلدان العربية حيث كان كل واحد يوظفها بطريقته : « الجزائر وطني، الإسلام ديني والعربية لغتي «. خلال الثلاثينيات من القرن الماضي، أدان بشجاعة كلا من الفاشية، النازية ومعاداة السامية، اللواتي كن تحققن نجاحا مؤكدا بين فرنسيي الجزائر، الذين كان معظمهم من أنصار الإيديولوجيا الرسمية لنظام فيشي ومتعاطفا مع الهتلرية، وفي الأوساط القومية العربية، المتعاطفة مع الهتلرية لكن لدوافع أخرى: كانوا يتبعون في ذلك مفتي القدس، الحاج أمين الحسيني، الذي تقرب رسميا من هتلر وأعلن الجهاد ضد اليهود، الصهاينة والغربيين (الفرنسيين والإنجليز)، ودعا الشباب العربي إلى الانخراط في الجيش الألماني، ما فعله الكثيرون، والذين شكل معهم هتلر الفرقة الإنقاذ الشهيرة « وافن - س س ».
اكتشف الغرب النزعة الإسلامية، اكتشف نزعة إسلامية لا تزال خالصة، يحركها مثقفون كبار، إلا أنها ستصبح متطرفة سنوات بعد ذلك مع حسن البنا، المتكون على أفكار جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، الأفكار التي كان معجبا بها إلا أنه كان يرى أنها مخطئة من حيث العمق؛ أما من حيث المنهج، فكان يعارض تصورها الروحاني الخالص للإسلام، وكان يعلن أن على المسلمين أن يذهبوا أبعد من ذلك، أن يعملوا على إبراز إسلام اجتماعي وسياسي، أن يتحرروا من الاستعمار ومن التأثير الغربي عن طريق الإسلام، ولو تطلب منهم ذلك اللجوء إلى وسائل متطرفة. في الواحدة والعشرين من عمره، أسس جمعية الإخوان المسلمين التي أصبح لها في وقت مبكرة جناح مسلح سري سُمي التنظيم السري.
ستُعرف هذه النزعة الإسلامية التي تحمل ألوان الإخوان المسلمين، بشكل فوري، نجاحا واسعا في العالم العربي كله. وجد فيها الأفكار الحديثة الميلاد للقومية والعروبة (تعبئة الشعب، النضال المسلح من أجل الاستقلال، وحدة العرب) التي انخرط فيها بطريقة غريبة. من هذا الخليط المتعجل، انبثق تيار هجين، يحمل أهدافا حديثة من جهة (بناء دولة على النموذج الغربي) وتقليدانية من جهة أخرى (بناء الدولة الإسلامية). بذلك وُلد مفهوم « الجمهورية الإسلامية « الهجين لإرضاء الحداثيين، المرتبطين بالجمهورية، والمتدينين المرتبطين، على نحو طبيعي، بالحكم بالشريعة.
لقد واجه الغرب هذه النزعة الإسلامية التوفيقية خلال فترة إزالة الاستعمار، إلا أنه بما أن الأخيرة كانت تخلط خطابها الضبابي بالخطاب الوطني الحديث، فإنه لم يكن لا مسموعا ولا مرئيا. في وقت وجيز، تفوق الوطنيون الذين يستلهمون من الاشتراكية ونصبوا أنفسهم في أحزاب وحيدة.
بعد سقوط الشاه وإقامة جمهورية إسلامية في إيران، وانتصار الإسلاميين الأفغان على السوفيات الذين كانوا يحتلون بلادهم (ساعدتهم الولايات المتحدة الأمريكية في ذلك)، اكتشف الغرب أن النزعة الإسلامية أصبحت في كامل قوتها وأن طموحاتها تتزايد. لقد انتقلت النزعة الإسلامية إلى مرحلة الجهاد والإرهاب، وفقدت بُعدها الروحي، الأخلاقي، الثقافي أو غيره. لقد أصبحت فاشية تخضع لإرادة القوة لا غير.
