بين ثنائيات حائرة ولغة لا فصحى ولا عامية ينسج الروائي التونسي توفيق بن بريك عمله الأدبي الجديد (كوزكي) باسلوب ابداعي مربك يدفع القارىء للتساؤل من أول وهلة اذا كانت (كوزكي) رواية أم مروية أم حكاية أم مجرد خواطر مؤلف احترف التحرر من البنية الروائية. وفي (كوزكي) يكسر بن بريك أسوار الواقعية ويعيد هيكلة الجغرافيا والوجوه مطلقا العنان لبطله همام المعلم بمدرسة النور الابتدائية الذي يركب دراجته النارية هاربا من (طاطاوين) باحثا عن خلاص البشرية في جبال الشمال الغربي. وأثناء رحلته إلى ريف سيدي حمد الصالح مسقط رأسه وموطن شغله يتنقل همام عبر جروح النفس ووجع الأفكار ويسير عبر ثنايا انفعالاته ورغباته وآماله وآلامه فارا إلى معبد السؤال ثم يحدث نفسه قائلا "تحت وطأة الحمى البيضاء أفر إلى ربوع المباح آكل لحم البشر وأشرب من دمك. دثروني دثروني أنا كوزكي الخيام." وفي مواجهة سيل من الأسئلة يلجأ إلى دابته الحديدية السوداء (كوزكي) يحاورها يسألها ويسائلها عله يجد عند الكتلة المعدنية أجوبة تشفي غليله تكون دليله لتحطيم الأسيجة من حوله... ولعل الكاتب والناقد حسين الواد في تقديمه للعمل تفكر كثيرا وتدبر ثم استنبط واحتال ليجد وصف لجنس أدبي محير فسماها "مروية". وجاءت الرواية أو "المروية" في 157 صفحة من الحجم المتوسط وصدرت ضمن سلسلة عيون المعاصرة عن دار الجنوب للنشر في تونس، وفي عمله الأدبي يتنقل الكاتب بين لغة فصحى ودارجة محلية في سعي لكسر الحواجز بين المحلي الضيق والعالمي الواسع واسقاط الفوارق بين المتعالي والشعبي. ويقول "ان تجسد اللسان كتابا تصطك له الكواكب تتكلم الأيادي في خلوة الضجر. تخط العبر المبتدأ والخبر. تتسارع الألفاظ من الصدر إلى الحلق حتى القلم رصاصة أضاعت وجهتها" مستطردا "الأيادي المتكلمة تمردت على فناء الكلام". وبن بريك كاتب وشاعر تونسي ولد عام 1960 بمنجم الجريصة من أصول قروية من عائلة نقابية. عرف ككاتب مقاوم ثائر على السلطة ويكتب من أجل المساواة والتقدم. وسجن بن بريك عدة مرات في عهد الرئيس السابق زين العابدين بن علي قبل أن يختار المنفى إلى فرنسا حيث نشر في أكبر دور النشر وكتب في أشهر الصحف الفرنسية وتوج بالعديد من الجوائز أبرزها (داشيل هاميت) الأمريكية ورشح لجائزة نوبل للآداب عام 2012. واستمر بن بريك في انتقاد السلطة حتى بعد اسقاط حكم بن علي مدافعا عن الجوعى والمهمشين، ومن أبرز أعماله (الآن أصغ إلي) و(ضحكة الحوت) و(سارق الأدب) و(كلب بن كلب).