رغم كل الأضرار التي ألحقها الإسلاميون، الذين كَدّروا صورة الإسلام، لا تزال الشعوب المسلمة تصوت لصالحهم. حصل ذلك في تركيا، في أفغانستان، في الجزائر، في تونس، في مصر، كما أنهم يُهيمنون في جهات أخرى، إلا أن بلوغهم الحكم مسألة وقت. في أوروبا نفسها، يصوت المسلمون بأعداد كبيرة لصالح الإسلاميين. كما أن الذين ينتقدونهم لا يصلون، مع ذلك، حد إدانتهم ومقاومتهم، لخطورة ذلك ، وبوجه خاص، لأن النزعة الإسلامية تعبُر الأسر سواء في أوروبا أو في بلاد الأصل. إن مقاومة النزعة الإسلامية تعني مقاومة الفرد لأسرته، لإخوته، لجيرانه، لأصدقائه. وفي مواجهة الأقارب، تكون هناك دائما محاولة للتآلف، أو الانفصال في أسوأ الأحوال.
لم يحن الوقت بعد لاتخاذ القرار، إلا أنه يبدو أن النزعة الإسلامية هي، أولا، مشكلة بالنسبة للغرب الذي تُدين قِيّمه بعنف وتهاجم مصالحه، ولو أنها تسيء حاليا لأقاربها، المسلمين، أكثر. في البلدان الإسلامية، يظل من الممكن، مع ذلك، أن يتصالح المسلمون مع النزعة الإسلامية لوجود مجال مشترك معها: الإسلام. بهذا الخصوص، ينبغي أخذ النموذج التركي بعين الاعتبار: لقد تمكن الإسلام، الديمقراطية والنزعة الإسلامية من التآلف في هذا البلد وهم يبنون جميعهم تركيا جديدة.
بالرجوع شيئا ما إلى الوراء، يمكن أن نرى بأن الحكومات الغربية وكذلك الحكومات العربية والمسلمة قللت من قيمة النزعة الإسلامية، ثم واجهتها بشكل مباشر. لقد دعم الغربيون الديكتاتوريات العربية لسد الطريق في وجه النزعة الإسلامية ومواجهتها بالسلاح. إلا أنها قوتها بذلك، أعطتها الأبطال والشهداء الذين كانت في حاجة إليهم لكي تبني لنفسها صورة طاهرة جديرة بمفخرة النبي وهو يحارب الكفار.
لقد تمت إحاطة تدبير النزعة الإسلامية بالكثير من السرية، تحولت إلى قضية متخصصين ومصالح أمنية في حين أن الأمر يتعلق بقضية سياسية، عمومية إذن، كان ينبغي التعامل معها بكل وضوح وتعبئة المجتمع. إن قضية اجتماعية يُفوّض أمر تدبيرها إلى المتخصصين وحدهم، تكون لها كل حظوظ التطور وازدياد خطورتها. أما حين نطرحها على الجميع، فإننا نطرد الظل، نُفرغها من ألغازها. إلا أن الضرر حدث، لأن النزعة الإسلامية كسبت، في غضون ذلك، من حيث القوة ومن حيث الشرعية، أصبح لها اليوم تاريخ، إنها تحكم، تهيمن في أزيد من عشرين بلدا يوجد بها مائات الملايين من السكان. لم تعد المعطيات هي نفسها.
إن الأزمة الاقتصادية - وقد تكون أزمة قيم كذلك - التي تتخبط فيها البلدان الغربية الكبيرة، كذلك انتقال مركز ثقل القوة الاقتصادية العالمية إلى آسيا، وانعدام التنسيق بين تلك الدول الكبيرة، يدفع إلى الاعتقاد بأن النزعة الإسلامية ستتحرك بحرية فعل أكبر. فالصينيون، الروس، البرازيل، إفريقيا الجنوبية، إلخ، لن تكون لهم معها نفس السلوكات. إنهم لا يعرفونها فعلا، لا تربطهم بها علاقات تاريخية، سيشتغلون معها دون أية صعوبة ويمنحونها كل ما ترغب في اقتنائه منهم.
النزعة الإسلامية: خلاصات عامة
ليست النزعة الإسلامية وليدة اليوم. فمنذ الأيام الأولى لظهور الإسلام، سعى رجال متحمسون إلى التقرب إلى الله أكثر من النبي نفسه، النبي الذي كان موزعا إلى حد ما بين وظائفه المتعددة: نبي، زعيم حزب، رئيس دولة، جنيرال قائد، رب أسرة كبيرة. ولم تكن لديه مؤهلات هذه الوظائف كلها، بحيث أنه كان أميا ولم يزاول مهنة أخرى سوى مهنة التاجر. لقد تعلم وسط الركام، مع صحابته، ومع رئيس الملائكة، جبريل، الذي كان يُبلغه رسائل الله شفهيا.
وكما يحدث لطوف الجليد، تفتت الإسلام بسرعة إلى مصليات خاصة أقل ما يقال عنها إنها متضادة - الخوارج، السنة، الشيعة، التصوف -، ولم تكن تلك سوى البداية، فسرعان ما سنُحصي عشرات الصخور المنجرفة، المهمة إلى هذا الحد أو ذاك، وهي تتحرك في مجالات جغرافية وثقافية شديدة الاختلاف، إفريقية، أوروبية، هندية، آسيوية. إلا أن بناء الخلافة، التي تتمتع بسلطة مطلقة الحكم، والكتابة النهائية للقرآن ألحقا شيئا من النظام بغليان التشتت. فانتشار الإسلام عن طريق الغزو والإرشاد - تلك هي المهمة التي كلف بها الله المسلمين -، اكتشاف ومواجهة حضارات قوية - فارس، تركيا، الصين، الهند، إفريقيا - ، عوامل غيرت مركز ثقل وحكم العالم الإسلامي عشرات المرات.
فكلما تقدم الزمن، كلما اتسعت أرض الإسلام، كلما تضاعفت الانشقاقات كلمتا ضعف العالم الإسلامي. ولم يُعمر طويلا في النهاية، تقريبا نفس عمر الإمبراطورية الرومانية التي لم يدم وجودها سوى خمسة قرون - ألف سنة إذا ما اعتبرنا القرون الخمسة السابقة للجمهورية الرومانية -، إلا أنها احتلت فضاء أرحب. وكما هو شأن الإمبراطورية الرومانية، انهار الإسلام بعنف. انتقل مركز العالم إلى أوروبا، إلى عالم تتعارض قيمه مع القيم التي كانت تبني العالم الإسلامي. باستثناء الإيمان بالإله الواحد واقتسام الأنبياء أنفسهم - صنفهم الإسلام مع ذلك في مراتب مختلفة: من ابن الله بالنسبة للمسيحيين، تحول يسوع إلى نبي قاصر بالأحرى عند المسلمين؛ بالمقابل، إبراهيم، الذي يوليه المسيحيون أهمية أقل، وضعه المسلمون في هرم ترتاتبية الأنبياء بعد محمد مباشرة -، لا وجود لمشترك بينهما. لقد كانت المواجهة بين المسيحية والإسلام حتمية. كانت مواجهة سلمية والأندلس تلمع فوق العالم، كان العلماء المسلمون يجوبون أوروبا ويُدرّسون في جامعاتها الحديثة الميلاد، في فرنسا وفي إيطاليا. ثم أصبحت المواجهة عسكرية، أصبح هناك قتال، للتحرر من الاحتلال الإسلامي، في فرنسا، إسبانيا، النمسا وفي فلسطين بولع غريب.
بعد ذلك، وعلى مدى قرون، جاء التقهقر، كان العرب والمسلمون يتراجعون في كل الميادين، أخذ عالمهم يتقلص على كل المستويات، ترابيا، سياسيا، ثقافيا، اقتصاديا. لم يتبق أي شيء من العصر الذهبي ومن دار الإسلام الأسطورية. لقد تجزأت بلدانهم، أُعيد تشكيلها، استُعمرت، ثم اقفرت بفعل الحروب، والبؤس والهجرة.
تبقى لديهم، مع ذلك، شيء لم يكن بإمكان أي كان أن ينتزعه منهم، الإسلام. صنعوا منه غطاء أسمال، ملاذا، تطلعا. عرفت القرون مشاريع للتجديد، لكن لا أحد كان يسمع بها، لم تكن تخرج عن الدوائر التي كانت تضع تصوراتها. إلى حدود مجيء النزعة الإسلامية. من بين كل الذين اقترحوا تجديدا عن طريق الإسلام، كان تجديد الإسلاميين هو الأكثر مصداقية، الأكثر تحميسا. كان شموليا، دينيا، سياسيا، اجتماعيا. وكان تقديم الإنسان حياته لأجل الإسلام حلم المسلمين جميعهم. انخرطت فيه الشعوب بقناعة أكبر بما أن الذين كانوا يحكمونها كانوا أجانب، كفارا مستغلين ومتغطرسين، والذين عوضوهم بعد الاستقلالات اتضح أنهم بلا إيمان، مستبدون وفاسدون. أي خيار آخر كان أمام الشعوب؟ فالديمقراطية على النموذج الغربي، كانت تتطلب ثورة أفكار لم تكن ممكنة في الإسلام لتعارضها الجذري مع قوانينه الجوهرية. هنا يكمن كل شيء، على مدى أربعة عشر قرنا، لم تظهر وتتضّح في العالم الإسلامي أي ثورة فكرية شبيهة بثورة عصر الأنوار؛ وفي حالة وجود مبادرات، فإنها ظلت حبيسة أوساط مغلقة حيث قُتلت في المهد.
إن ما يُسمى «الربيع العربي» بتسرع، يَنتظر إعادة تصنيفه. هل هو فعلا المرحلة الأولى لمسيرة طويلة وفوضوية باتجاه الديمقراطية؟ هل هو المرحلة الأولى لديكتاتورية إسلامية؟ ما الذي سيترتب عنه؟ اتحاد للدول العربية الإسلامية يعمل لتحقيق النهضة المنتظرة؟ ديكتاتورية عسكرية جديدة؟ الفوضى الدائمة مثل ما تعرفه الصومال، أفغانستان، العراق، ليبيا وحروب أهلية جديدة؟ خروقات مكثفة لحقوق الإنسان؟ هجرات جماعية كبيرة؟ كيف ستتصرف المعارضة الديمقراطية في هذه البلدان؟ هل سينقسم الإسلاميون ويُحاربون بعضهم البعض؟ أية علاقة مع العالم الغربي؟ أي مستقبل للبحر الأبيض المتوسط؟ أي تطور سيعرفه الصراع الإسرائيلي - العربي؟ هل سيكون الإسلاميون أقل ضررا، أقل فسادا، من الأنظمة السابقة؟ هل سيحققون في مجالي الاقتصاد والأمن ما حققه الإسلاميون الأتراك؟ ما الذي سيقدمونه لبلدانهم وللعالم؟
كل الأسئلة، كل التخوفات، كل الآمال أيضا تظل قائمة.
إلى حين حدوث ذلك، فلم نعرف الإسلاميين، في العالم العربي، إلا في المعارضة، مسالمة أو مسلحة. أما اليوم، فهم يحكمون. إنه في الحقيقة عهد جديد ينطلق بالنسبة للبلدان «العربي ». ربما للعالم أيضا.
الحكم باسم الله النزعة الإسلامية وظمأ السلطة، غاليمار، 2013، ص ص 125 - 136


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.